على الرغم من وضع الشارع الذي يعيش على وقع الغليان، منذ شهور، فإن النظام العسكري في الجزائر يصر على تهميش صوت الاحتجاجات المطالبة بإسقاط الدولة العسكرية وتثبيت مقومات دولة مدنية ديمقراطية؛ بينما لا يزال النظام الحاكم يبحث عن موارد جديدة للسلاح، حيث توصل إلى اتفاق جديد مع الروس من أجل اقتناء طائرات مقاتلة في صفقة قدرت بمليارات الدولار.

ويسعى النظام العسكري الحاكم في الجزائر إلى إجهاض أي محاولة للخروج إلى الشارع، باستخدام وسائل الترهيب والقمع واستغلال حالة الطوارئ الصحية لتوسيع دائرة التسلط وسجن الشباب العاطل؛ بينما تبدو بوادر قوية لعودة الاحتجاجات إلى الشارع، بعد تبخر حلم الدولة المدنية وعودة الحرس القديم إلى الإمساك بزمام السلطة.

وعوض التركيز على مطالب الشارع، فضّل النظام الحاكم في الجزائر استيراد أسلحة جديدة؛ فقد طلبت الجارة الشرقية للمملكة هذه المرة ثلاث دفعات من طائرات “Su 34E” الروسية المخصصة للتدريب العسكري. وجاء الاهتمام المتجدد بهذه الطائرات بعد دورها في سوريا، حيث أظهرت قدراتها القتالية وصلابتها وقدرتها على التحمل.

محمد الطيار، الخبير في الشأن الأمني، اعتبر أن ”الجزائر من الدول المعروفة عالميا التي يثار فيها جدل تداخل التنمية الاقتصادية بالجانب العسكري، بحيث إن النظام الحاكم لم يستطع أن يوافق بين المجالين”، مبرزا أن “هذا الاختلال سيعرضها للعديد من المشاكل الاجتماعية، أفرزت هذا الحراك الشعبي المستمر منذ عام 2019”.

وقال الخبير في الشأن الأمني، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إن “الموازنات العسكرية كانت تقدر خلال سنة 2008 بـ2.5 مليارات دولار أمريكي؛ لكنها قفزت بشكل كبير خلال عام 2015، حيث بلغت 13 مليار دولار أمريكي، فيما كان الوضع الاقتصادي في الدولة هشا وضعيفا، وهو ما دفع النظام الحاكم إلى فرض إجراءات تقشفية في ظل تراجع مداخيل النفط والغاز”.

وفي هذا الصدد يشرح الطيار أن “وزارة الدفاع استحوذت على 11% من إجمالي موازنة الدولة خلال عام 2015. وفي عام 2019، التي عرفت حراكا اجتماعيا وارتفاعا مهولا لمعدل البطالة، لم يتوقف حجم الإمدادات العسكرية، حيث الموازنة الإجمالية الموجهة لوزارة الدفاع بلغت 10.3 مليارات دولار أمريكي بزيادة مليار دولار مقارنة بسنة 2018. وهذا ما أثر سلبا على الاقتصاد الوطني والقطاعات التي تعتبر ضرورية للمواطنين”.

وشدد المتحدث ذاته على أن “موازنة التسلح ارتفعت خلال عامي 2020 و2021، والجزائر تمثل الأكثر تسلحا في إفريقيا، حسب تقرير معهد ستوكهولم سنة 2017، حيث استوردت 52 في المائة من مجموع السلاح التي تم استيراده في مجمل القارة الإفريقية”.

وأورد الطيار أن “مفهوم الأمن القومي الذي يتبناه النظام العسكري لا يتماشى مع الواقع؛ فمفهوم الأمن، حسبهم، يركز على حماية الجزائر من أي استهداف محتمل، واحتمال تعرضها لهجوم، على الرغم من أن محيطها الإقليمي “مستقر”؛ ففي مالي، المجموعات الإرهابية في الجنوب هي صنيعة النظام الجزائري، كما أن الوضع في ليبيا “هش”، والمغرب لم يقم بأي إجراءات عدائية ضد الجزائر”.

واستطرد الباحث ذاته: “هو تكتيك دعائي يروم من خلاله النظام العسكري تصوير الجزائر بأنها أقوى دولة في المنطقة، بحكم أنها لها الكثير من الأسلحة”، معتبرا أن “قوة الدولة لا تتحدد في عدد الأسلحة التي تملكها، بل هناك عناصر أخرى تجعل الأمن القومي لدولة ما ”محمي”؛ منها القوة الاقتصادية وتجانس الشعب. الملاحظ هو أن الجزائر تشتري الأسلحة بينما الشعب يعيش إحباطا كبيرا في المعنويات”.

كما قال أيضا: “المغرب لم ينجر إلى السباق المحموم صوب التسلح، بل يتعامل برزانة، حيث إن التقارير الدولية، مثل تقرير معهد ستوكهولم، أظهرت أن المغرب، على الرغم من وضعه الحدودي وعلى الرغم من جميع الإجراءات التي تقوم بها الجزائر لاستهداف استقرار المملكة، فإنه يتعامل برزانة وضبط نفس، إذ ما بين 2011-2020 انخفضت نسبة التسليح بنسبة 60 في المائة”.

hespress.com