إن الإنسانية الجديدة تفرض معارك ثقافية ميدانية ومراكز بحث بهدف إجبار الشعوب على مواجهة ثنائية الخير والشر، والانتقال نحو ثقافات عابرة وإنسانية شاملة تتماشى مع متطلبات العصر وتحدياته الجديدة. إن هذا العالم الجديد غير المسبوق تعتريه نوازع وانفعالات غير تقليدية، تستوجب تغيير الذهنيات في عصر حداثوي استهلاكي يخضع فيه الإنسان لكل أنواع العبودية والاستعباد المرتبطة بالوقت والمال وسارقي الزمان.
إن هذا الانبثاق وليد علاقة بالمتغيرات الاجتماعية والثقافية التي تكرّس بموجبها النشاط الفردي والأنانية. إن تحديات القرن الواحد والعشرين تتطلب مفاهيم وسلوكيات جديدة تترافق معها أخلاقيات مادية لم تكن مسبوقة، تفرض علينا أن نستثمر التحولات الكبرى للتأكيد على مرحلة انتقالية كتلك التي خاضتها أوروبا في القرون الوسطى؛ وذلك من خلال الاستفادة من النظام الجديد الذي تقاطع مع استحقاقات مفصلية شهدها الغرب المسيحي على مستوى الرأسمالية والإصلاح الديني والثورة الصناعية. فكلما تقدّمت الأدوات تقدمت معها منهجيات متوحشة غير مسبوقة اختبرت احتكارات جديدة أكثر توحشا وإيلاماً وتدميراً للذات الإنسانية. لكن ماذا قال جاك لوغوف في رصده لتاريخانية الذهنيات ونشأتها في الغرب؟ وما هي العبرة التي يمكن أن نستقيها اليوم؟.
لقد مرّت أوروبا في مرحلة من الصراعات الدينية والقومية، لكنها لم تقض عليها، بدليل أن تلك النوازع مازالت موجودة، سواء تجاه السود والمسلمين والعرب أو غيرهم من باقي الأعراق، فما تغير هو استحداث الأدوات والمنهجيات التدميرية المتمثلة في الحداثة والبعديات التي عززت جدلية مستحكمة، قائمة على أن التحضر عنوانه الغرب الرأسمالي، بينما الشعوب الأخرى متخلفة تحتاج إلى من ينقذها من القهر والاستبداد والجهل وغيرها من المظالم. لقد تتطلب هذا الانتقال في الذهنيات في أوروبا أشواطاً من النقد والتفكير والثورات والثورات المضادة للوصول إلى ما وصلت إليه أوروبا من تراكمات وإصلاحات بنوية وثقافية واجتماعية.
إن التغيير في الذهنيات أدى إلى انشقاق في الكنيسة وولادة المطهر. وهذا المفهوم لم يكن موجوداً في القرون الوسطى، تلك الفترة التي ارتبطت برجال الدين وهيمنة الكنيسة، إذ كان المفهوم السائد آنذاك هو الجحيم والجنة، لا ومكان فيه للمطهر كمكان ثالث للتكفير عن الإثم والذنوب والخطيئة. فكيف حدث هذا التحوّل في الذهنيات في أوروبا؟ وكيف انعكس على المجتمع الاوروبي؟ وما علاقة ذلك بالوضع اللبناني وأزماته؟.
لقد أمسك كل من مارك بلوخ و لوسيان فيفر في مشروعهما الاحتوائي في مجال العلوم الإنسانية بمنطقة أخرى من مناطق المعرفة، وهي رصد حركة تحول الذهنيات وانعكاسها على التفاعلات المجتمعية والإنسانية في أوروبا، تلك التي عرفت باسم دراسات الذهنيات عند الإنسان وعلم النفس، الذي سمح بتكوين تاريخ-نفسي استعادي، يهدف إلى إعادة بناء الأطر الذهنية للعصور القديمة وإحداث قطيعة مع كل مفارقة تاريخية التي تكرّست من خلال كل من الدواوين التي شكّلتها رواية “مرآة المخطئة”، للوسيان فيفر، وكتاب: “المجتمع الإقطاعي” لمارك بلوخ، اللذين أحدثا ترابطا مدهشا بين رواج شركات التأمين ومسار انتزاع المسيحية من النفوس، ابتدءاً من أواخر القرن التاسع عشر. لقد اهتم كل من هذين الكتابين بموضوع الفكر والذاكرة الجماعية وفهم الزمان عند الناس في القرون الوسطى من خلال التركيز على الخرافات الذهنية للمجموعات الاجتماعية في إنجلترا وفرنسا، بسبب مكانة الملوك في علاج مرض جلدي انتشر في ذلك الوقت عبر وضع اليد على المريض لارتباط شفائه بلمسة الملك.
