يشبه الجو العام داخل الفضاءات التي توجد بها محلات بيع منتجات الصناعة التقليدية في المدينة العتيقة بفاس مجلسَ عزاء، بسبب الركود التجاري. التجار مُنزوون داخل محلاتهم أو أمامها مهمومين بأسئلة المستقبل.
قبل أن تهب جائحة فيروس “كورونا”، كانت المدينة العتيقة بفاس تشهد حركة تجارية منذ الصباح الباكر. أما اليوم، فإن التجار لا يأتون إلى محلاتهم إلا عندما تقترب الشمس من التموقع في كبد السماء، ويأتون فقط من أجل تبديد الوقت طالما أن تجارتهم كسدت بشكل شبه تام.
أول ما يلفت انتباه زائر المدينة القديمة بفاس هو وجود عدد كبير من المحلات التجارية معروضة للبيع، بعدما أدار أصحابها المفاتيح في الأقفال وتركوا على أبوابها أرقام هواتفهم؛ لكن لا أحد يرغب في اقتنائها، طالما أن الاستثمار في هذا الفضاء أصبح مرادفا للخسارة المالية.
في الماضي، أيام الازدهار التجاري، كان التجار يبحثون عن محلات تجارية وسط المدينة القديمة بفاس فلا يجدونها حتى ولو قدموا ستين أو مائة مليون سنتيم. أما اليوم، فلم يعد هناك من هو مستعد للانخراط في هذه المغامرة في ظل البوار التجاري السائد بالمدينة.
بيع التجار لمحلاتهم التجارية في المدينة العتيقة بفاس بدأ منذ مباشرة إصلاحات في المدينة، والتي نجم عنها إغلاق عدد من المسارات؛ ما حال دون ولوج الزوار إليها، وجاءت جائحة “كورونا” لتؤزم الوضع أكثر، حسب إفادة الجيلالي النكاز، نائب رئيس جمعية المثلث الأحمر ورئيس جمعية المقاهي والمطاعم التقليدية بفاس.
ويضيف النكاز: “الذي أهلك المدينة هو تدبير المشاريع بشكل عشوائي، دون إشراك ممثلي التجار والحرفيين الذين هم أدرى بمصلحتهم”، مفيدا بأن هؤلاء قدموا مقترحات عديدة إلى السلطات، حتى قبل أن تأتي جائحة “كورونا”، من أجل تعزيز السياحة بفاس؛ لكن دون جدوى.
في هذا الإطار، يعتقد ممثلو تجار وحرفيي المدينة العتيقة بفاس أن العاصمة العلمية والروحية للمملكة تتوفر على مؤهلات كبيرة بمقدورها جلب ملايين السياح بشكل دائم؛ فعلاوة على ما تضمه المدينة من أماكن جالبة للسياح الغربيين، فإنها تضم أيضا أماكن بمقدورها أن تجلب السياح من قارات أخرى، خاصة القارة الإفريقية.
وأوضح الجيلالي النكاز ان الزاوية التيجانية الموجودة في قلب المدينة القديمة بفاس يمكنها أن تستقطب 450 ألف زائر سنويا على الأقل؛ لكن غلاء أسعار تذاكر الطائرة بين المغرب وبين عدد من الدول الإفريقية، مثل السنغال حيث يوجد مريدو الزاوية التيجانية، يحول دون تحقيق تلك الغاية.
وأضاف نائب رئيس جمعية المثلث الأحمر ورئيس جمعية المقاهي والمطاعم التقليدية بفاس: “في لقاء بمقر ولاية الجهة، قلنا للمسؤولين إنه لا يُعقل أن يأتي سائح فرنسي من فرنسا إلى فاس بعشرة أو عشرين أورو، بينما سعر التذكر من وإلى بعض الدول الإفريقية يصل إلى ثمانية آلاف درهم أو أكثر”، ذاهبا إلى القول إن هناك “أيادٍ خفية” تعمل على خنق شريان السياحة بفاس.
لا يبني الجيلالي النكاز تصوره لتعزيز النشاط السياحي في المدينة القديمة بفاس على انطباعات؛ بل على توقعاتٍ وتجارب مماثلة، إذ يشير إلى أن الزاوية التيجانية بنيجيريا تستقطب سبعة ملايين من التيجانيين، وتستقطب نظيرتها في السنغال مليونيْ مُريد كل عام، “ولك أن تتصور كم ستستقطب الزاوية التيجانية بفاس، وهي المنبع والأصل”، يردف المتحدث.
ويَعتبر المتحدث ذاته أنه من السهل “خلق تنمية قوية في مدينة فاس”، قبل أن يستدرك بأن غياب الإرادة يحول دون تحقيق التنمية المنشودة، متسائلا في هذا الإطار: “لماذا لا يتم إنشاء فنادق بمحاذاة الزاوية التيجانية، لأن المريدين يحبون أن يكونوا قريبين من الزاوية؟”.
وفي انتظار أن تُرفع “الأيادي الخفية” التي يرى الجيلالي أنها تحول دون ازدهار السياحة في فاس، يتطلع تجار وحرفيو المدينة القديمة إلى أن تعود الحركة التجارية إلى ما كانت عليه قبل انتشار جائحة فيروس “كورونا” على الأقل، بعد عام وشهرين من الكساد، دون استفادتهم من أي دعم.
ويؤكد الجيلالي النكاز أن ثلثي الأنشطة التجارية والحرفية داخل المدينة القديمة بفاس، والتي تمتد على 12 كيلومترا، تعتمد بالأساس على السياحة، خاصة السياحة الخارجية، لافتا إلى أن المشتغلين داخل هذا الفضاء التاريخي “كْلاوْ العصا مزيان”.