هل يمكن لفيلم أن يجعلنا نشعر بالرضى أو نغير رأينا في موقف ما؟ سيكون هذا هو السؤال الأول في قائمة الأسئلة التي تدعونا للتفكير والربط المستمر بين السينما وعلم النفس. بعد هذه العلاقة، هل الفيلم/السينما قادر(ة) على تحسين أمزجتنا أو على الأقل على تعكيرها؟ هل يمكن أن تكشف لنا عن رغبات لم نكن نعرفها؟

يجب أن تشاهد هذا الفيلم

غالبًا ما يقدم المشاهدون العرضيون وكذلك معظم رواد السينما توصيات بشأن أفلام لمشاهدتها لا تستند دائما إلى جودتها الفنية ولكن إلى ما تتضمنه من محتويات مثيرة. في كثير من الأحيان، تكون تجربة مشاهدة فيلم وسيلة لتوجيه عواطفنا ومخاوفنا وأفكارنا… لذلك، فهي تتيح لنا التعبير عن أنفسنا بمزيد من الإخلاص حول قضايا معقدة إلى حد ما مثل عمق العقل البشري ووجهات النظر المختلفة في العلاقات الشخصية والأحاسيس التي ينتجها الحب فينا… هناك العديد من الفروق الدقيقة التي تمكنت السينما من عكسها بنجاح عبر التاريخ حيث كانت بمثابة ترفيه ولكن أيضا كأداة لنقل القيم والعواطف.

العلاج بالسينما أو التداوي بها (Cineatherapy) هو استخدام الأفلام لأغراض علاجية، أي بهدف تحفيز عقولنا أو إثرائها أو تخفيف حدة توترنا. في هذه السينما ليست كل الأفلام صالحة. لذلك، يكون الاختيار دقيقا من قبل النقاد والمختصين. التداوي بالسينما أو “السينماترابيا” فكرة بسيطة جدا كصفاء ونقاء النص، الهدف منها الترفيه عن النفس والترويح عنها بالبكاء وبالفرح وبالحماسة وبالتفكير وإعادة التفكير والتأمل والمناقشة حول موضوع يطرحه فيلم ما. التداوي بالسينما يجعلك تعيش تجارب غنية وتتماهى مع شخصيات الفيلم وقضاياهم كأنها تخصك وتعيد التفكير في وجهات نظرهم ونظرك، أو تتماهى مع بطل الفيلم في عمليات عاطفية (على الرغم من أن هذا ليس أمرا محمودا وممتعا دائما). في هذه النوعية من الأفلام، هي فقط تمارين علاجية.

فيلم “الخلاص من شاوشانك”

فيلم “The Shawshank Redemption” دراما أمريكية صدر عام 1994، كتبه وأخرجه فرانك دارابونت استنادا إلى رواية قصيرة تدعى “ريتا هيوارث والخلاص من شوشانك”؛ عمل روائي صدر للمؤلف ستيفن كينج عام 1982.
ما الأمر؟

بتهمة القتل، تم إرسال أندرو دوفرسن (تيم روبينز) إلى سجن شوشانك بعد أن حكم عليه بالسجن مدى الحياة. على مر السنين، سيكتسب ثقة مدير المركز واحترام زملائه السجناء. وأصبح له دور فعال في عملية غسيل الأموال التي قادها مأمور السجن صمويل نورتون؛ أدى دوره “بوب جنتون”.

لماذا يجب أن تراه؟ ماذا تفعل عندما تكون سجينا في الحياة؟ أخطر شيء أن تكون سجين فكرة وحيدة. سواء كنت بريئا أو مذنبا، ما الفرق الذي يحدثه ذلك؟ لا يمكنك الخروج منها. دراما في السجن هي نقطة انطلاق ممتازة لتعلم إدارة قلقنا في المنزل، في العمل، في الكتابة… لكن هذا الفيلم الرائع يجلب لنا آلاف الفروق الدقيقة؛ إنه يتحدث عن الخلاص كما يوحي عنوانه، عن الأمل وعن الصداقة وعن تقدير الأشياء الصغيرة والقتال من أجل ما تحلم به. لا يسعنا إلا أن نقول إنه يقدم واحدا من أفضل النتائج النفسية إرضاء للنفس في تاريخ السينما.

الفضول:

البحث عن منطلقات جديدة لحياتك لا ترتهن لفكرة واحدة… فكما يقال ليس هناك مواهب خاصة لكن هناك فضول عميق.

