تطرقت الكاتبة والإعلامية المغربية غادة الصنهاجي لشائعة وفاة المفكر والمؤرخ المغربي عبد الله العروي، معتبرة أن لشائعات وفاة الكتاب والمثقفين وقعا مؤلما.

وقدمت الصنهاجي في مقال بعنوان “استبانة الموت في حياة عبد الله العروي”، نبذة عن المفكر المغربي وعلاقته بوالده، واكتشاف تأثير تجربة الأب في ميوله الاجتماعية والسياسية.

إليكم نص المقال كما توصلت به هسبريس:

إنّ لشائعات وفاة الكُتّاب والمثقفين وقعاً مؤلماً، لكنّ أخبارها الكاذبة لحسن الحظ تعيد إليهم حيواتهم كما تعيدهم إلى حيواتنا، وما إن نطمئن عليهم حتّى ننبش مكتباتنا لاستخراج كتبهم فنبعثها بدورها من الموت.

مؤخرا، ضجّت وسائل التواصل الاجتماعي بشائعة وفاة المفكر والمؤرخ المغربي عبد الله العروي، ومع الأسف، لم تكن هذه المرّة الأولى.

في كتابه “استبانة”، يقول العروي: “شتّان بين ما نعلم وما نعتقد. والأغلبية تعتقد قبل أو دون أن تعلم”.

لقد كان البدء في هذا الكتاب بالاسم، اسم العروي الذي يتضايق كلّما سمعه محرّفا. ولنا أن نتخيّل شعوره وهو يقرأه منعيّا.

ولد عبد الله العروي في مدينة أزمور، والواقع أنه لا يشعر بأدنى انتماء أو ارتباط بأية منطقة بعينها، فهو يشدّد على أنّ القبيلة مفهوم وهمي، تعاقدي لا تلاحمي، وأنّ ارتباطه القوي هو مع الكليات..الوطن، الأمة، الدولة. فما استخلصه العروي من تجربته اليومية هو أنّ تغليب منطق الأسرة، أي القبيلة، على حساب المجتمع والدولة يؤدي إلى آفات كثيرة.

كتب عبد الله العروي عن وفاة والده في كتابه “خواطر الصباح” يوميات (1967-1973) ما يلي: “مات الأب وانسدّ باب الأمل. انتفت كلّ فرصة لمحاورته في شؤون كثيرة… كنت أنوي تسجيل أجوبته وكنت دائما أنسى آلة التسجيل.. ألاعيب القدر. بعد أسابيع سأشرع في حوار طويل مع أبي.. من جانب واحد وعلى الورق”.

يؤكّد العروي في كتاب “استبانة” أنّه كان ينوي استجواب والده عن أطوار حياته قبل الحماية وأثناءها. ثم تراخى إلى أن فات الأوان. لذلك لا يعرف إلا القليل عن حياته رغم أنه كان يحاوره طويلا، لكن في موضوعات عامة، تاريخية فكرية سياسية وغيرها.

لم يلعب والد العروي دوراً في تربيته الوجدانية، وهذا ما أوضحه في رواية “اليتيم” التي نقرأ له فيها: “لكنّ الموت باغتني. لذلك سأعتقد في قرارة قلبي أنّ الزمن خانني وأنّي أصبحت يتيما قبل الأوان”. لكن كلّما تقدّم العروي في السنّ كان يكتشف تأثير تجربة الأب في ميوله الاجتماعية والسياسية.

يقول العروي في حوار تلفزيوني: “أبي رحمه الله، كان يقرأ كثيراً لابن خلدون، لم يكن مثقفا كبيرا، ولكن كانت عنده طبعة شعبية لمقدمة ابن خلدون، كان يقرأها باستمرار، فورثت عنه هذا الإعجاب”.

لقد درس العروي حين كان مستوى التعليم عاليا جدا، حين كان المعلّمون يعطون لكلمة التعليم معناها الحقيقي، معنى التنشئة والتثقيف. ومع أنّ الأمية كانت متفشية وثقافة الأفراد هزيلة في تلك الأيام، إلاّ أنّه يرى أنّ هذا لم يكن يؤثر في المدرسة التي كانت مفصولة عن محيطها البائس، وهو ما لا يلاحظه اليوم من تأثير لمستوى الثقافة العامة في مستوى التعليم أو بأحرى مستوى المدرّس.

في المرحلة الثانوية، تقوّى شعور العروي بالعزلة بما قرأه من الأدب الوجودي، وتغذّى بما كان يشاهده من بؤس وحرمان في أزقة المدينة القديمة في مراكش. كان يجهل حقيقة أوضاع البلاد وهو شاب. وقتها كانت هناك صورة متحكّمة في الأذهان، وحسب ما يذكر العروي: “هي أنّنا كنّا نملك شيئا فقدناه بسبب بؤس حظنا وكذلك بسبب تهاوننا وتخاذلنا، فيجب أن نعمل على استرداده”.

عن سؤال متعلّق بوفاة شخصية إدريس في روايته “أوراق”، أجاب عبد الله العروي في أحد الحوارات الصحافية بما يلي: “إدريس مات بالفعل، ولكن موضوع أوراق هو البحث عن مغزى موته. مات إدريس لأنه لم يستطع أن يفصل. بمعنى آخر إنّ موت إدريس عبارة عن عدم الاطمئنان في نفس صاحب إدريس. نستطيع أن لا نحسم ما دمنا في ميدان الأدب والفن، والشعر، لأننا وحدنا في الميدان، لا أحد ينازعنا في مدارنا اللغوي والأدبي، ولكن لا بدّ من الحسم اجتماعيا وسياسيا وفكريا. هذه عقدة نفسانية، تميّز كل مثقف عربي واعٍ بذاته وبحاله، وهذه عقدة قاتلة بكلّ معنى الكلمة. وهذا ما يشير إليه مآل إدريس”.

“تشبّث بالحياة”؛ إنها نصيحة الطبيب في رواية “اليتيم”، ومنها نقرأ للعروي: “يمكن أن تعيش إلى الأبد، على الأقل في مفهوم بني آدم. تعلّق بالحياة تتعلّق بك الحياة. والطقس سيتغيّر أيضا في النهاية ويجلو عن البلد هذا الضباب الكثيف”.

hespress.com