مقاربة يجب وضعها وأجرأتها حسب طبيعة الوضع الوبائي والاقتصادي الخاص، منطقة بمنطقة، جهة بجهة، إقليما بإقليم، مدينة بمدينة، أو حتى حيا بحي. لا شيء من هذا حصل؛ فقد كان قرار الحجر الليلي شيئا منتظرا من حكومة تعودت على ممارسة هوايتها المفضلة: المنع ثم المنع ولا شيء غير المنع.

تم إقرار الحظر الصحي الشامل مند أكثر من سنة، وكلنا تقريبا تجاوب معه خائفين من الجائحة وطائعين لأوامر الدولة، وكان الأمر منطقيا لكوننا كبشر لم نعرف ما الذي يحدث ولا ما الذي يجب علينا فعله؟

وتم إقرار قانون الطوارئ وما تضمن من حزمة من الإجراءات السالبة للحقوق والمربكة لأحوال المواطنين الاقتصادية والمعيشية، ومع ذلك كان لسان حالنا “هو شر لا بد منه”.

وتمر سنة كاملة بكل ما فيها من قرارات ومعطيات وبيانات، ولا شيء تغير تقريبا. المقاربة هي نفسها لا جديد؛ تمديد في تمديد، دون مراعاة آثاره التدميرية على كل جهات ومناطق المغرب.

جهة الدار البيضاء ليست هي جهة أزيلال، وبيانات وأرقام وضعهما الوبائي ليست هي نفسها.. وقس على ذلك باقي جهات وأقاليم المغرب. أين هي المقاربة المجالية؟ أين هي المقاربة الشمولية أفقيا وعموديا؟!

لا شيء من ذلك؛ فما يسري على أكبر مدينة يسري على أصغر دوار في فيافي بودنيب، وإن كنت حقا لا أعرف هل وصلها الفيروس أم ليس بعد.

لم تستطع اللجنة العلمية بقوتها وحنكة ومهنية بعض أعضاءها أن تفرض على الدولة ولو اقتراحا واحدا في هذا الاتجاه، وظلت حبيسة مهمة وحيدة؛ إعطاء رأيها الاستشاري كل ما تعلق الأمر بتوضيح أو تحسيس أو تسويق لقرار بعين. وكأن اللجنة العلمية مجرد خلية إعلامية مهمتها تواصلية بالأساس وغير مسموح لها بتجاوز هذه الصلاحية.

دليلنا في ذلك هو نشر بلاغ تكذيبي متسرع، كله مغالطات في منتصف الليل كمحاولة منها لحصر الضرر وتوضيح الصورة للرأي العام الوطني والدولي حول موضوع علمي صرف يهم مسألة وجود وتصنيف سلالة جديدة من الفيروس من عدمها.

ارتجال ما بعده ارتجال؛ هل كنا قاب قوسين من الهاوية والهلاك، حتى تتصرف الدولة هكذا؟ أم أنه صراع أجنحة كلنا نعلم بوجودها، أو تنافس غير شريف يتم فيه تكسير الأجنحة والضرب تحت الأحزمة.

فحتى في زمن الحروب والمعارك لا تصدر لا بيانات ولا بلاغات في منتصف الليل حتى تتضح الرؤية أكتر.

وهل هناك أتفه من مثل هذا القرار والسلوك.

لطالما رددنا أكثر من مرة أن نهج نفس المقاربة والاستمرار في إشاعة جو من الاطمئنان الكاذب. وكم من مرة شددنا على العمل بالمقاربة الشاملة وضرورة تدبير الوضع الوبائي ببراغماتية واستباقية تدبيرية، والحث على إشراك المواطنين كأحد أعمدة هذه المقاربة التي لا يمكن أن يحالفها النجاح إلا بإشراك وانخراط المواطنين فيها وحثهم على التقيد بها.

هذه مجرد أماني قد لا تنقص من واقع الأمر شئيا، فالدولة ماضية فيما تقرره وتطبقه لا يهمها لا رأي ولا نصيحة ولا لجنة علمية ولا مواطنون.

الحركية ليست نهاية العالم:

عمليا الحركية تقاس بناء على عدد معين في مساحة أو حجم معين في توقيت معين، وهكذا فإن الحركية متغيرة بطبعها ولا نأخذ بها إلا بالإشارة إلى توقيت معين أو بمعدل حسابي عام لفترة معينة.

وهذا ما يعتمد بشكل كلي على معطيات دقيقة تجمع من خلال وسائل تقنية ومعرفية تمكن من تحديد منحنيات تطور الحركية في مكان وزمن ما.

