يتسالى الجزائريون في منصات التواصل الاجتماعي ووسائط الاتصال الجماهيري، منذ يوم أمس الأربعاء، بلفظة “الدحدحة” التي دخلت القاموس السياسي في الجار الشرقي كمرادف للبروباغندا الدولتية أو الكذب المخابراتي.

وقد صُنفت كلمة “الدحدحة”، واشتقاقاتها اللغوية كـ”الدحداح” و”المتدحدح”، كأكثر الألفاظ العربية المستعملة في التدوين الرقمي في وسائط الاتصال بين الجزائريين على امتداد الأربع والعشرين ساعة المنصرمة، إذ تكاد تقتحم هذه اللفظة جميع الوسوم والهاشتاغات المنشورة، بل إن جلّ التدوينات والتعليقات “الفايسبوكية” تتضمن مشتقات الكلمة كرديف وعنوان للسخرية السوداء من بروباغندا السلطة في مواجهة الحراك.

الإرهابي..أبو الدحداح

لشيطنة الحراك الشعبي الذي انطلق من تخوم خراطة في الشرق الجزائري، متوعدا بمزيد من التدفقات الشعبية في باقي المدن الأخرى، اهتدى النظام العسكري الجزائري إلى حيلة سمجة تتمثل في التعاقد مع من يشبه “الممثل الكومبارس” لتقديم وصلة تلفزية يلعب فيها دور “الإرهابي أبو الدحداح”، الذي يسعى، حسب تعبيره، بمعية نشطاء “الفايسبوك” إلى إسقاط النظام السياسي من باب الجهاد السيبراني!.

وأثارت هذه الوصلة الدرامية المقتضبة التي نشرها التلفزيون الجزائري الرسمي، أمس الأربعاء، موجة من السخرية والاستهجان من مستوى النظام العسكري الجزائري، وصلت حد تعميم هاشتاغ ساخر مؤداه “الجزائر تتدحدح”، في إشارة إلى مزحة “الإرهابي المزعوم أبو الدحداح”. فقد كتب الناشط الجزائري المقيم بكندا سفيان شويطر تعليقا على هذا الشريط قائلا: “لحسن الحظ أن الصفاقة والتفاهة لا تقتل”، بينما أبدى الكاتب الصحافي نجيب بلحيمر مقترحا ساخرا مفاده: “الأولوية العاجلة للسلطة الآن يجب أن تكون تشكيل فريق لقراءة التعليقات على فيديو أبو الدحداح على صفحة التلفزيون. فضيحة مستعارة من عصور بائدة”.

وشددت معظم التعليقات المتداولة على الاستهزاء والسخرية من مستوى السيناريو والإخراج الذي طبع شريط أبو الدحداح، إذ كتبت فاطمة من بجاية: “كيف لإرهابي يلوذ بالجبال كملاذ منذ سنة 1994 أن يتوفر على صبيب أنترنيت عالي يسمح له بفتح خمس صفحات على فايسبوك ويوتيوب، بيد أننا في وسط المدينة لا نتوفر على تغطية بالأنترنيت”. أما علاّم الجبالي فكتب متسائلا: “هذا التحق بالجماعات الإرهابية سنة 1994 أي حين كان عمره 5 سنوات!!؟”، في إشارة صريحة إلى التناقض الصارخ في كلام أبو الدحداح، الإرهابي المزعوم الذي تعاقد معه النظام الجزائري في وصلة “شيطنة الحراك”.

إرهابي..برتبة ناشط فايسبوكي

لعل من جملة التصريحات الغريبة التي أدلى بها صاحب شريط الدحدحة الساخر، والتي وقف عندها المدونون الجزائريون كثيرا، ادعاؤه أنه كان يتآمر من الجبال الباسقات والأعلام الراسيات في مرتفعات الأخضرية مع ثلاثة نشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي، يقيمون في كل من فرنسا وبريطانيا وسويسرا، بغرض قلب النظام وتحريف سلمية الحراك وإعلان العصيان المدني. وكان يقصد بقوله، الموحى له همسا من خلف الكواليس، النشطاء الثلاثة، كلا من أمير بوخرص، الملقب بأمير ديزاد، والعربي زيتوت، ومراد دهينة.

وحظي هذا المقطع بالنصيب الأكبر من الازدراء الرقمي والاستهجان الفايسبوكي، إذ ورد في إحدى التعليقات: “في الجزائر وحدها يمكن اصطياد نشطاء فايسبوك بقوانين الإرهاب.. لأنك ستجد حتما في جِراب الجنرالات إرهابيا اسمه أبو الدحداح، مجند باستمرار للوشاية بك في المحاضر الاستنادية والتآمر عليك في الوصلات الإشهارية الرسمية”.

وفي سياق ذي صلة، رفض العديد من رواد الإعلام البديل المحسوبين على الدياسبورا الجزائرية في الخارج ما اعتبروه “الربط المعيب والمخدوم الذي تقوم به السلطة بين الإرهاب من جهة والمعارضة السياسية في منصات التواصل الاجتماعي من جهة ثانية”. فقد جاء في واحدة من التدوينات: “الجزائر الجديدة تستعمل أساليب الجزائر القديمة في استهداف النشطاء والمؤثرين.. لكن بأسلوب إرهابي مفضوح ومُوغل في الضحالة والإسفاف”.

ولم يسلم بروفايل أبو الدحداح من غمزات وهمزات الجزائريين في وسائط التواصل، إذ اعتبروه “إرهابيا Hi-Tech “، بدعوى أنه أول إرهابي يستعمل تويتر النخبة بدلا من فايسبوك العامة للتحريض على الإرهاب السياسي!، كما وصفه البعض بأنه “نسخة من إرهاب 5G”، أي الجيل الخامس من الإرهابيين الافتراضيين الذين لا يتوفرون على لكنة جهادية، ولا لحية طويلة، ولا قميص أفغاني..فهم يتوفرون فقط على لقب حركي صادر عن فرع الاستعلام والأمن وهو “أبو الدحداح”.

يذكر أن هذه هي المرة الأولى التي تركن فيها السلطات الجزائرية إلى “التلويح بتهم الإرهاب” في مواجهة نشطاء الحراك والمؤثرين في منصات التواصل الاجتماعي، بعدما كانت تكتفي في السابق بتهم التجمهر المسلح ومحاولة زعزعة الاستقرار والأمن الداخلي، وهو ما ينذر حسب سفيان شويطر بتنامي حملات الاعتقال، إذ جاء في إحدى تدويناته: “عندما تكون حملة واسعة النطاق للاعتقالات مثلاً أو أي انتهاك آخر للحقوق لمجموعة ما فاعرف أن قبل ذلك استبقتها حملة شيطنة لتلك الفئة، لتحضر أذهان الناس لتقبل قمعها”.

hespress.com