تشهد المنظومة التعليمية اضطرابات متزايدة مع تنامي الأشكال الاحتجاجية التي تخوضها مختلف فئات الأسرة التربوية، من أساتذة وأطر إدارية، وما يواكبها من إضرابات عن العمل في موسم دراسي استثنائي بفعل استمرار جائحة فيروس كورونا، بينما توقّف الحوار القطاعي بين الوزارة الوصية على القطاع والنقابات التعليمية منذ أكثر من سنة.

وفي بداية الأسبوع الجاري، حذّرت هيئات مهتمة بالشأن التعليمي والتربوي من خطورة استمرار التوتّر السائد حاليا في قطاع التعليم، خاصة بعد انخراط تلاميذ بدورهم في أشكال احتجاجية تضامنا مع الأساتذة الذين جرى تعنيفهم بحر الأسبوع الماضي في مسيرات احتجاجية بالرباط، منبهة إلى أنّ ما يجري سيُخلخل استقرار المنظومة التربوية ككل ويعمّق أزمتها.

فمن يتحمّل مسؤولية الاضطرابات التي تشهدها المنظومة التعليمية؟ وما السبيل إلى الخروج من الوضعية الراهنة وإعادة قطار المنظومة التي تعاني من علَل شتّى إلى سكته الطبيعية؟ أسئلة يجيب عنها في هذا الحوار محمد الدرويش، رئيس المرصد الوطني لمنظومة التربية والتكوين.

برأيكم، مَن يتحمّل مسؤوليات الاضطرابات التي تعرفها المنظومة التعليمة؟ وكيف يمكن التقريب بين وجهتي الطرفين المعنيين، وزارة التربية الوطنية والأساتذة وأطر الإدارة التربوية؟.

المسؤولية تتحملها الحكومة والوزارة الوصية على قطاع التربية والتعليم. فانطلاقا من الأدوار الدستورية، والمقتضيات التشريعية لتدبير قضايا السياسات العمومية، وخصوصا الفصل 93 من الدستور، فالسيد رئيس الحكومة مسؤول عن السهر على تدبير الوزراء لقطاعاتهم، وقد بعث لهم بمنشور مؤخرا من هذا المنطلق، والوزير المسؤول عن التربية والتكوين له المسؤولية كذلك في ما يقع، والنقابات مسؤولة بدورها.

هذه الأطراف الثلاثة تتحمل المسؤولية، خصوصا أن الاضطرابات التي تعرفها الساحة التعليمية اليوم تجري بوتيرة غير مسبوقة، لعدة أسباب منها توقف الحوار بين الأطراف المعنية منذ ما يزيد عن السنة، الحوار الذي يجب أن يكون دائما بين الوزير والنقابات الأكثر تمثيلية قصد الاستماع إلى مطالبها والتجاوب معها، ومواكبتها في كل القضايا المطروحة على الاتفاق والاختلاف، بمنطق أخلاق الحوار والمفاوضات القائم على أساس الشراكة.

ما أثارنا في المرصد الوطني لمنظومة التربية والتكوين هو توقف الحوار بدعوى أن النقابات لا تتفاعل مع مقترحات الوزارة، علما أن الحوار أخْذ وعطاء وتدافع بين الحجج والأدلة بين الطرفين، وهذا أمر غريب جعل النقابات في حرج مع مجموعة من فئات أسرة التربية والتكوين، وهو ما أدى، منذ سنوات، إلى تشجيع تأسيس التنسيقيات الخاصة بكل فئة، وهذا لعمري أمر غير مقبول وغير قانوني، فالنقابات وجدت للدفاع عن الملفات المطلبية لمنخرطيها، وقوتها تشكل حصنا ووسيطا بين أسرة التربية والتكوين والقطاعات الوصية ورئاسة الحكومة، ولا خير في نقابة ضعيفة، معزولة، غير مؤثرة، لا كلمة لها في الساحة. وثانيا أثارنا خروج كل الفئات للاحتجاج والإضراب، وهو ما يضر بالسير العادي للمنظومة ويبعثر أوراقها، والخاسر الأكبر هو المتعلم.

ما هي التداعيات التي ستترتب عن الاضطرابات الحالية، سواء على مستوى استقرار المنظومة التعليمية أو المسار الدراسي للتلاميذ؟.

اضطرابات المنظومة تؤثر سلباً على مسار تعليم وتكوين التلميذ، وتسبب الهدر المدرسي ثم الجامعي لمجموعة كبيرة من المتعلمين، وهذا سينمِّي من معدل الأمية والهشاشة الاجتماعية والفقر والانحراف، وغيرها من المظاهر السلبية للتعثر الدراسي، وفي هذا كله هدر للموارد البشرية والمالية، وله أيضا تكلفة كبيرة على مستقبل الوطن أكبر من تكلفة ملفات الحوار مع النقابات.

أودّ هنا أن أعبر، باسم المرصد الوطني لمنظومة التربية والتكوين، عن رفضنا للعنف والتهجم على الأساتذة، وهو أمر أساء لمهنة الأستاذ، ولبعض من مظاهر رجال السلطة في تعاملهم مع الاحتجاج، ولصورة المغرب في عهد جلالة الملك محمد السادس الذي دشن بإنجازات وقرارات ونجاحات في كل المجالات. فكيف لوزير في الحكومة أو لرئيسها أن يخالف منطق الاختيارات الملكية والمقتضيات الدستورية؟ علما أنه يقع ذلك أحيانا بالتذرع والاختباء وراء فزاعات لا يقبلها العقل والمنطق والواقع.

