الرئيس والجلاد..
صورة: أرشيف


سعيد ابن عائشة


الثلاثاء 30 مارس 2021 – 09:21

تلقب موريتانيا بأنها “بلاد المليون شاعر”، لكن الأمر لا يخلو من مبالغة إعلامية، لأن هذا اللقب كان سببه تحقيق إعلامي نشر في مجلة العربي سنة 1967. وقتها لم يكن عدد جميع سكان موريتانيا يتجاوز هذا العدد تقريبا.. ورغم ذلك لا يمكن إنكار تعلق الإخوة الموريتانيين بالشعر واللغة العربية الفصيحة، كما هو الأمر بالنسبة لسكان المغرب في أقاليمه الجنوبية، ومن ثمة لا يمكن تصور العلاقات مع موريتانيا إلا في إطار تكامل مفروض. وحتى بالعودة إلى التاريخ لن يجد الباحثون أي صعوبة في إثبات العلاقات العريقة بين الموريتانيين والسلاطين المغاربة، حتى إن أول وزيرة في حكومة السلطان المغربي المولى إسماعيل كانت هي “الشنقيطية” خناثة بنت الشيخ بكار المغافري، والمعروفة بخناتة بنت بكار، التي تزوجها السلطان، وكانت لها حظوة كبيرة في مقامات العلماء، وداخل البلاط وخارجه، وهي أيضا والدة السلطان عبد الله بن إسماعيل.

وبغض النظر عن الجزئيات التاريخية فإن المغاربة لا يقبلون أي إساءة إلى هذا البلد الجار؛ لكن ما حصل مؤخرا يستحق أكثر من وقفة تأمل، لأن جهة ما أصبحت تخطط في واضحة النهار لقتل أي فرصة لتطوير العلاقات بين المغرب وموريتانيا، وإلا ما معنى أن يتورط الرئيس الموريتاني في دعم علني لمليشيات البوليساريو، عبر استقبال البشير مصطفى السيد، عضو ما تسمى “الأمانة الوطنية” للجبهة، باعتباره مبعوثا لرئيس الجمهورية الوهمية إبراهيم غالي.. بينما كان المغاربة ينتظرون ترجمة الاتصالات السابقة بين قيادات البلدين إلى مزيد من التعاون والزيارات المتبادلة.

ولأن الوهم لا حدود له، فقد خرج مبعوث الكيان الوهمي ليصرح للصحافة بأن اللقاء مع محمد ولد الغزواني كان إيجابيا وصريحا، ونسبت له الصحافة قوله: “خرجنا من اللقاء بثقة واطمئنان لمواقف إخوتنا الموريتانيين، ولمسنا في الرئيس الجدية والصدق والتقدير للأوضاع واتخاذ المواقف المسؤولة”. وقبل هذا اللقاء وهاته التصريحات لعب سفير الجزائر في موريتانيا لعبته لكي تنجح هذه المؤامرة، التي أغضبت الموريتانيين قبل أن تغضب المغاربة، فالبشير مصطفى السيد ليس سوى واحد من أشهر جلادي البوليساريو، بل إن أول ضحاياه هم الموريتانيون أنفسهم؛ ويمكن الوقوف على تفاصيل مروعة بقراءة محاضر الشكايات المرفوعة ضده أمام محاكم إسبانيا، وهي تتعلق بانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، وجرائم أكثر خطورة مثل الإرهاب، والإبادة الجماعية والتعذيب.

هي إذن جلسة رئيس وجلاد، في مكان غير مناسب وزمن غير مناسب، ولا مجال للثقة في ما يتم ادعاؤه من حياد في التصريحات الرسمية، لأن الحياد هو عدم الاعتراف بكيان وهمي غير معترف به من لدن الأمم المتحدة. ويا لها من مفارقة، فالمغرب يتحرك دائما لدفع أي إساءة إلى موريتانيا، إلى درجة أن المغاربة عاقبوا حميد شباط، الأمين العام السابق لحزب الاستقلال، بسبب تصريح مسيء إلى هذا البلد الجار، وكانت تلك “التهمة” هي بداية مسلسل “سقوط شباط”، وفي المقابل تم التغرير ببعض الموريتانيين، في دعم الجلادين.. وحتى تكتمل المؤامرة، فقد دخل على الخط تجار “الإسلام السياسي”، ليتم استقبال الوفد المزعوم من طرف رئيس حزب الإصلاح والتنمية الموريتاني، وهو النسخة الموريتانية لحزب العدالة والتنمية المغربي، ولكن إخوان العثماني لا قيمة لهم عند إخوانهم في بلاد شنقيط.

البشير مصطفى السيد البوليساريو الرئيس الموريتاني الشعر واللغة العربية موريتانيا

hespress.com