هل مثل هذه المعطيات والمؤشرات تمتلكها الدولة؟ وهل احترمت كل هذه الشروط لتحولها إلى بيانات إحصائية؟ لا أظن ذلك.

البيانات التي بيد الدولة ليست كلها دقيقة أو صحيحة؛ ففي كثير من الأحيان لا يتم التصريح أو الكشف عن الأرقام الحقيقية، إما بالجهل أو التغافل أو عن عدم رغبة الدولة في تهويل وإثارة رعب المجتمع. وهذا باعتراف بعض المطلعين الذي سمعت منهم هذا شخصيا.

ففي الغالب تقوم الدولة بما يجب أن تقوم به، وهي في ضبابية كبيرة نظرا لغياب من يرشدها من بيانات دقيقة وتوصيات لجان وخبراء ومكاتب دراسات مختصة، وفي حالة من العجلة، لأن الوقت لا يلعب في صالحها.

قرر، دبر تم فكر؛ هكذا ربما منهج الدولة، على عكس ما يجب أن يكون. فكر قرر دبر، ربما على الأقل في هذا الأمر هي معذورة، فهذا لم يكن منهجها يوما ما.

وبالرجوع إلى النقطة المحورية المتعلقة بالحركية وسرعة انتشار الفيروس أينما كان الازدحام أو الاكتظاظ، وكم أود شخصيا أن أعرف لماذا نسبة تضاعف الحركية ستكون 200 في المئة بالضبط وليس 201 أو190 %؟ سؤال احصائي!! أكيد ليس لي جواب له، ربما أهل الاختصاص لهم تفسير مقنع.

وبناء على هذا، أتساءل ماهي نسبة تضاعف الحركية أو نقصانها خلال الشهور الفارطة وخلال فترة الاستعداد لرمضان، وكذلك الآن ونحن في هذا الشهر الفضيل. ألسنا تقريبا بمستوى ما يحصل في كل رمضان من كل عام من ازدحام واكتظاظ

وتهافت على أماكن التجمعات، وكأن الأمر مثلما كان قبل زمن كورونا.

فالأسواق أكتر ازدحاما، كما كانت في فترة الاستعداد لرمضان، والآن هي أكتر، فحركية النهار تضاعفت بشكل كبير نظرا لانفجار معدلات حركية نقل البضائع والسلع، والرواج الاقتصادي في أوجه بشكل مضغوط في ثلات ساعات (من 3 إلى السادسة) وهو ما يجعل قدرة الفيروس على الانتشار تتضاعف واحتمال تضاعف عدد الإصابات أمر وارد.

فكل شيء عاد وكأن الحياة عادية، لا كمامات ولا احترازات ولا تباعد ولا وقاية ولا سلطة عمومية إلا فيما ندر.

الآن وكذلك قبل حلول شهر رمضان الفضيل لازال الآلاف من المؤمنين يؤمون المساجد يوميا، وفي كل صلاة يتصافحون، يتعانقون ويسألون الدعاء لبعضهم، دون تقيد بالإجراءات الاحترازية بالكل في معظم الأحيان. كما أن الآلاف من المواطنين يحجون وينتقلون يوميا بالنهار إلى كل مكان مسموح فيه بالتجمع؛ أسواق، حمامات، نوادي اللعب، قاعات الرياضة، مقاهي، مطاعم، وهلم جرا…

فهل الفيروس حقا كائن ليلي؟ وهل الليل فقط للسبات والكسل؟ ماذا عن الآلاف من الذين يتوقف عملهم على الليل طوال السنة، خصوصا في هذا الشهر الفضيل؟ وكيف ستزيد حركية الليل وستتضاعف الحركية الكلية مقارنة أو بالنسبة لأي شهر بالضبط؟ هل حركية النهار أم الليل أم هما معا مصدر الزيادة؟ أم هي حركية الليل فقط هي المسؤول?

واضح أن المنع ناجم عن تخوف منطقي أن تزداد حركية الناس خلال ليالي رمضان وهو أمر مألوف وشائع. لكن هل فعلا حركيتنا الفردية أو الجماعية بالليل أكثر من حركيتنا ونحن في زحمة الأسواق الصغرى والكبرى وأكتر من اكتظاظ وسائل النقل؟ أو أكتر حركية من فترة ما قبل ا لآذان. وهل فعلا سيكون الزحام والاكتظاظ مبارك بالنهار مذموم بالليل وإن لم يكن؟!

فالحركية، مع افتراض، أنها كانت ستتضاعف، كان من الممكن تحجيمها بحلول مبتكرة وسهلة، أو لربما أسهل شيء هو المنع والحجر.

hespress.com