في الأسابيع الأخيرة، زاد عدد الدعاة الأدعياء، وحولوا رمضان من شهر الغفران إلى شهر البهتان، يصرخون على منابر التواصل الاجتماعي، فيسخطون ويشدخون ويشتمون، وقبل ذلك وبعده يكذبون، كما لو أن استعمال الأكاذيب مثل استعمال السلاح عند التكفيريين.

ظاهرة زادت، ولزيادتها دلالات تستدعي بعض التنبيه لمن ينتفع به، ومنها:

أولا: إن هؤلاء الأدعياء، ومن لف لفهم في كل الآفاق، يستغلون حرية التعبير التي لم يناضلوا من أجلها ولا هم يؤمنون بها.

ثانيا: إن استغلال حرية التعبير، من جهة هؤلاء، لم يكن ممكنا لولا الضعف في مواكبة تفعيل القانون لهذه الممارسة.

ثالثا: إن تغاضي الجهات المعنية عن لغط هؤلاء قد يفسر على أنه تقليل من شأنهم أو على موازنة ذكية بين تركهم يعمهون وبين متابعتهم وإتاحة الفرصة بذلك لنزوعهم إلى الزعامة على العامة، ولأن الذين سيدافعون عنهم عند المتابعة القضائية باسم حرية التعبير هم الذين يرون فيهم معاول ناجعة لهدم “أوهام” العامة في التعلق بالدين؛ ولا شك أن سكوت علماء المجالس وسكوت الأوقاف عن أكاذيب الأدعياء يصدر عن تقدير مماثل.

رابعا: إن هؤلاء الأدعياء يفهمون عدم المواكبة القانونية الصارمة لحرية التعبير بأنه تساهل الجهات المعنية، وأنه تساهل يمكن استغلاله في أهداف إرهابية.

خامسا: إن الطبيعة الإرهابية لنشاط هؤلاء واضحة في ما يصدر عنهم من تعابير تستهدف النظام من خلال قراراته وثوابته وممثليه.

سادسا: إن هؤلاء بصخبهم الهستيري يشوشون على تدين الناس، وهو تدين ضعيف أصلا، فهم كمن يقطع بالمنشار غصن شجرة وهو ينسى أنه جالس عليه.

سابعا: إن من جملة مظاهر غفلة هؤلاء المنتصبين للكلام باسم الدين، بهذه الجراءة والصفاقة، أنهم ينسون أنهم يغذون تيارات معادية للدين أصلا، هي أذكى وأشد مكرا منهم، وهي في الوقت المناسب قادرة على الاشتباك معهم.

ثامنا: إن التيارات السياسية المسماة بالإسلاموية، بتبني التقية في أمور عديدة وبمواقفها المشبوهة من مؤسسات البلاد، تكون مخطئة عندما تفرح وتنشط للعمل التشويشي الذي يقترفه هؤلاء، والأخطر من هذا كله أن هذه التيارات تشكل في الحقيقة بيئة تنمو في هامشها ظاهرة الدعاة الأدعياء التي لا تعدو أن تسقي مغارس الفتنة؛ فتنة ستكون هذه التيارات الحاضنة من أكبر ضحاياها.

تاسعا: إن الفساد في الحركات التي تريد الإصلاح يمتد إليها من أطرافها إذا ظنت أنها يمكن أن تتغذى من هذه الأطراف، وقد دلت على هذا وقائع القرنين الماضيين في أكثر من مكان، وكل توان في مسؤولية هذا التقدير ينم عن قصر نظر أو عن غش سياسي؛ وقد ظهرت المفارقة في قيام بعض المنتمين للتيار المذكور باستغلال “قضية التراويح”، بينما نشر بعضهم ما يهون من أمرها دعما لموقف الجناح الموجود في الحكومة.

عاشرا: إن الأمل في التحصن من فتنة الأدعياء يكمن في يقظة عموم الأمة من الذين لم يصابوا بتخدير التيارات الزعامية، والذين لم يفسد منطقهم السليم في التمييز في التقول في الدين بين الغث والسمين، وهم يتوفرون كغيرهم على هذه الوسائل التواصلية التي هي محايدة، يمكن أن تشيع الفاحشة، كما يمكن أن تنشر الفتنة، ويمكن أن تستعمل في التحذير من زلل خطباء الشبكات، وقد بدت البغضاء من أفواههم.

hespress.com