تلك الصور بلغت حد استغلالها من قبل النظام الجزائري الحاقد على المغرب في إحدى قنواته الرسمية، زاعما أن الأمر حراك في وطننا، وتناقلها بعض أعداء نجاح المغرب للتشهير به نكاية فينا وحقدا علينا…

فهل نحن في حاجة اليوم لذلك؟ وهل من المسؤولية أن نكون سببا في خلق التوتر والاضطراب في زمن كورونا وانعكاساته السلبية اقتصاديا، واجتماعيا، وماليا؟ إنه العبث واللامسؤولية.

بالنسبة لملف التعاقد، يقول معارضون إنه نظام فاشل وينبغي إنهاؤه، بينما تتمسك به الحكومة وتعتبره متماشيا مع سياسة الجهوية المتقدمة التي انخرطت فيها المملكة. ما موقفكم، أنتم، من هذا النظام؟.

قبل أن أجيب عن السؤال، اسمح لي أن أقدم باختصار شديد أربعة ملفات من بين الملفات المطروحة، لأمثل بها لمسار حوار منكسر وغير مكتمل:

الأول، ملف الإدارة التربوية الذي استغرق زمنا من المفاوضات، وانتهى إلى اتفاق بين الوزارة والنقابات سنة 2019، التزم بموجبه السيد الوزير ولمرات عديدة بإصدار مرسوميه بعد عرضهما للمصادقة، ولم يتم ذلك، وهو ما دفع المدراء والحراس العامين والنظار إلى الاحتجاج والإضراب، وعددهم لا يتعدى 14000 مسؤول، والتكلفة المالية للملف ضعيفة.

الملف الثاني هو ملف حملة الشواهد العليا، وأغلب هؤلاء في الابتدائي والإعدادي، وقد سبق للوزارة أن اتفقت مع النقابات من أجل طي الملف، وصدر بلاغ بهذا الشأن يوم 21 يناير 2021، وبعدها تراجع السيد الوزير عن الاتفاق.

الملف الثالث هو ملف “الأساتذة المتعاقدين”، أو “أطر الأكاديميات الجهوية للتربية للتكوين”، وهو ملف صرحت بشأنه من نهاية 2016 بأنه قنبلة مؤجلة الانفجار؛ وقد دخل المرصد الوطني وسيطا بين أصحابه وبين الوزارة، بمعية المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وبعد التفاوض والتحاور انتهينا إلى اتفاق، بمباركة السيد الوزير في اجتماع حضره وفد عن الوزارة برئاسة السيد الكاتب العام، وبحضور الوسيطين والكتاب العامين للنقابات، وصدر بلاغ في الموضوع وبعد يوم واحد حصل التراجع عن كل ذلك.

الملف الرابع هو ملف دكاترة الوظيفة العمومية الذي قام بشأنه المرصد الوطني بوساطة انتهت باجتماع مع السيد الوزير بحضور رئيس ديوانه، وتم الاتفاق على إيقاف كل أشكال الاحتجاج، والتزام السيد الوزير بالحرص على تكافؤ الفرص، وشفافية المباريات..ومع الأسف لم يحصل أي شيء من ذلك كله، فعاد كل هؤلاء وآخرون إلى الاحتجاج وبوتيرة أقوى، نظرا لانعدام الثقة وفقدان مصداقية الحوار. فأين المسؤولية الحكومية في ذلك؟.

وبالنسبة لرأينا في توظيف الأساتذة بالتعاقد فإنّ هذا النظام، في اعتقادنا، خطأ جسيم في منطلقه، وطرق تدبيره؛ فالأساتذة لا يرفضون الجهوية ولا الانتماء إلى الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، أو غيرها من التبريرات التي نسمع هنا وهناك..الأساتذة يبحثون عن الاستقرار والمماثلة الحقيقية والواقعية بينهم وبين زملائهم، كما يطالبون بالاحترام والتقدير المتبادلين بينهم وبين مسؤولي المؤسسات التعليمية والمديريات والأكاديميات، وهذا أمر غير متوفر مع الأسف في مجموعة كبيرة منها؛ لذلك يطالبون بالإدماج في الوظيفة العمومية والانتماء إلى الصندوق المغربي للتقاعد من أجل تقاعدهم.

هل تعتقدون أنّ تطبيق هذا الحل الذي تقترحونه ممكن ومُيسّر؟.

طبعا، هذا أمر ممكن ولا يوجد ما يمنعه، وهو ما أكده السيد وزير المالية والإصلاح الإداري مرتين أمام ممثلي الأمة في قبة البرلمان، بخلاف تصريحات السيد وزير التربية الوطنية الذي يؤكد استحالة الأمر. وإزاء هذه الوضعية نتساءل هل نحن أمام حكومة واحدة أم أن كل وزير له حكومته؟ ومن يتحمل مسؤولية التنسيق بين القطاعين التعليمي والمالي؟ أليس السيد رئيس الحكومة؟ فأين المسؤولية الحكومية؟.

hespress.com