نتابع عن قرب هذا الحراك على وسائل التواصل الاجتماعي الذي كان سببه وضعية الكركرات وتدخل القوات المسلحة الملكية بحنكة وبرباطة جأش وبسلمية، لفتح الطريق ومنح الحق المُستَلب لسائقي الشاحنات والمسافرين لقضاء مآربهم وحاجياتهم وضمان الأمن والاستقرار. وهذا واجب الدولة الواعية التي تراعي وتحافظ على مصالح الوطن والمواطنين. فتحية إجلال وإكبار للقوات المسلحة الملكية التي جعلتنا نحن مغاربة العالم نفتخر ونعتز بهذا الإنجاز. فتم بهذا رفع التشويش من مرتزقة مُغتَصبين في إرادتهم؛ ومُغرر بهم، أرادوا اللعب على الأحاسيس وجلب الأنظار إليهم بافتعال قضية خاسرة من الأساس أمام أبطال أشاوس.
فرحنا بهذا الانتصار ولهذا التدخل الديبلوماسي بمساندة شعبية وطنية ودولية عريضة، حيث كانت الجارة تراقبه مجيشة ذبابها محاولة بلورة ملف مُفتعل لتسويقه وتدويله، هكذا في باطل واهن. فتلقت بذلك صدمات وانتكاسات على جميع المستويات:
– صدمة داخلية حيث انتفض الشرفاء الجزائريون والشريفات الجزائريات لفضح المنظومة العسكرية والحكومية والتي تحاول بهذا الصراع المفتعل صرف الاهتمام عن جرائمها ضد الشعب الجزائري المغوار واغتصاب حقوقه، من خلال خلق بؤر توثر لا تسمن ولا تغني من جوع هذا البلد العريق الذي تربطنا به وشائج تاريخية وثقافية ودينية وأسرية. سياسة صرف النظر وإتلاف الاهتمام لم تبق استراتيجية نافعة أمام شعب جزائري واعٍ.
– صدمة خارجية على المستوى المغاربي والقاري والعالمي حيث رأينا تسابق عدد من الدول الشقيقة والصديقة لفتح قنصلياتها بشكل رسمي في الصحراء المغربية. وهذا له دلالات عميقة ديبلوماسية تعبر هذه الدول من خلالها عن مساندة المغرب في قضيته العادلة والوقوف بجنبه سلميا وديبلوماسيا، لعل حكام الجارة والمتحكمين في دواليب الدولة والعسكر يفهمون الرسالة ويعودون إلى رشدهم ورشادهم.
سمعنا مؤخرا -الجمعة- تجييش المساجد والأئمة في الجارة الجزائر لمناصرة الظلم في قضية باهتة المعالم وشرعنتها داخل هذا الباطل، الذي قال الله عنه بأنه زهوقا، كي يتم تدنيس المنابر وروحيات المؤمنات والمؤمنين الجزائريين بنصرة تهافت وظلم صارخ، في لحظات يكون فيها الشعب أحوج إلى تقوية إيمانه لمواجهة الفقر المدقع والجهل المنتشر والتسكع وقلة الحيلة لمواجهة هذا الوباء المستشري في كل المناحي.
صدمات توالت حين أعلن الرئيس الأمريكي ترامب الاعتراف بمغربية الصحراء والذي ما هو إلا تحصيل حاصل لحق شرعي وتاريخي موثق لنرى الجنرالات يتسارعون لإيقاظ الرئيس -شافاه الله- من سباته المَرَضي في إكسسوار مسرحي هزيل الإخراج..
نعود إلى قضية ومقاربة الترافع المطلوبة مؤخرا من المجتمع المدني سواء داخل المغرب أو خارجه من طرف مغاربة العالم. علينا أولا أن نفهم القصد اللفظي /اللغوي/الدلالي والقانوني الاصطلاحي للترافع.
في عدد من المعاجم نجد:
تعريف ومعنى ترافع في معجم المعاني الجامع – معجم عربي عربي
تَرافَعَ: (فعل)
ترافعَ إلى / ترافعَ عن يترافَع، ترافُعًا، فهو مُترافِع، والمفعول مُترافَع إليه- تَرَافَعَ الْمُتَنَازِعَانِ إِلَى القَاضِي: اِلتَجَأَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَيْهِ لِيَفْصِلَ بَيْنَهُمَا، تَرَافَعَ الوَلَدَانِ: رَفَعَ كُلٌّ مِنْهُمَا الآخَرَ.
