بخلاف بعض دول المنطقة التي وقعت اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل في إطار “اتفاقات أبراهام” برعاية أمريكية، لم توقع الرباط وتل أبيب على أي اتفاقية تطبيع بينهما، لأن العلاقات بين المغرب وإسرائيل لا تحتاج إلى وجود تطبيع كما أوضح سابقاً وزير الخارجية ناصر بوريطة، وذلك بسبب العلاقات المتفردة والروابط الخاصة مع الجالية اليهودية المغربية، ولاسيما أفرادها الذين يشغلون مناصب مسؤولية في إسرائيل.

ووقعت المملكة المغربية ودولة إسرائيل، الثلاثاء في الرباط، أربع اتفاقيات في مجالات متعددة، خلال زيارة الوفد الأمريكي-الإسرائيلي إلى المغرب.

وتأتي زيارة الوفدين الأمريكي والإسرائيلي إلى المغرب ضمن تنزيل القرارات التي تم اتخاذها خلال المحادثات الهاتفية بين الملك محمد السادس والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خصوصا في الشق المتعلق بمسار السلام الفلسطيني-الإسرائيلي، وذلك ضمن آلية دبلوماسية ترتكز على ثلاثة مبادئ أساسية، وهي حل الدولتين القادرتين على العيش جنبا إلى جنب في سلام وأمن، والتفاوض بين الطرفين كسبيل وحيد للوصول إلى هذا الحل، فضلا عن الحفاظ على الطابع العربي والإسلامي لمدينة القدس.

ولم يثر استئناف العلاقات المغربية الإسرائيلية وتوقيع اتفاقيات بين الطرفين أي ردود فعل غاضبة من قبل الجانب الفلسطيني الرسمي، لمعرفته مسبقاً بالخصوصية المغربية مع المجتمع اليهودي، وأيضاً بسبب المواقف التاريخية للملك محمد السادس دفاعاً عن القضية الفلسطينية، خصوصا بعد تأكيد العاهل المغربي للسلطة الفلسطينية أن القضية الفلسطينية هي في مرتبة الصحراء المغربية.

ومعلوم أن المغرب لعب دورا تاريخيا في التقريب بين الشعوب وتطوير السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، خصوصا مع الدور التاريخي للملك الراحل الحسن الثاني وبعده الملك محمد السادس في تقريب وجهات النظر بين إسرائيل وفلسطين.

وتتجسد الخصوصية المغربية في دستور المملكة الذي يستمد قوته من مؤسسة أمير المؤمنين ومن تنوع وغنى النموذج المغربي، الذي تم تأكيده من قبل الوثيقة الدستورية التي تنص على أن الهوية الوطنية واحدة غير قابلة للتقسيم، وذلك من خلال التشديد على أن المملكة المغربية متشبثة بـ”صيانة تلاحم مقومات هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية – الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية”.

وتتجسد الخصوصية المغربية أيضاَ في الروابط القوية التي تجمع الجالية المغربية بإسرائيل بشخص الملك محمد السادس، وهو ما برز من خلال الاحترام والتقدير الكبير الذي يكنه قادة إسرائيل للمؤسسة الملكية بالمغرب؛ ما تجسد خلال استقبال العاهل المغربي لرئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، مائير بن شباط، الذي كان حريصا على ترديد عبارات مغربية تمتح من البروتوكول المغربي من قبيل: “الله يبارك في عمر سيدي”. كما تحدث المسؤول الإسرائيلي ذاته بالدارجة المغربية دون وجود أي صعوبات في ذلك بالنظر إلى جذوره المغربية.

ولا توجد دولة في المنطقة حافظت لمواطنيها اليهود على كامل مواطنتهم وحقوقهم كناخبين ومرشحين، باستثناء المغرب، الذي وضع إطارا قانونيا خاصا بالمعتقدات الدينية اليهودية؛ فالتميز المغربي لا وجود لمثيل له في كل منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط، بالإضافة إلى أن اليهود المغاربة هم ثاني أكبر جالية بإسرائيل بأكثر من مليون ونصف مليون مغربي يحافظون على التقاليد المغربية، ومنهم 10 وزراء من أصل مغربي في حكومة نتنياهو.

ويرى مراقبون أن أكبر خطوة عرفتها القضية الفلسطينية كانت على أرض المغرب، وذلك لأن الامتيازات الاستثنائية التي تم منحها لقنوات التواصل بين الطرفين لا يمكن توفيرها في أي مكان آخر، وذلك في إطار نهج المملكة المغربية الراسخ في مواصلة مساعيها الحميدة لإيجاد أرضية توافقية بين الفلسطينيين والإسرائيليين. لذلك فإن استئناف العلاقات بين الرباط وتل أبيب لن يكون أبداً على حساب القضية الفلسطينية كما يروج البعض.

hespress.com