جدلٌ واسعٌ رافق الإعلان عن الهوية البصرية الجديدة لمدينة أكادير، انتقل خلال الأيّام القليلة الماضية إلى صفحات مغربيّة بموقع التواصل الاجتماعيّ “فيسبوك”، وكتبت حوله مقالات، ووقعت بشأنه عريضة رقميّة.

ويرفض معلقّون هذا الشّعار الجديد الذي أعدّه الفنّان التشكيلي المغربيّ البارز والمصمّم محمد المليحي، لـ”غياب الهوية فيه”، و”عدم تمثيله الثقافة الأمازيغية”، و”عدم استقاء آراء مجموعة من المتدخّلين حوله”، كما يتّهم بعض المتدخّلين الشّعار الجديد بكونه مستلهما من شعار سابق لمدينة القاهرة المصرية.

ويردّ معلّقون بأنّ الشّعار القديم، الذي صنعته شركة أجنبيّة، لَم يكن يهتمّ به أحد، ولم يُثِر أيّ جدل، كما ينبّه متخصّصون في الفنون التشكيلية إلى أنّ المثلثّ ليس حكرا على الأهرام الفرعونيّة وأهرام المايا والإنكا وغيرها من الحضارات، بل يحضر في الحليّ الأمازيغية مثل الـ”خلالة”، ويحضر أيضا في الطبيعة ممثّلة في الجبال.

وبشكل قاطع، ينفي محمد المليحي، فنّان تشكيليّ رئيس الجمعيّة المغربيّة للفنون التّشكيليّة، أن يكون قد استلهَم شعاره من أيّ شعار آخر، ويقول: “شعاري له علاقة بالحليّ، وشجرة أركان، ومقبض (مقبط) السّيدات الأمازيغيات الذي يجمعن به ملابسهنّ”، ثم يضيف: “سوس منطقة إنتاج الحلي الأمازيغيّة، ونعتزّ بالعمل الأمازيغيّ، وهو الأَولى، وركّزنا في عملنا بمدرسة الفنون الجميلة بالبيضاء على السّجّاد الأمازيغيّ”.

ومن بين ما ألهم شعار المدينة، وفق تصريح مصمّمه لجريدة هسبريس الإلكترونية، “البحر، وميناء أكادير الضّخم، والشّمس المشرقة بالمدينة طيلة السنة. وهو ما تطلّب شهورا خمسة من الاشتغال”.

ويعود المليحي إلى مرحلة تدريسه بمدرسة الفنون الجميلة بالدار البيضاء، واتجاهه بعدها إلى الفنّ التّجاريّ، والشّعارات التجارية والمؤسّساتيّة، قبل أن تأتي سنة 1975 حين جمع الملك الحسن الثاني البلاد على قضيّة الصّحراء، وقال: “بسم الله لخدمة البلاد”، فـ”دخلنا المجالس البلديّة، وكان من المفروض التفكير في حلّ حتى تنتعش مدينة الصويرة فأخذت بمشقّة 11 فنّانا إلى أصيلة لصباغة الجداريّات، وتشجيع السّكّان على عدم تلويث الشّوارع”.

ويزيد المليحي: “بعد انقطاعي على الفنّ كنتُ أعيش مِن الكتب والمناشير وشعارات الشّركات، وبعد فترة مع وزارة الثقافة، ثمّ وزارة الخارجية، بدأت عملي الفنّيّ الشّخصيّ في سنة 2003”.

ويقدّم المليحي شعار مدينة أكادير بوصفه جزءا من هذا المسار؛ فيقول: “أعددته لا كفنّان تشكيليّ بل كمصّمم غرافيكي، فهذه الأعمال تعطى لِمن لهم دراية بالفنّ الغرافيكيّ وتصميم الشّعارات”.

وعن سبب استعماله الخطّ الكوفيّ في شعار يعبّر عن منطقة أمازيغيّة، يقول المليحي إنّ “كلّ الخطوط العربيّة تنتمي لكلّ مَن ينتمي للحضارة العربيّة، واستعملتُ حرف تيفيناغ في الشّعار، لكن لا يمكن أن يكون الشّعار كلّه بهذا الحرف فحتى السكان المنتمون للمنطقة لا يعرف معظمهم قراءة الأمازيغية بحرف تيفيناغ (…) ولا يمكن أن نصمّم شعارا لا يُقرأ”.

ويزيد المليحي: “في كتاب (دلائل الخيرات المغربيّة) نجد (بركة محمّد) بالحرف الكوفيّ، كما أنّ زوّار الصويرة يستقبِلُهُم مدخَلُها بمنحوتة من أربعة جوانب لـ(بركة محمد)، للحسين الميلودي، وهي هناك منذ سنوات ولَم يُثَر أيّ جدل حول استعمال فنّانها الخطّ الكوفيّ”.