فيلم “الغرفة”

فيلم “الغرفة” (the room) (118 دقيقة/2015/إنتاج مشترك إيرلندي-كندي).

أم في ريعان شبابها صحبة طفل اسمه جاك، يكمل خمس سنوات ويحتفل بعيد ميلاده بلا شموع في غرفة لا تتعدى ثلاثة أمتار ونصف المتر. جسدت الممثلة الشابة بري لارسون دور الأم ببراعة فائقة.

تأتي مهارة المخرج الإيرلندي ليني أبرهام سون من خلفيته الثقافية والجمالية ذات البعد الفلسفي والانشغال بالأسئلة أكثر من البحث عن الإجابات.

موضوعه:

تعيش امرأة (بري لارسون) في غرفة مع ابنها جاك البالغ من العمر خمس سنوات. بالنسبة للصغير، هذا المكان هو العالم كله، المكان الذي ولد فيه حيث يأكل ويلعب ويتعلم. بالنسبة لوالدته، الغرفة هي الحجرة التي تم حبسها فيها لمدة خمس سنوات، مما خلق عالما جديدا في تلك المساحة الصغيرة لابنها.

لماذا يجب أن تشاهده:

في بعض الأحيان، نشعر بأننا محاصرون ومراقبون ومحبطون وكل شيء يهدد حياتنا ونكاد نختنق من حبس حرياتنا… شيء طبيعي للغاية في وضع استثنائي معقد مثل الظروف التي تحيط بنا الآن وكم الأخبار المهولة التي نتلقاها كل يوم عن الموت والفواجع. على الرغم من أن أبطالنا لا يحاربون وباء، إلا أننا إذا رغبنا في ذلك يمكننا أن نشاركهم بعض الألم والحسرة ونستطيع فهم كيف يعيدون اكتشاف أنفسهم في غرفة صغيرة ونرى كيف يتعاملون مع وجودهم بناءً على حبهم لبعضهم البعض

وخلق أسباب للحياة والأمل.

الفضول:

حب الأشياء والتمسك بها شجاعة. شجعان أولئك الذين يقاتلون من أجل الحب حتى حينما تكون المعركة خاسرة بالفعل.

فيلم “يوم بلا نهاية”

فيلم “يوم بلا نهاية” (Groundhog Day) (1993/101 دقيقة/الولايات المتحدة الأمريكية/إخراج هارولد رميس).

موضوعه:

فيل (بيل موراي)، رجل يقدم حالة الطقس في شبكة تلفزيونية، يذهب سنة أخرى لتغطية مهرجان جرذ الأرض مع شريكته الجديدة (آندي ماكدويل)، يجبر على قضاء الليلة في بلدة صغيرة بسبب العاصفة. في صباح اليوم التالي، يتحقق فيل كونورس من دهشته أنه يجد نفسه يعيد نفس اليوم وبنفس نشرة الطقس.

لماذا يجب أن تشاهده:

إذا كنت تشعر بأن الأيام تتكرر وفقدت مسار الوقت، فانتظر حتى ترى يأس بطل الفيلم في هذا الفيلم الكوميدي، إنها قصة مأساوية أصلية للغاية، حينها يمكنك أن تستكشف العديد من الاحتمالات وتجعلنا نفكر في الروتين، الأشياء النمطية التي تقتلنا ولكن قبل كل شيء إنها رحلة داخلية عبر ضمير بطلها، الذي يمر بحالات عاطفية مختلفة ليكتشف أخيرًا الشيء الوحيد المهم حقا. كيفية الخروج من المأزق.

الفضول:

يقال إن تكرار الأخطاء يساعدنا في معرفة أين أخطأنا في المرة الأولى. وبمجرد أن نكتشف ذلك يمكننا حل المشكلة ووضعها وراءنا. نتعلم في هذا التمرين تغيير حياتنا النمطية والبحث عن الجديد وعن مخارج لكل مشكلة/ورطة تعترضنا في حياتنا بأقل التكاليف…

فيلم “Ad astra”

(فيلم أمريكي/2019/ إخراج جيمس غراي/ الجنس: أفلام الفضاء)

موضوع الفيلم:

الرحلة التي بدأها براد بيت ليست رحلة إلى النجوم، إنها ليست حتى رحلة إلى نبتون، إنها ببساطة رحلة وجودية. رحلة الابن للقاء أب لم يعرفه حقا. الفيلم رحلة استبطان بحثا عن إجابات من نحن؟ وإلى أين سنذهب؟ ومن أين أتينا؟ يتم إرسال رائد

الفضاء روي ماكبريد (براد بيت) إلى الحدود الخارجية للنظام الشمسي للعثور على آخر طاقم في مهمة فضائية وكشف لغز يهدد بقاء كوكبنا. سيكتشف في رحلته العديد من الأسرار التي تتحدى طبيعة الوجود البشري ومكاننا في الكون.

