سلوكات سياسية بدأت تتسرب إلى حزب العدالة والتنمية جراء “الخلافات التنظيمية” التي تعرفها الهيئة السياسية على امتداد السنوات الأخيرة، من خلال مغادرة البعض للسفينة الحزبية واتجاه البعض الآخر نحو التصويت المضاد للتوجهات المركزية داخل مجالس المؤسسات المنتخبة.

وضعفت ثقافة الالتزام الحزبي لدى العديد من منتخبي “الحزب الإسلامي” بالجماعات الترابية والمجالس الجهوية، بخلاف الصرامة التنظيمية والعقيدة السياسية التي يعرف بها العدالة والتنمية؛ فيما لا تتفاعل الأمانة العامة مع تلك الوقائع مثلما كان في وقت سابق.

تبعا لذلك، تنتقد مجموعة من القيادات الوطنية “ضعف” التفاعل الحزبي مع الاستقالات الفردية والجماعية للأعضاء، بالإضافة إلى عدم الالتزام بمخرجات اللقاءات التنظيمية على مختلف الأصعدة؛ الوطنية والجهوية والإقليمية، معتبرة أن تراكم تلك الممارسات قد يتحول إلى “ظاهرة مقلقة” في المستقبل.

ظاهرة مقلقة

وبالنسبة إلى أمينة ماء العينين، القيادية البرلمانية عن حزب العدالة والتنمية، فإن الانسحابات والاستقالات أصبحت “ظاهرة” داخل الحزب، ثم تزيد بالشرح: “هناك من يأخذ مسافة من الحزب ويتراجع إلى الوراء، ثم يخفت نضاله وحضوره الإشعاعي بالمقارنة مع ما هو معهود فيه من عطاء داخل الحزب”.

وتوضح ماء العينين، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “هناك من لا يلتزم داخل المؤسسات المنتخبة، من خلال تصويت البعض ضد قرارات الحزب، خصوصا بالمجالس الترابية، أو مثلما وقع بجهة سوس ماسة حيث كان من المفترض أن نصوت لمرشح الحزب، فإذا ببعض الأعضاء يصوتون لصالح المرشح المنافس”.

وتؤكد القيادية البرلمانية أن “الظاهرة مقلقة؛ لأن الانضباط الحزبي كان يميز الثقافة السياسية لحزب العدالة والتنمية بشكل مطلق، ليس بهدف الإرغام، بل تجسيد معاني الالتزام السياسي لدى الأعضاء الذين يؤمنون بتلك القرارات”، مشيرة إلى أن “الاقتناع في السياسة كلمة مفتاحية لدى الحزب”.

وتبرز المتحدثة أن “الاقتناع بدأ يتزعزع عند بعض أعضاء الحزب، لتنتج عنه هذه الظواهر؛ فيما يظل تفاعل قيادات الحزب معها غير مقنع، في ظل غياب مبادرات حقيقية لتحليل الظاهرة، والوقوف عند أسبابها، وتقييمها، واقتراح الحلول”، لتخلص إلى أن “تغيير الألوان الحزبية حق دستوري للجميع؛ لكن ينبغي من باب العرفان الجلوس مع الأعضاء الذين يحملون وراءهم تاريخا كبيرا بالحزب من أجل معرفة الأسباب”.

تراجع الصرامة

وبشأن الدوافع السياسية التي تفسر بروز تلك الممارسات الحزبية داخل العدالة والتنمية، يرى عبد الرحيم العلام، الباحث المغربي في العلوم السياسية، أن “الحزب لم يتجاوز أعضاؤه 16 ألف شخص عند خوض غمار الانتخابات في البدايات؛ بينما يتعدى عدد الأعضاء، اليوم، 50 ألف شخص”.

ويورد العلام، في تصريح لهسبريس، أن “أولئك الأعضاء الجدد ليسوا من أبناء الحزب، بل استقطبهم في إطار الاحتكاك بالفاعلين؛ ومن ثمة فإن تنشئة الحزب غير حاضرة بشكل كبير”، ليردف بأن “العديد من الأعضاء شرعوا في التصويت ضد الحزب، أو لا يلتزمون بمقررات الأمانة العامة، سعيا منهم إلى البحث عن أماكن أخرى للتموقع”.

ويتابع الأستاذ الجامعي بأن “هذه الفئة تفكر في مرحلة ما بعد الانتخابات، لأن قانون الأحزاب يمنع عليها تغيير الانتماء في الفترة الحالية؛ ذلك أن الحزب سيقوم بطردهم، وستترتب بحقهم عقوبة الحرمان من الترشيح لولايتين؛ وبالتالي، من الأسهل عليهم عدم الالتزام بتوصيات الحزب لأن القانون لا يلاحق ذلك”.

ويستطرد العلام: “تغيرت البنية التنظيمية للحزب، الذي لم يعد يحتضن فقط أبناءه الذين نشؤوا داخل حركة التوحيد والإصلاح؛ ما يفسر خفوت الصرامة التنظيمية لدى نسبة كبيرة من أعضاء الحزب الراغبين في التموقع بعد الانتخابات؛ غير أن ذلك لم يصبح بعد حالة عامة، لأن الظاهرة لا تصل إلى 50 في المائة”.

ويختم الباحث عينه تصريحه للجريدة بالقول: “رغم ذلك، ما زالت النواة الصلبة محتفظة بصرامتها التنظيمية، وليس هناك ما يؤكد أن الحزب في تراجع مثلما وقع للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية؛ غير أن الانتخابات المقبلة ستظهر مدى جاذبية الحزب بالنسبة إلى الأشخاص الساعين إلى التموقع انتخابيا”.

hespress.com