وتعود جذور هذا الاعتقاد بقدرات الملوك الإلهية والسحرية إلى فترات قديمة جدا، وتجد لها أصولاً في اعتقاد البدائيين بالأصل الإلهي للملوك. ورغم معارضة الكنيسة هذه الكرامات والقوى الفائقة للطبيعة (على سبيل المثال رسالة البابا غريغوريوس السابع إلى هارمان رئيس أساقفة ميتز) فإن قدرة الملوك على الشفاء ظلّت راسخة في أذهان الشعب الإنجليزي إلى فترة وصاية أوليفر كرومويل، بينما اندثر هذا الاعتقاد في فرنسا بعيد ثورة عام 1789.
ويعود الفضل في دراسة تاريخ الذهنيات إلى المؤرخ جاك لوغوف الذي حدد مفهومه ونجاحه، فقد استطاع سل التاريخ من النزعة الاقتصادوية الضيقة ونقله إلى فضاء أرحب متمثل في رحاب الاقتراب من مجالات علم الإثنولوجيا، وعلم الاجتماع، وعلم النفس الاجتماعي، التي غدت أهمية إستراتيجية.
اشتغل جاك لوغوف على قضية تطور الحياة الدينية والاقتصادية وتأثيراتها في عقليات الأفراد، وتتبع في إحدى دراساته كيفية انتقال المجتمع الأوروبي في فترة التحولات الاقتصادية الجديدة من موقف تحريم الرِّبا بشتى أنواعه إلى موقف القبول؛ كما قام برصد تشكّل المطهر بوصفه فضاءً جديداً ثالثاً بين الجحيم والفردوس، مع إبراز أسباب ازدهاره في الغرب القروسطي خلال النصف الثاني من القرن الثاني عشر ميلادي، ونجاحه السريع في القرن اللاحق؛ وحاول أيضاً أن يشرح ارتباطه الوثيق بهذه اللحظة المهمة من التاريخ المسيحي.
فقد كانت الكنيسة الكاثوليكية تحرّم الرٍّبا في القرون الوسطى اعتماداً على النصوص الواردة في الكتاب المقدس. وخاضت البابوية معركة شديدة ضد الرٍّبا طوال قرون، ففي مجمع لاتران الثاني الذي عقد عام 1139م تقرّر أن من يرتكب الرّبا دون أن يتوب يحرّم من أسرار الكنيسة ولا يُدفن في أرض مسيحية. وبلغ التحريم ذروته مع مرسوم البابا اوربان الثالث نحو عام 1187م. لكن في الممارسات العملية ابتدع المسيحيون طرقاً ملتوية لمزاولة الربا: إذ استطاع المصرفيون تمويه تقاضي الفائدة عن طريق إقراض المال بإحدى العملات ثم تحصيله بعملة أخرى. وتبع هذه العملية وضع سعر صرف قار يسمح للتاجر المصرفي بتحقيق ربح من خلال نسبة مئوية من المبلغ الأصلي. وكان حل آخر أيضا يشترط وساطة اليهود في التوظيف التجاري في كل ما يتعلق بالقروض، لأنهم لم يكن لديهم حظر ديني رسمي ضد الرّبا أثناء تعاملهم مع غير اليهود، القائم على مبدأ:” للأجنبي تقرض بربا ولكن لأخيك لا تقرض بربا لكي يباركك الرب”، (التوراة، التثنية). ومن هذه الصورة النمطية المهمة والقذرة نشأت معاداة السامية وترسخت لاحقاً ضد اليهود.