بدوره، يوضّح هشام الداودي، مدير الشركة المغربية للأعمال والتحف الفنية المشرفة على المشروع، أنّ اختيار الاشتغال مع المليحي تمّ لأنّ “المُدُن تُهِمُّها صورتها العالَميّة، ومِن الفنّانين مَن لهم سمعة تفيد شعار المنطقة والجهة، وهذا الفنّان له سمعة عالميّة، وبدأ الاشتغال في أكادير وتارودانت منذ سنة 1963، وله تجارب فنية حول رموز الثّقافة الأمازيغيّة، كما يمكّن هذا الفنّان مِن أخذ اتّجاه جديد دون محو فترة تاريخيّة مهمّة جدّا هي بناء أكادير بعد الزلال”.

ويذكّر المتحدّث، في تصريح لهسبريس، بأنّ مدرسة الفنون الجميلة بالدار البيضاء التي كان يُدَرِّسُ بها محمد المليحي، عند بدء اشتغالها على الفنون المعاصرة كانت تشتغل على الثّقافة الأصلية، معه ومع فريد بلكاهية ومحمد شبعة، وكانت أصول هذا الاشتغال من مدينة أكادير.

ويضيف المتحدّث: “يريد المليحي من خلال شعاره إظهار كنز في قلب الخلالة الأمازيغيّة (…) وقد أظهر بمستوى عال احترامه الكامل، وانبهاره بهذه الثّقافة، وودّه لها”.

وينبّه هشام الداودي إلى أنّ “للمنطقة حساسيّتها، ولم يمكن أن تمرّ دون نقد”، ثم يزيد أن “الفنّان يحتاج حريّته وانبهاره أيضا، وهو ما يظهر في شعار مدينة أكادير الذي اشتغل عليه المليحي طيلة شهور، وزار بسببه المدينة 6 مرّات خلال فترة الحَجر الصّحّيّ”.

كما يقول هشام الداودي إنّ أهمية هذا الشعار تتمثّل في مسّه شريحة مِن النّاس، وفي كونه سيزيد الاهتمام الفنّيّ بالمدينة، “ومستقبَلا سنرى هذه الرسوم معروضة في متاحف عالميّة، وسنرى محاولة لدراسة هذا العمل، وسبب عودة المليحي إلى الوراء من أجله وعمره 84 سنة”، وهو ما يراه: “في صالح المدينة، والجهة”.

بدوره، يقول محمد المنصوري الإدريسي، رئيس النقابة المغربيّة للفنّانين التشكيليّين المحترفين، إنّ اعتماد اسم محمد المليحي أساسيّ في حدّ ذاته، فاستثمارُ هذا الاسم في المدينة يسهم في إشعاعها وإعطائها دفعة.

ويقدّم المنصوري الإدريسي، في حديث مع هسبريس، مثالا بوزن محمد المليحي دوليا، قائلا إنّ عملا فنيا له قد بيع في مزاد بريطاني، في عزّ الحَجر الصّحّيّ، بـ460 مليونا، كما بيعت لوحة أخرى قبل ذلك بثمن 360 مليونا.

وتعليقا على الجدل القائم حول الشّبه بين تصميم المليحي وشعار سابق لمدينة القاهرة، يقول المنصوري الإدريسي: “في التّصميم الغرافيكي توجد نماذج معروفة عالَميّا، مثل المثلّث الذي يحضر في الأهرامات، كما يحضر في الجبال وأشرعة السّفن، وغير ذلك”، كما أن الخطّ الكوفيّ “هو الأقرب إلى المثلّث”.

ونبّه رئيس النقابة المغربيّة للفنّانين التّشكيليّين المحترفين إلى “الاستغلال السياسي” لهذه المسألة؛ “نظرا لأنّ هناك أمورا تمسّ المجتمع المغربيّ، مثل الهوية”.

ويوضّح المتحدّث أنّ المليحي قد جمع في هذا العمل بين الشّعار والرّمز والتّجريد؛ فـ”المثلّث انتظام، وارتقاء، وعلوّ، وسموّ، واتقان”، كما تحضر فيه الخصوصية التاريخية لأكادير، سواء “إيغودار” المَخزَن، أو الحليّ الذي تستعمله النسوة.

ويرد المنصوري الإدريسي الجدل القائم على موقع التواصل الاجتماعيّ “فيسبوك” إلى غياب حملة إعلاميّة تحسيسيّة تعرّف بمناسبة تغيير الشّعار، كما في باقي الدّول، ويجمل قائلا في هذا السياق: “كان ينبغي أن يخبر المجلس البلدي المواطن، بما في ذلك الفنّان، بسبب التّغيير، لا أن يُطرَح الشّعار الجديد فجأة”.

hespress.com