التطبيع..مع الأخلاق
أرشيف


علي بن محمد امقران


الخميس 17 دجنبر 2020 – 01:50

حكى لي أبي- رحمه الله -أنه كان يعمل في شركة خياطة مملوكة لأحد اليهود المغاربة، وكان رحمه الله فقيها عالما، لكنه لا يسترزق بعلمه ولا يتهافت في الوصول إلى منصب علمي أو ديني كما فعل الكثير من أقرانه، بل فضل العيش بحرفته التي أعال بها عائلتنا المكونة من عشرة أفراد..وكان إذا حان وقت صلاة لا يحق له فيها التوقف عن العمل، ولعلها العصر، إلا وتوضأ وصلى وعقد الباقيات الصالحات على كفه..

في يوم من الأيام، رمقه محاسب الشركة المسلم وهو يهم بالدخول في الصلاة، فعلم أبي رحمه الله أنه سيشي به عند اليهودي، فهذا عمل إضافي عن العمل الأصلي عند أغلب المسلمين، يبلغون كل شاردة وواردة لنيل الحظوة لدى المسؤولين..أكمل أبي صلاته وما كان منه إلا أن دخل مكتب اليهودي رب عمله، مخيرا إياه بين السماح له بأداء الصلاة أو الاقتطاع من أجرته مقابل الاستفادة من هذا الوقت الذي يقضيه في التعبد..ذهل أبي عندما علم من اليهودي صاحب الشركة أنه على علم بهذا التوقف المتكرر عن العمل لأجل الصلاة، وقال له بالحرف: “ألفكيه -الفقيه لأن القاف ينطقها كافا – خذ راحتك، راه الدين ديالنا تيحرم علينا نمنعو شي واحد من العبادة”، ومنحه ساعة كاملة مهداة لأجل الصلاة والاستراحة..أقسم أنني صادق في نقل هذه القصة من لسان أبي، وليست من نسج الخيال.

هذه الشركة كان يتمتع فيها أبي بكل حقوق الأجير: الأجرة، الساعات الإضافية المؤدى عنها، وكذلك الانخراط في صندوق الأجراء ..

ألا يحق لنا أن نضع مقارنة بين معاملة هذا المستثمر اليهودي رب العمل، ومثله كثير من اليهود الذين ما إن يلمسوا الصدق والثقة وإتقان العمل في أحد إلا وقربوه، وبين كثير من المسلمين- أو بالأحرى المتأسلمين- الذين لا يرقبون في الأجراء المساكين إلاّ ولا ذمة، ويحرمونهم من أبسط الحقوق، ويطمعون في دريهمات لا يؤدوها لتسجيلهم في صندوق الضمان الاجتماعي..

إن القصد من تشريع الدين التزام الفرد بهديه لتحقيق سعادته ورفاهية المجتمع، فالعبادات كلها اجتماعية، بالإضافة إلى ما تحققه للفرد من سكينة واتزان وطمأنينة، فالصلاة طهارة للمجتمع من الفحشاء والمنكر، والزكاة تعاون وتضامن، والصيام تكافل، والحج صلة وتعارف…

نحن نحتاج في هذا الزمن إلى الأنفع للبلاد والعباد بغض النظر عن دينه أو ديانته، أو عقيدته.. فغير المسلم الذي يتفانى في خدمة الوطن والمواطنين، ولا يأكل أموال الناس بالباطل، ولا يمد يده للمال الحرام، خصوصا المال العام، ويؤدي الحقوق لأصحابها، ولا يلبس عباءة التدين للوصول – من الوصولية- إلى حطام الدنيا الفانية وإن على حساب الآخرين، لهو أولى بالاحترام والتقدير والتعامل من مسلم – متأسلم- كذاب غشاش، غامط حقوق الناس، وصولي وانتهازي..

لقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي في ثلاثين صاعا من شعير..

hespress.com