وعرفت نهاية فترة القرون الوسطى ازدهار حركية التجار والصرفيين، وكان ينظر رجال الدين إلى المرابي بكونه غارقاً حتى أذنيه في الخطيئة؛ بل إن المرابي كان يشبّه بسارق الزمن وسارق الإله كما ذكر المؤرخ الفرنسي فرناند بروديل في كتابه: “الحضارة المادية والاقتصادية والرأسمالية”. وتحيل سرقة الزمان هنا على القرض بالفائدة، فمال لا ينبغي له أن يولّد مالاً، والحصول على فائدة أو ربح يعني أن الذي قدّم القروض باع الزمن الذي قدم خلاله القرض، وجعل من المال العقيم بذاته منتجاً يتكاثر، وبذلك فهو يسرق الإله باعتبار الزمن هبته وملكاً له وحده، ولا يجوز إذا بيعه، وجزاء هذا العمل هو النار يوم القيامة لأنه سرق الله وسرق إخوانه في العقيدة الدينية.
لذلك تم تهميش اليهود في أوروبا باعتبارهم ساقي الزمن والإله لتعاملهم بالرّبا وإقراضهم المال بالفائدة، فحصدوا من خلال ذلك نظرة دونية تجاههم لأنهم يتخذون من الوقت سلعة. غير أن هذا الواقع تغير بعد تطبيع المسيحي مع المعاملات المالية خلال عصر النهضة وبعد الثورة الصناعية، إذ أدى اليهود أدوارا مهمة في ازدهار الرأسمالية العالمية إلى جانب الطبقة البرجوازية التي تشكلت آنذاك، ولم يعانوا من الإقصاء الممنهج إلا من قبل القوات الألمانية خلال فترة الحرب العالمية الثانية، التي عملت على اقتلاع جذورهم وطردهم.
ومن الضروري الإشارة إلى أن الدعاية النازية استخدمت تصريحات المصلح الديني مارتن لوثر لتجييش مشاعر الكراهية، فقد اعتبر كل من فرانز ليوبولد ونويمان لوثر بكثير من المبالغة أول معاد صريح للسامية، مرتكزين على فكرة طرد اليهود من ألمانيا التي اقترحها المصلح الديني في زمانه: “أراضينا وشوارعنا مفتوحة أمامهم كي ينتقلوا إلى بلادهم إذا أرادوا لأنهم عبء ثقيل كالطاعون”.. وقد تكررت هذه العبارة أيضا في كتاب البهيموت لفرانز نويمان.
ظلت مهنة تقديم القروض مقابل الفائدة موضوع تحقير وتبخيس ليس من جانب الكنيسة الكاثوليكية فحسب، بل حتى من قبل المجتمع الأوروبي المسيحي القروسطي؛ ذلك أن المصالح الاقتصادية كما عبر عنها إريك فروم كانت تابعة للهم الحقيقي في الحياة الذي هو الخلاص، والتصرف الاقتصادي هو أحد جوانب التصرف الشخصي. إن ظهور مصطلح المطهر في أوروبا أحدث تغييرا نفسيا واجتماعيا للغرب المسيحي، فكيف أنشأت الكنيسة الرومانية هذا المعتقد ورسخته في العصر الوسيط؟ وكيف حدث هذا التحول والتغيير في العقليات؟ وما علاقته بالهياكل الاجتماعية والبنى الاقتصادية؟.