ترافعَ المحامي عن المتَّهم: دافع عنه بالحُجَّة وتحدَّث بما فيه مصلحتُه مترافِعٌ في دعوى تَرافُع: (اسم) مصدر تَرَافَعَ – لَمْ يَبْقَ أَمَامَهُمَا إِلاَّ التَّرَافُعُ إِلَى القَاضِي: الاِلْتِجَاءُ إِلَى القَاضِي لِعَرْضِ نِزَاعِهِمَا لِيَجِدَ لَهُ حَلاًّ، التَّحَاكُمُ
تَرَافُعُ الْمُحَامِي أَمَامَ القُضَاةِ: الْمُدَاخَلَةُ الَّتِي يُقَدِّمُ فِيهَا حُجَجَهُ وَتَبْرِيرَاتِهِ.
استنادا لهذه المعاني نجد أن مقاربة الترافع تحتاج إلى مهارات وفن الإعداد الجيد والتحضير المكثف للملف الذي نحن بصدد الترافع عليه. وقد تحتاج عشر دقائق من الترافع حول قضية معينة إلى جمع عدد من الوثائق والأدلة من أجل رد أدلة الخصوم ودحضها مدة تصل إلى شهور.
فالفرق بين المرافعة الجيدة والمرافعة السيئة يكمن في قدر الإعداد والإلمام بالملف والجاهزية النفسية المبني على الفهم التام للقضية والقراءة العميقة والشاملة للمستندات والمرجعيات والدراسة التحليلية والتفصيلية للوقائع والمطالب والاعتراضات والمواقف العدائية والصديقة.. كل ذلك لإعداد خطة الترافع والتدافع والدفاع لأننا لسنا وحدنا في الساحة.. بناء على كل هذا يجب صياغة ورقة والتي تتضمن كل البيانات المستنتجة من القراءات والوقائع السالفة الذكر.
فالمرافعة بهذا بعيدة عن الارتجال والتلاوة لوقائع بسرد ممل، بل تستند إلى الارتجال المكتوب والمنبعث من نفسية ومنطق واع بعيد عن الارتباك والعنف اللفظي الهجومي.
إن الترافع يحتاج إلى أسلوب واضح وبلاغة واتزان نفسي مستهدفين مخاطبة المشاعر والعقل في آن بمعاني ودلالات وحجج مطابقة للحال حتى لا نكون خارج الزمن.
كما أن المترافع يجب أن يتوفر على الشجاعة والإقناع والاحترام والثقافة والوقار وحسن الإلقاء بلغة مفهومة بعيدة عن البديع والسجع والمحسنات اللغوية!
وهذا ما نحتاجه لكي نترافع عن قضايا وثوابتنا؛ لا أن نخرج بالأعلام ونخاطر أمام “عدو” خادع وماكر يتربص بنا للوقوف على الهفوات..
إننا نستحسن هذه المقاربة التي قام بها مجلس الجالية لتقوية كفاءات الترافع حول قضيتنا المصيرية التي نحملها في قلوبنا، وذلك من أجل أن لا نقوم بتدويرها بيننا نحن كمغاربة في مزايدات مبطنة على وطنية هذا وذاك، غير قادرين على مخاطبة هذا الآخر الألماني والفرنسي والإسباني والإنجليزي والإيطالي والبرتغالي والكندي والأمريكي والأسترالي والإفريقي عامة – واللائحة تطول!! فكل واحد من هذه الجنسيات له تركيبة عقلية ومخيال شعبي يختلف عن الآخر، مخاطبة الفرنسي لا يجب أن تكون بنفس مقاربة مخاطبة الألماني.. وفي هذا علينا أن نجتهد وأن لا نبقى سجناء ردود الأفعال، معممين مقاربة ومنهاج ترافع واحد على جميع البلدان. إن قضايانا وثوابتنا الوطنية هي قضايا يومية وشهرية وسنوية وتحتاج إلى مساندة ومواكبة داخل تجليات ثقافية وتشاركية.. وهذه صيغة جميلة من الترافع تجعلنا نضمن (بضم النون وفتح الضاد وكسر مع تشديد الميم) هذا الآخر الأكاديمي والسياسي والمثقف والجار والصديق. هذه هي حنكة الديبلوماسية الموازية في اعتقادي المتواضع وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.