بالقوّة والقهر، نشرت الجزائر سيادتها على أطراف من الحدود مع المغرب، بالقرب من منطقة “العرجة ولاد سليمان” الحدودية، معلنة سيطرتها على الأرض بدون موجب حقّ، دون أن تراعي الأعراف الدّبلوماسية وما تفرضه مقرّرات القانون الدّولي من “ليونة” وتفاهم وحوار، قبل الشّروع في تنفيذ القرار القاضي بطرد مزارعين مغاربة من المنطقة.

ولجأت الجزائر في تعاطيها مع موضوع “الحدود الرّمادية” مع المغرب إلى سياسة فرض الأمر الواقع البعيدة عن الآليات الدّبلوماسية، إذ دفعت بعناصر من جيشها إلى منطقة “العرجة” المعروفة تاريخيا بأنها كانت تابعة للمغاربة، من أجل إخطارهم بقرار مغادرة المنطقة في أجل حدّدته السّلطات الجزائرية في أسبوع.

وخلّف القرار الجزائري استياء عدد من المواطنين الذين كانوا يعيشون على زراعة النخيل في منطقة “العرجة ولاد سليمان”، إذ أصبحوا اليوم بدون معيل في ظل صعوبة المناخ الصحراوي الجاف في المنطقة، بينما تطالب هيئات سياسية السلطات المغربية بتوفير البديل للمتضرّرين، الذين يقدّر عددهم بالعشرات.

ويطرح تدخل الجيش الجزائري وإجباره مواطنين مدنيين عزّل على ترك المنطقة دون مراعاة واجبات الحوار عددا من التساؤلات القانونية حول مدى شرعية “الخطوة” المعلنة من طرف الجزائر. وفي هذا الصدد يؤكد الخبير في القانون الدولي صبري الحو أن “هذا التدخل الجزائري في الحدود له قراءات متعدّدة من حيث الشّكل والإجراء والقانون”.

واعتبر المحلل ذاته، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أنه “من الناحية القانونية والتعاقدية فإن الجزائر حاولت بالقوّة أن تغيّر الوضع القائم في منطقة العرجة دون أن تسلك الآليات التي يتيحها القانون الدّولي، من تفاوض ومشاركة وحوار، حتّى قبل تنفيذ قرار الانسحاب من الجانب المغربي”.

وشدد الحو على أن “الفلاحين المغاربة كانوا يستغلون الأرض لسنوات، وهم يمتلكونها وفي حيازة طرف مغربي، دون أن يكون هناك منازع تاريخي، قبل أن تقرّر السلطات العسكرية الجزائرية اقتحام المجال وإجبار المزارعين المغاربة على المغادرة، مع إعطائهم مهلة أسبوع لتنفيذ قرار الانسحاب”.

ويرى المحلل ذاته أن في هذا السلوك “ابتزازا وفرضا للأمر الواقع على المغاربة، لأن الموضوع يتعلق بواقع معين تريد دولة أن تغيره بالقوة، فإذا كانت تتوفر على حجج وأدلة تثبت أحقيتها على الأرض كان عليها أن تعرضها على السلطات المغربية قبل أن تقرّر فرض أمر الواقع”.

ويرى صبري الحو أنه “لا يمكن تغيير الوضع القائم على الميدان إلا عن طريق التفاوض”، مردفا: “الجزائر تتصرّف بقوة وتريد تغيير الوضع على الميدان، في وقت مازلنا نجهل لمن تتبع هذه الأرض”، وزاد: “هناك اختلالات على المستوى الشّكلي والإجرائي والقانوني، إذ إن هناك تدخلا للجيش، الذي أمر بالقوة مواطنين مدنيين عزّل بالانصراف”.

كما قال المحلل ذاته إن “الجزائر عمدت مباشرة إلى تغيير الوضع الميداني دون أن تسلك مقررات القانون الدولي”، لافتا الانتباه إلى أنها “تفسّر خطوتها الأخيرة بأن فيها التزاما بمقررات اتفاقية الحدود وحسن الجوار الموقعة عام 1972، وهي الاتفاقية نفسها التي صنعت كل المشاكل التي لها علاقة بالصّراع الصحراوي”.

واستطرد المتحدث بأن “كل طرف من حقه أن يحتفظ لنفسه بعدم الالتزام بمقررات الاتفاقية ما دام الطرف الآخر لا يلتزم بها كذلك”، مشيرا إلى أن “المغرب لم يوقع على الاتفاقية عام 1972 ولم يصادق عليها في البرلمان بسبب وجود حزب الاستقلال آنذاك في الحكم، الذي كانت له أفكار قومية وكان يدعو إلى الوحدة؛ بينما تؤكد الجزائر أن المغرب يماطل ولا يريد الاعتراف بالحدود الشرقية”.

وختم صبري الحو بالقول إن “الوادي الحدودي الفاصل بين المغرب والجزائر بمقربة منطقة العرجة يشوبه غموض، بالإضافة إلى مناطق أخرى تدخل ضمن نطاق الصحراء الشرقية، ما أدى إلى استغلال المغاربة لهذه الأراضي لسنوات في أغراض فلاحية؛ وهو عرف تاريخي قائم تريد الجزائر أن تغيّره”.

hespress.com