إن البحث عن مكان خاص واضح للتكفير عن الذنوب كان الدافع الذي حرّك مسألة البحث في الموروث الديني لتبرير المطهر والتأكيد على وجوده من أجل الخلاص الذي يخلص النفس من الآثام بالنيران في الحياة الآخرة؛ وذلك من خلال كتابات القديسين مثل أوغسطينوس في كتابه “مدينة الله”، في القرن الخامس المستمدة من رؤيا القديس باتريك الإيرلندي الذي شهد الجسر الضيق في رحلته إلى العالم، الكائن فوق بركة الكبريت، والذي يعبره الصالحين للوصول إلى الفردوس، ووصف ما شاهده من عذاب أهل الجحيم وأهل المطهر معا. من هنا بدأ الحديث والتفكير في المطهر كأهمية كبرى، فقد تحدث مجمع ليون الثاني الذي عقد عام 1274م عن عقوبات مطهرية ومبررة، ولم يقر بوصفه أحد معتقدات الكنيسة الكاثوليكية إلا عام 1439م، في مجمع فلورنسا استنادا إلى أحقية الكنيسة في تفسير الكتاب المقدس؛ وذلك تزامنا مع حركة الإصلاح البروتستانتية التي لها الفضل في اختراع ما ليس له وجود في المعتقد المسيحي، وهو عقيدة التبرير بالإيمان: أي إن غفران الله للمذنبين إنما يحصل من خلال الإيمان بتضحية المسيح فقط، كما أنكر بشدة صكوك الغفران التي استغلت من قبل رجال الدين على أساس أن الخلاص يأتي على أيديهم.
وفي سياق متزامن مع هذا الواقع الجدلي والتجريم ومناهضة مزاولي الربا، حدثت تحولات في النظام الاقتصادي خلال عصر النهضة قامت على المعاملات الربوية، فاتخذ الجدل بين الدين والاقتصاد صورة دراما طويلة مترافقة في الوقت نفسه مع تطور العقليات حيال الرأسمالية. وبالتالي ليس صدفة أن تنسب فكرة ابتكار التطهير للتكفير عن الذنب، واعتبار الرّبا الذي يعتبر من الكبائر ذنباً صغيراً لا يحول بين المتعامل به والجنة. إن هذه الخطوة الصغيرة مهدت لتغيرات مقبلة في مواقف الكنيسة تجاه الممارسة المالية غير المشروعة والمحرمة. وبالتالي فإن النظام الاقتصادي الجديد لفترة ما بعد الحقبة الوسيطة قائم في جوهره على المعاملات الربوية والخدمات المالية الائتمانية. وسيعمل اللاهوت على تبني فكرة التطهير للتكفير عن الذنب حلا للمسألة دينيا، ولرفع الحرج عن المسيحيين المرابين.
إن هذه التغيرات الذهنية كانت عميقة ومعقدة، وقد استغرق انهيار العالم القروسطي وتحرّر الناس من عاداته واعتقاداته قروناً طويلة. إن هذا الاستمرار استوجب عدم القطيعة مع الماضي، بل تطور من خلاله، لكن بأدوات حديثة متقدمة سهّلت منظومة تفكير جديدة تسمح لنا بفهم تاريخ الذهنيات وتحولها نحو الحداثة وتعزيز العلاقات الإنسانية التي ارتبطت بطور الحياة والاقتصاد والدين في تلك المرحلة الانتقالية. ففي وقت كانت الحياة المالية تنمو، كان تحريم استثمار المال يعتبر مخاطرة وعائقا أما الازدهار الاقتصادي في أوروبا الغربية حيال متطلبات الرأسمالية التجارية والصناعة.
