يعتبر الدكتور عبد الفتاح الشادلي أن الراحل الدكتور حسن المنيعي كان رجلا يتطلع إلى حقن الدراسات البحثية في المسرح، بلقاح يؤمن لها الحماية والمناعة والنجاعة، بفعل هيمنة علوم وفنون وأجناس أدبية تتمتع بالحصانة المكتسبة من نفوذ من يدرسونها، أو ممن هم من أنصار المحافظة على التراث والهوية الأجناسية.

ويضيف الشادلي، الباحث في شؤون التربية والنقد، في مقال له توصلت به هسبريس، أن الراحل اهتم بفن المسرح حتى يحببه للأجيال، التي يوكل إليها حمايته من الشلل والقصور والعقم، كما هي حال الأبحاث المنجزة حاليا في رحاب الكليات.

وقد كشفت التحاليل المخبرية بعد إحالته على المعاش أن “اللقاح” أمسى خاملا Inactivé لأسباب موضوعية عدة، وفق الكاتب دائما.

وهذا نص المقال:

لا جرم أن تقتضي ثقافة الاعتراف سيلان المداد تأبينا لروح الراحل الدكتور حسن المنيعي إلى دار البقاء، لاسيما أنه رجل من رجالات المغرب الأفذاذ، الذين لا يستهويهم الانجذاب إلى دائرة الأضواء التي يتهافت عليها أقوام أقل علما منه.

وقد عشت لحظات عديدة إلى جانبه وهو يهرب إلى العتمة، ومنها الأيام التي حظيت بشرف العضوية في لجنة تحكيم المسرح الجامعي بفاس في إحدى نسخه.

وإذ يسافر سندباد المسرح، بلا عود، أجدني مضطرا، بحكم ما جمعني به من ذكريات، لتقليب بعض صفحات مؤلفاته، لأخط امتنانا واعترافا خاطرة أشبه بقراءة لبعض ما بث في ثنايا أعماله النقدية، مستندا إلى ما لا يزال عالقا بالذاكرة القريبة عن هذا الرمز الذي اقترن اسمه بالمسرح؛ وهي صفة كان يمتعض منها أحيانا بحكم صولانه وجولانه في أعماق الشعر والرواية والأدب الشعبي والترجمة والسينما…

كان الرجل يتطلع إلى حقن الدراسات البحثية في المسرح بلقاح يؤمن لها الحماية والمناعة والنجاعة، بفعل هيمنة علوم وفنون وأجناس أدبية تتمتع بالحصانة المكتسبة من نفوذ من يدرسونها، أو ممن هم من أنصار المحافظة على التراث والهوية الأجناسية.

ومن جهة أخرى اهتم بفن المسرح حتى يحببه للأجيال، التي يوكل إليها حمايته من الشلل والقصور والعقم، كما هي حال الأبحاث المنجزة حاليا في رحاب الكليات. وقد كشفت التحاليل المخبرية بعد إحالته على المعاش أن اللقاح أمسى خاملا Inactivé لأسباب موضوعية عدة.

لقد آمن بأن الدور المهني الذي كان يؤديه بحرفية علمية عالية، ينطلق من مبدأ عام هو أن العمل الذي “ينفع الذات والآخر والكون هو الأثر”؛ بمعنى أن إتقان صنعة الأشياء يجعل السواد الأعظم ممن خبروه أو سمعوا بأخبار خبرته، يُرَوِّجون لعلمه وسمعته في غفلة منه.

اندرج مشروعه هذا ضمن مشاريع إقحام مواد معرفية جديدة في منظومة التعليم الجامعي ومنها: المسرح والأدب الشعبي والسينما والأنثروبولوجيا والسيميولوجيا والشعريات والنحويات والسرديات التي أسس لظهورها أعلام كثر من الفلسفة والأدب والنقد الغربي الحديث…

أما في المسرح فقد فتح معلم الأجيال شهية طلابه في جلسات تدريسه على المسرح الأرسطي، ومسرحيات الأسرار في القرون الوسطى، والكوميديا دي لارتي، ومسرح النهضة، ومسرح البوليفار، والفودفيل، ومسرح الشمس، ومسرح الوقعة…، بينما كان يركز أثناء تلقين النظريات الدرامية على النظرية الأرسطية ونظرية المسرح الملحمي ومسرح اللامعقول، منبها في مجال عرض الفرجة إلى أدولف آبيا وبرتولد بريشت وأنتونان آرتو وجروتوفسكي وكانتور وبيتر بروك وجون فيلار… بينما شغف في شعرية الرواية بالحساسية الجديدة التي أرخت بظلالها على المشهد الروائي بزعامة ميشيل بوتور والان روب غرييه ونتاليه ساروت… وغيرهم.

صاغ “المعلم الأول” آراءه البيداغوجية المرتبطة بمشروع الدرس المسرحي في مقدمتي كتابيه الأولين: أبحاث في المسرح المغربي، والتراجيديا كنموذج، آملا أن تخوض الدراسات الأكاديمية في المجالات المعرفية للمسرح بوصفه فنا جميلا وجنسا أدبيا. بل إن اقتناعه بإدخال المسرح في منظومة الدروس الجامعية يروم تنويع الحقول العلمية المدروسة، والإسهام في التنمية الاجتماعية والاقتصادية التي لا تنهض إلا بمواكبة مجالات الثقافة الحيوية محليا وكونيا.

hespress.com