لماذا يجب أن تراه:

لأنه ليس مجرد فيلم فضائي، لأنه لن يتركك غير مبال ولكن لأنه يعلمنا طرح السؤال. إنه بعنوان معقد، بطيء ولكنه منوم مغناطيسيا، حيث نرافق البطل في رحلة داخلية عبر الفضاء الخارجي. على الرغم من أن إيقاع الفيلم النهائي يتباطأ، فهذا هو المكان الذي يكمن فيه مفتاح الفيلم، حيث نستخلص أكثر الاستنتاجات قيمة، حدود الإنسانية. ما يهم عندما نكون وحدنا حقا. وكيف نحرر أنفسنا من بعض الشحنات العاطفية التي لا ندركها ولا نستطيع حتى تحملها في كثير من الأحيان. الفكرة: لا يمكنك أن ترضي كل الناس قبل إرضاء نفسك.

الفضول:

يعتبر النقاد هذا الفيلم أهم دراما فضائية حميمية صنعت حتى الآن. العنوان يعني “نحو النجوم” في اللاتينية. غالبا ما يتم استخدامه كاختصار لـ “Per Aspera Ad Astra”، بمعنى كيف يمكننا أن نتخلص من العزلة التي تحيط بنا؟

فيلم “النافذة الخلفية”

فيلم “النافذة الخلفية” (إنتاج أمريكي/112 دقيقة/1954/إخراج ألفريد هيتشكوك).

بماذا يتعلق:

يضطر المصور الصحفي (ستيوارت) إلى الراحة بعدما تعرض للكسر رفقة طاقم من الممثلين. على الرغم من رفقة صديقته (كيلي) وممرضته (ريتر)، إلا أنه يحاول الهروب من الملل ومن الضجر من خلال ملاحظة ما يحدث في المنازل المجاورة عبر الشارع من نافذة شقته. بسبب سلسلة من الظروف الغريبة، يشتبه في أحد الجيران الذي اختفت زوجته.

لماذا يجب أن تراه:

في هذه الأيام، كثير من ضباط الأخلاق على كل الشرفات، والنساء المسنات من وراء الستارة، وبشكل عام النظرات الخفية من الجيران تلاحقك أينما ذهبت والمحاكمات الأخلاقية ومحاكم التفتيش والأحكام المسبقة. هذه التحفة الفنية من إخراج ألفريد هيتشكوك. إنه درس في كيفية صنع فيلم مثير للغاية ورشيق وقوي باستخدام القليل جدا. اختيار جيمس ستيوارت مثالي. مثل كثيرين منا، الاستمتاع بشرفتنا في الصباحات وليس تحويلها مكانا للبصبصة، ويتعين علينا حل نزاعاتنا الداخلية دون مغادرة الغرف الموصدة.

الفضول:

اعتبار القوالب النمطية والجاهزة حقائق متعبة. والاهتمام بالذات والاعتقاد أن الإنسان ليس تلك القطعة الواحدة وأن هناك اختلافات يجب مراعاتها.

التداوي بالسينما مرآة مرسومة لشخصيتك ولذاتك وأحلامها. بهذا المعنى يجب وضع قائمة من الأفلام كمن يفضل السينما عن الواقع دون انفصال عنه بطبيعة الحال. هذه القائمة الفيلمية تكون حسب الحاجيات النفسية والعاطفية والاجتماعية، أو حتى العملية المتعلقة بالعمل أو ببعض الصعوبات التعلمية، بالاستعانة بنقاد سينمائيين في اختيار هذه العينات الفيلمية واستشارة طبيب نفسي.

بعد وضع هذه القائمة، يمكنك أن تستخلص بعض الاستنتاجات والنقاط المشتركة التي تهمك في مشروعك الشخصي، ويمكن أن تطورها باجتهادك الخاص؛ هذه فقط فكرة الانطلاق. التداوي بالسينما أعمق من هذا بكثير.

hespress.com