دعوني في البداية أبارك للشعب المغربي كله بكل طوائفه ومكوناته رأس السنة الجديدة، ولذلك أقول للجميع كل عام وأنتم بخير. كما أبارك للجميع التطبيع مع إسرائيل والحصول على اعتراف أمريكي ثمين بمغربية الصحراء.

التطبيع يبدأ من التعريف، فالتطبيع هو ربط علاقة طبيعية بين الدول، وفي حالة إسرائيل هو ربط علاقة طبيعية مع دولة إسرائيل بعيدا على العداء والكراهية والحرب.

فمنذ قيام دولة إسرائيل لم تكن علاقتها مع العرب علاقة طبيعية، لم تكن علاقة سلام، فقد قامت حروب طاحنة بين البلدان العربية من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، منها حرب 1948، ثم حرب 1956، والنكسة في 1967 أو ما يسمى بحرب الستة أيام، وحرب أكتوبر 1973، وقد شارك المغرب في بعض هذه الحروب بإرسال جنوده كما حصل في حرب يوم الغفران (1973) وقبلها حرب 1967. وللأسف لم نجن من تلك الحروب غير الدمار والقتل والعداء.

لكن بدأت الأمور تتغير بعد توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل سنة 1979، واتفاقية أوسلو سنة 1993، ثم معاهدة وادي عربة بين الأردن وإسرائيل سنة 1994، واليوم نشهد موجة أخرى من السلام وربط علاقات طبيعية بين العرب وإسرائيل بدأتها الإمارات ثم البحرين والسودان والمغرب.

إن التطبيع ليس عيبا وليس عارا كما يدعي البعض، بل خطوة ذكية واستراتيجية من الدول التي اتخذت هذه المبادرة، فالسلام أفضل من الحرب والعلاقات الطبيعية أفضل من العلاقات العدائية. الشعوب تزدهر تحت قبة السلام لا تحت ويلات الحروب ولا تحت الكراهية والعداء.

إن الخطوة التي اتخذها المغرب هي خطوة ذكية تدل على ذكاء الدبلوماسية المغربية بقيادة الملك محمد السادس، وهي صفقة سياسية بامتياز، التطبيع مقابل الاعتراف بمغربية الصحراء. صفقة رابحة من كل الجوانب. وهذه هي السياسة الرابحة.

إن الرافضين للتطبيع يعتمدون على لغة المشاعر لا على لغة السياسة، فالسياسة ليس فيها أصدقاء دائمون وليس فيها أعداء دائمون، السياسة تتغير بتغير الظروف والمصالح، السياسة تتطلب المرونة واقتناص الفرص. وهذا ما فعله المغرب بالتحديد.

لكن بطبيعة الحال هناك من يرفض التطبيع ويخون القائمين عليه، ولذلك في هذا المقال سأفحص التبريرات التي يرتكز عليها الرافضون وأحللها بناء على المعطيات التي تسوقها:

التبرير الأول: إسرائيل بلد محتل، لا ينبغي الاعتراف بها كدولة

هذه النظرة التبسيطية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي نظرة تعتمد على المشاعر فقط، أما القضية فهي أعقد من ذلك بكثير، فاليهود موجودون في الشرق الأوسط منذ القديم، وما حصل في تلك الأرض معقد جدا، ولذلك لن يحل بالمقاطعة أو بالحرب، بل بالمفاوضات وبالجهود الدبلوماسية، فإسرائيل بلد معترف به من 164 دولة، لو نقصت دولة أخرى أو زادت لن تغير من المعادلة أي شيء، فهو بلد له سيادة على أرض وله حكومة وله عاصمة وله عملة وله جواز سفر ودبلوماسيون في كل بقاع الأرض، وله تأثير في العالم كله بل وله سلاح نووي. المغرب كان يقبل دخول اليهود بجواز سفر إسرائيلي، سيكون المغرب متناقضا مع ذاته إن قبل دخول الإسرائيليين بجواز سفر إسرائيلي ثم في الوقت نفسه يرفض الاعتراف بدولة اسمها إسرائيل. ثم إننا نسأل أصحاب هذه الحجة، ها هي إسبانيا تحتل سبتة ومليلية ولماذا علاقاتنا طبيعية معها؟ إن كانت الحجة هي الاحتلال كما تقولون فمقاطعة إسبانيا أولى وهي تحتل أراضي مغربية. إن ربط علاقات طبيعية مع أي دولة لا يعني بالضرورة الموافقة على كل تصرفاتها، بل يعني أننا نسعى إلى السلام وإلى التعاون، ونترك الأمور المعقدة للمجتمع الدولي والدبلوماسية الدولية كي تحلها بالطرق السلمية.

