تحدّث يوسف السعداني، مدير الدراسات الاقتصادية بصندوق الإيداع والتدبير، عن العلاقة الطردية بين النمو الاقتصادي والنظام التعليمي، نظرا إلى الارتباط الوثيق بين المتغيّرين بالفواعل الوطنية، حيث ركز بالأساس على النموذج الآسيوي الملهم الذي ينبغي على المغرب الاقتداء به في العقود المقبلة.

وأكد السعداني، خلال ندوة افتراضية نظمتها مؤسسة HEM بخصوص التعليم والنمو الاقتصادي، صباح السبت، أن “سؤال التعليم يتم ذكره على الدوام عند الحديث عن التنمية الاقتصادية، اعتبارا لدوره الأساسي في بناء الأمم؛ بل إنه أحد المحددات الرئيسية لإحقاق النمو الاقتصادي الذي يرتكز على الرأسمال البشري”.

وأوضح عضو لجنة النموذج التنموي الجديد أن “المغرب مطالب بإعادة إنتاج النمو الاقتصادي الآسيوي المتميز منذ خمسين سنة؛ لكن ذلك يبتدئ بتحسين الأنظمة التعليمية، ومن ثمّ بناء المستقبل المشترك، عبر اتباع مجموعة من الدروس المستفادة من التجربة الآسيوية”.

الدرس الأول مفاده أنه لا توجد “معجزة اقتصادية” بدون “معجزة تعليمية”، وفق الخبير الاقتصادي، الذي أبرز أن “المعجزة هنا ليست بالمعنى الديني الشائع، بل يُقصد بها الظواهر التي تنشأ عن مجابهة التحديات المتجددة؛ أي أن النتائج يجب أن تفوق التوقعات، وهو ما نجحت في آسيا خلال أقل من جيلين”.

واستطرد: “النمو الاقتصادي الآسيوي يعد استثناءً في العالم، بل عبر التاريخ، فقد كان الفقر متفشيا بمجتمعات الصين وكوريا الجنوبية على سبيل المثال إلى حدود ثمانينيات القرن الماضي؛ غير أن هذين البلدين يعتبران من القوى التكنولوجية العالمية في الظرفية الراهنة”.

وقال الإطار الاقتصادي إن “الصين وسنغافورة وكوريا الجنوبية واليابان من البلدان الأكثر ذكاء في امتحانات الرياضيات العالمية، بالإضافة أيضا إلى الفيتنام التي ما زالت في طور النمو”، متسائلا: “هل النمو الاقتصادي وراء الطفرة التعليمية أم العكس أم أنهما متكاملان في آن واحد؟”.

وأضاف المتدخّل أن “تلك البلدان نجحت في تعميم التعليم الأولي ذي الجودة العالية، علما أن نسبة الأمية كانت مرتفعة بها خلال القرون الماضية؛ ففي القرن التاسع عشر، كانت ثنائية ألمانيا-المملكة المتحدة تهيمن على العالم، بعدما نجحت ألمانيا في تعميم المدرسة الإجبارية، قبل أن تتمكن الولايات المتحدة الأمريكية من تجاوز المعدل الأوروبي، حيث كان لها السبق في تعميم التعليم الثانوي، ثم انتقلت بعدها إلى الجامعة”.

واسترسل: “الاستثناء الصيني يتجاوز النموذج الأمريكي حاليا، ويتجه إلى قيادة العالم؛ وهو ما لمسناه في اللقاح، على سبيل المثال”، ثم زاد: “التعليم محدد رئيس لزيادة النمو الاقتصادي، لأن الانتقال من مجتمعات الفلاحة إلى الصناعة إلى الابتكار إلى التكنولوجيا يتطلب يدا عاملة مؤهلة، لا بد من صقل مهاراتها منذ التعليم الأولي”.

وأورد السعداني أن “دولا أخرى، مثل روسيا، تتوفر على تعليم جيّد؛ لكنها لم تخلق دينامية اقتصادية سريعة على غرار الصين، لأن الرأسمال البشري ينبغي إدماجه في الدورة الاقتصادية السريعة قصد تحقيق النتائج المبهرة، بالإضافة إلى عوامل أساسية لإنجاح الرهان الاقتصادي، بينها مؤسسات الحكامة والبنيات الإنتاجية والإستراتيجيات الاقتصادية”.

أما الدرس الثاني، بحسَب المتحدث، فيتعلق بنجاح الدول الآسيوية في بناء نموذج اقتصادي متميز، نجح في تعميم التعليم الابتدائي ذي الجودة والكفاءة العاليتين على جميع المواطنين دون استثناء، فضلا عن هيمنة التعليم العمومي بالدول الآسيوية؛ ذلك أن نسبة التعليم الخصوصي بكل من اليابان وسنغافورة والفيتنام وتايوان تتراوح بين 0 و1 في المائة فقط، دون إغفال الدعم الأسري والاجتماعي المشجع للأطفال، بتعبيره.

وبخصوص الحالة المغربية، فأشار الخبير الوطني إلى أن “المملكة نجحت في تعميم التعليم الأولي بصفة نهائية منذ سنوات؛ لكن التقييمات الوطنية والدولية بشأن التعليم المغربي تخلص إلى أن ثلثي الأطفال لا يتوفرون على مؤهلات الرياضيات والقراءة بالشكل المطلوب مع نهاية السلك الابتدائي”.

ويتمثل الدرس الثالث في عدم حصر وظائف المدرسة في التلقين فقط، وإنما أنيطت بها مهام تدريس المعارف السلوكية والمجتمعية، تبعاً لعضو لجنة النموذج التنموي الجديد، الذي أكد أن “المدرسة الآسيوية تدرس التلاميذ قيم العمل الجماعي والتواصل الناجع والأمانة والإخلاص في العمل؛ أي التربية على المواطنة بصفة عامة، وهو ما يغيب في الأنظمة التعليمية الكلاسيكية”.

الدرس الرابع يرتبط بتكييف الأنظمة التعليمية مع الاحتياجات الاقتصادية الوطنية، حيث عملت الدول الآسيوية على تدعيم القدرات الأساسية للتلاميذ في السلك الابتدائي؛ فقامت بتعزيز الكفاءات الشخصية في السلك الثانوي الإعدادي والتأهيلي، لا سيما بالمجالات التقنية والتكنولوجية، ثم صقلت تلك المهارات في التعليم العالي، من أجل مواكبة التخصصات الاقتصادية المطلوبة في السوق العالمية، يختم السعداني مداخلته.

hespress.com