وفي الختام، أنا لا أنفي أن تلك المرحلة أزالت احتكار رجال الدين وهيمنة الكنيسة على الحياة السياسية، لكن الجدير ذكره هنا أننا صحيح انتقلنا من واقع إلى واقع آخر من خلال تغيير الذهنيات، غير أنَّ الأدوات الجديدة جلبت معها احتكارات وهيمنة من نوع آخر أكثر مغالاةً وتوحشاً وفتكاً. لذلك فإن الكلام عن تحديات قرن الواحد والعشرين لا يتم من خلال الاستجابة عبر الصواريخ الدقيقة من جهة، والنأي بالنفس من جهة أخرى، بل من خلال توفير المجال للمصلحين والمبتكرين والمبدعين القادرين على خرق منظومة النظام التقليدي الذي تمأسس على الفساد وجلد الذات وهيمنة الثوابت والمعتقدات التقليدية في زمن غير تقليدي من خلال أفكار وثورة معتقدات وإيديولوجيا جديدة تحاكي الواقع الإنساني الجديد من خلال مفاهيم حديثة متجددة، منبعثة من رحم الواقع ومتطلباته من أجل عالم يسوده حوار الثقافات والانفتاح والتجديد، وليس تأبيد ثقافة التباكي وتصنيف الآخر بالإكرهات التي لا تفارق مخيالنا، وبشكل ملازم دائما لأدبيات الإكراهات التي تتغذى على دسم السموم، وإثارة الغريزة العاطفية والعنصرية والطائفية والمذهبية، وغيرها من مخلفات الذاكرة التي حان الوقت لتنظيف رواسبها واحتقانها، ومواجهة كل ما يعزز هذا الانكماش العاطفي المأسور من خلال التلاعب بها وتعبئتها بالمفاهيم المتطرفة والعنف الملازم لأزمة الثقافة الإسلامية التي يفصلها فرق شاسع مع الثقافة الغربية مرتبط بنوازع سياسية وعقائدية وأعراف تحتاج إلى مراجعة وتحديث من جهة، وأعلام ونظام تعليم مؤدلج أسير انتماءات رأسمالية أوربانية وقومية عربية بحاجة إلى تفكيك سردياتها وإجراء مصالحة وتقويم مفاهيمها المعكوسة، ما يجعل العالم منقسما إلى فضاءين مختلفين (أنتم ونحن)، وهو طرح يبحث في قوة الآخر وضعف الذات العربية –الإسلامية.
ومن جهة أخرى، يقول بول لروابوليو في كتابه تاريخ الأنوار: “أخذنا ننبه إلى أن حوالي نصف سكان الكرة الأرضية من فئة المتوحشين والهمجيين يناشدون الشعوب المتحضرة مساعدتهم بصفة مستمرة”. إن هذه النظرة تكرس ثقافة الاستعباد والاستبداد وتبرر الاستعمار وتنفذ أجندته بشكل سافر لتحويل البلاد إلى مستعمرات صغرى خدمة للسيد من قبل العبد الذي يعاني الويلات. إن المطلوب اليوم ليس التأكيد على الخلافات وطبيعة الصراعات الجيوسياسية، بل البحث عن الأنسنة الجديدة ضد دعاة موت الإنسان. والتاريخ كحقل مهم في دراسة الشعوب يقول لنا إن أوروبا قبل أن تصبح القارة التي تجسد التسامح والاعتراف المتبادل كانت قارة التمزقات والصراعات القاتلة والحروب التي لا تنتهي. إن فلسفة الأنوار أشعلت في أوروبا لتصبح رمزاً للحوار والتعايش المشترك بخلاف الرؤية التي تناولها الدكتور جهاد سعد في مقالة نشرت في صحيفة الأخبار اللبنانية بتاريخ 28 أيار 2021، بعنوان: “أزمة لبنان.. كيف نواجه التحديات الجديدة”، وجاء فيها أن كل الوقائع تشير إلى قرار أميركي_ صهيوني _ عربي بتفكيك لبنان والتضحية بكل ما فيه ومن فيه، لخدمة مشاريع التطبيع والتبعية التي انطلقت بقوة وزخم مع صفقة القرن، وحذف لبنان من أجل لبنان متصهين سخيف على الطريقة الخليجية. والمدهش أن القرابين التي يقدمها الأميركي على مذبح هذه المعمودية في معظمها من جماعته التاريخية، أصنام صنعتها السياسة الأميركية في السلطة والمصارف والهيئات المدنية والأحزاب، وأكلتها عندما جاعت، إلى حل على الطريقة الوثنية. سؤالي ما هي الإستراتيجية لتحسين النوع الإنساني اليوم ما دامت اللغة التي يستشرف من خلالها لغة عداء وانعزال قائمة على المفاصحة بالأصول والفصول في زمن متسارع يأكل أفلاذنا ويؤبد ثقافة المعاداة والإكراه والتعصب، دون الاستفادة من لحظات تاريخية مفصلية؟.