لم يعد سكان مناطق عديدة في الامتداد القروي لسوس يطيقون الاستمرار الفاحش لثنائي الرعي الجائر والخنزير البري في انتهاك “حرمات” عيشهم، ومواصلة أضرارهما البليغة بمحاصيلهم؛ فمع حلول موسم التساقطات، تكون أراضيهم وحقولهم مرتعا خصبا لـ”عمل” الخنازير البرية ومثار شهية للرعاة الرحل المرافقين لآلاف رؤوس الأغنام والماعز والإبل، القادمين من المناطق الجنوبية والجنوبية الشرقية للمغرب.
وخلال هذا الفصل من كل سنة، تتجدد كافة أصناف الاعتداءات على ساكنة سوس من طرف جحافل الرعاة الرحل، دون استثناء أي منطقة، سهلية كانت أم جبلية، حيث يكون الكلأ هو اللغة الوحيدة التي يتقنها هؤلاء، وليس في قاموسهم مراعاة حقوق الساكنة واحترام مستغلاتها الزراعية ومنابع المياه وكل مصادر عيشها، وهو “العبث” نفسه الذي يمعن الخنزير البري هو الآخر في إتقانه، فهو لا يتوانى في قصد تلك المستغلات، لا سيما بالمناطق الجبلية والواحات، من أجل “النيل” من مصدر رزق الفلاحين.
عادل تنلوست، فاعل جمعوي، قال ضمن تصريح لهسبريس: “من خلال معاناة ساكنة مناطق سوس مع الرعي الجائر لمدة سنوات طويلة، ومن خلال عمل المجتمع المدني السوسي، تبين أن الرعي الجائر وإطلاق الخنازير البرية يدخل ضمن مخطط سلطوي كبير يهدف إلى إفراغ المنطقة من ساكنتها وتحويلها إلى محميات يتم تفويتها للأجانب أو لأعيان الداخل”.
وأضاف: “يتم استعمال عدة خطط لطرد الساكنة الأصلية؛ أولاها التحديد الإداري للملك الغابوي، الذي تستولي به الدولة على ممتلكات القبائل وأراضي العائلات، وثانيتها إطلاق الخنزير البري والسماح بتكاثره بشكل مهول، فألحق أضرارا بليغة بالزراعة المعاشية حتى أصبح يهدد السكان في حياتهم، وتسبب في حوادث مميتة بمناطق سوس. أما الثالثة، فهي الرعي الجائر الذي تم السماح به بشكل علني وواضح من خلال عدم تدخل السلطات المحلية وترك الرعاة يعيثون فسادا في المزروعات والأشجار والممتلكات”، على حد تعبيره.
الفاعل الحقوقي عبد السلام موماد قال من جانبه إن “ساكنة سوس كتب لها أن تواجه كل الآفات على مر العصور، فالتهميش طال مختلف المناحي، والتنمية تأخرت، والجفاف والتصحر والفقر عوامل تجثم على صدور الساكنة، ناهيك عن معضلة الرعي الجائر والرعاة الرحل الذين يمارسون الجور على السكان، والخنازير البرية المنتشرة بكثرة التي جعلت السكان يعيشون في خضم استمرار تلك الأزمات، فتتوالى المواجهات والعنف بين الطرفين دون أن نصل إلى وضع حد لذلك”.
وأضاف أنه “رغم كون الترحال ظاهرة قديمة والبحث عن الكلأ والمراعي هو الهدف بالنسبة إلى الرحل، حيث كانت الظاهرة تشهد تفاهما بين الرحل وساكنة مناطق العبور أو الاستقرار، وصلت إلى حد ربط علاقات اجتماعية وطيدة بين الطرفين بلغت مستوى المصاهرة، لكن اليوم، ونظرا لما يثيره القطاع من شهية أصحاب المال والنفوذ، فقد تحول من مصدر عيش فئات هشة لا تتقن إلا هذه المهنة، إلى استثمارات كبرى هدفها الربح المجاني ولو على حساب المستضعفين من ساكنة سوس”.
وفي غياب أي حلول عملية تسمح بضبط تنقل أفواج المواشي والإبل واستقرارها في المراعي السوسية، تحاول السلطات الإقليمية والمحلية والأمنية بمختلف أقاليم جهة سوس تهدئة الأوضاع والتدخل للحيلولة دون نشوب مزيد من المواجهات في هذه المناطق. كما تعمد، وفقا لمصادرنا، إلى التطبيق الصارم للقانون؛ إذ قامت باعتقالات ومتابعات قضائية في حق عدد من الرحل.
أما تكاثر الخنزير البري، فهو ناتج بالأساس عن غياب الحيوانات التي تفترسه، مما يحدث اختلالا في التوازنات الإيكولوجية، وأصبح يشكل خطرا على المزروعات المجاورة للأماكن التي يوجد بها.
وتبقى الإحاشة التقنية الرئيسية المستخدمة للتقليل من أعداد الحلوف نظرا لفعاليتها، أما تقنيات التدخل الأخرى فهي غير فعالة، خاصة في الأوساط الحساسة.
وبهذا الخصوص، قال محمد بادوزي، المدير الإقليمي للمياه والغابات ومحاربة التصحر، في تصريح لهسبريس: “في إطار تنفيذ الاستراتيجية المعتمدة من طرف إدارة المياه والغابات الرامية إلى التحكم في تكاثر الخنزير البري والحد من أخطاره وأضراره، بالإضافة إلى المحافظة على التنوع البيولوجي وعلى التوازنات الطبيعية، يتم باستمرار تنظيم إحاشات لقنص هذا الحيوان”.
وأضاف أن “العملية تهدف إلى التقليل من أعداد الخنازير البرية التي تتكاثر بسرعة وتضر بالمحاصيل الزراعية، وتتواجد في بؤر سوداء محددة من طرف مصالح المياه والغابات، حيث يتم الحرص على القيام بعمليات الإحاشة وفق برنامج محدد”.
وأبرز المسؤول ذاته أنه “تم إحصاء 32 نقطة سوداء موزعة على كامل تراب اشتوكة”، موردا أن “قطاع المياه والغابات يشتغل وفق استراتيجية على الصعيد الوطني للتحكم في أعداد الخنزير البري”، مفيدا بأن “المديرية الإقليمية قامت خلال المواسم الخمسة الماضية بتنظيم 223 إحاشة، جرى خلالها قنص 1876 خنزيرا بالإقليم”.
The post الرعي الجائر ينغص حياة ملاك أراض في سوس appeared first on Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.