التبرير الثاني: إسرائيل تضطهد الفلسطينيين

رغم أن هذه الحجة فيها من التفاصيل ما يمكن دحضه، لأن هناك الكثير من العرب الفلسطينيين الذين يحملون جواز سفر إسرائيلي ويعيشون في إسرائيل ويتمتعون بكل حقوقهم السياسية والفردية ويحميهم القانون، لكن دعونا نسلم فرضا بأن إسرائيل تضطهد الفلسطينيين بالشكل الذي يصوره الإعلام العربي المعادي لإسرائيل، هل كل دولة تضطهد المسلمين أو العرب نقطع علاقاتنا معها ونعتبرها دولة عدوة؟ لنبدأ بالصين إذن، لماذا نكيل بمكيال آخر مع الصين وهي تضطهد مسلمي الإيغور؟ ولماذا لا نقاطع بورما ونعلن عدم اعترافنا بها لأنها تضطهد مسلمي الروهينغا؟ الاضطهاد يعالج أيضا بالعلاقات الدبلوماسية وبالاحتجاج وبالتدخل الدولي لا بالعداء والكراهية والحرب، فالمقاطعة والعداء لن يحلا المشكلة، والتطبيع لا يعني الموافقة على الاضطهاد.

التبرير الثالث: اليهود مغضوب عليهم

النظرة الدينية التعميمية على اليهود هي من أكثر المصائب التي ابتلينا بها، فنعت اليهود (كل اليهود) بأنهم مغضوب عليهم، وأنهم إخوة القردة والخنازير، وأنه لا ينبغي اتخاذهم أولياء هي نظرة تفتقر إلى التمييز، فحتى على فرض أن بعض اليهود كانوا معادين للدعوة الإسلامية في بدايتها (وهنا أفترض فقط) فهذا لا يعني تعميم نفس النظرة ونفس الطبائع والصفات على جميع اليهود في جميع الأماكن وفي جميع العصور، هذا إن حصل سيكون ظلما وعنصرية. فاليهود مثلهم مثل باقي البشر فيهم الصالح وفيهم الطالح، والكثير منهم يحبون المغرب وعدد كبير منهم مغاربة، يحبون التقاليد المغربية ويحبون الثقافة المغربية ويرحبون بأي مغربي يزور إسرائيل بل وأحيانا كثيرة يعاملون المغربي بترحاب أكبر، أتذكر عندما طلبت أن آخذ صورة مع جندي إسرائيلي في القدس، وحين عرف أنني مغربي أفصح لي بأن والديه من المغرب من مدينة مراكش بالتحديد، وتبادلنا الحديث وبعض الكلمات بالدارجة المغربية. اليهود يريدون أن يعيشوا بسلام مع جيرانهم وعلينا أن نبدأ مرحلة جديدة في التعامل مع البشر بعيدا عن أي نظرة إيديولوجية تصنف الناس بناء على الجنس أو الدين أو العرق.

كمسيحي مغربي أدعو للسلم والسلام بين الشعوب، وأحيي الملك محمد السادس على شجاعته في اتخاذ هذه الخطوة، كما أحيي الشعب المغربي على وقوفه في صف واحد مع مصالح البلد بعيدا عن الشعارات ودغدغة المشاعر. وهذا لا يعني بأي حال قبول الظلم أو الاضطهاد، فكل ظلم ضد الفلسطينيين هو مدان، وكل ظلم ضد اليهود هو أيضا مدان، لا للإرهاب ولا للقتل من أي طرف كان. نعم للسلام، نعم للتطبيع إن كان ينشر السلم والسلام بين الناس نعم لحل هذه الأزمة التي عاشت معنا العمر كله، حان الوقت لإيجاد أرضية للتعايش. وكل عام وأنتم بألف خير.

hespress.com