تعتبر الصويرة حاضرة فنية تمتزج فيها مختلف الأشكال التعبيرية الثقافية والفنية، التي تحوّلها إلى مدينة تضرب في تاريخ الإيقاع والنغم والجمال، الذي تنطقه أزقة وحومات المدينة العتيقة الجميلة.

هذا الرأسمال الفني، التي تجلس نغمات كناوة الروحية على عرشه، جعل مدينة النورس تدخل القائمة العالمية، بتصنيفها ضمن المدن المبدعة من لدن منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم “اليونسكو”.

وعلى الرغم من هذا التصنيف، فإن مدينة الصويرة تفتقر إلى مرافق ثقافية وفنية، من قبيل المركبات الثقافية والمسارح وقاعات للعروض وقاعات للسنيما؛ وهو ما يثير تذمر سكان ونشطاء المجتمع المدني، الذين يتخوفون من فقدان هذه المكانة التي تشكل إضافة نوعية.

فهل يمكن المحافظة على تصنيفها بدون هذه المؤسسات؟ وإلى أيّ حد يمكن ضمان بقاء مدينة الفن ضمن المدن المبدعة؟ وكيف يمكن لموكادور أن تخلق فنانين آخرين دون مؤسسات فنية تضمن نقل هذا الفن العالمي؟ هذه مجموعة أسئلة يحاول هذا الروبورتاج تسليط الضوء عليها.

محمد هيلان، واحد من المتتبعين للحقل الثقافي بمدينة الصويرة، يجيب عن سؤال لماذا الصويرة مدينة الفن بأن تاريخها عريق وتمتد جذوره في الماضي السحيق؛ فأصلها يعود إلى ما قبل التاريخ مع الملك الأمازيغي يوبا أو جوبا الثاني ابن يوبا الأول، الذي ولد حوالي 52 قبل الميلاد وتوفي عام 23 بعد الميلاد.

وواصل هيلان، في تصريح لهسبريس، قائلا: “كان يوبا الثاني يمثل ملك نوميديا المثقف الذي حكم من عاصمته (شرشال) مملكة موريتانية التي تمتد من شرق الجزائر إلى شمال المغرب الأقصى الحاليين، الذي شجع وناصر الفنون والعلوم والآداب، وكان يتقن لغات عديدة، وقد ازدهرت في عهد هذا الملك الشاب العلوم والفنون الجميلة والعمران، فكان عصره هذا عصرا ذهبيا”.

إن تاريخ موكادور المشتقة من لفظ أمازيغي قديم هو مكدول أي الحصين، يرجع إلى ما قبل الميلاد؛ فالفنيقيون جعلوا منها قنطرة للرسو بجزيرة موغادور، حين كانوا يسافرون عبر البحر إلى الإكوادور. وكان يوبا الثاني، ملك موريتانية الطنجية، أنجز فيها معملا لصناعة الصباغات المستخرجة من المحار la pourpre أحد أنواع الرخويات، وكان يصدرها إلى الرومان، وبعد ذلك استقر بها البرتغاليون والسلاطين السعديون.

لمدينة النورس تاريخ عريق؛ فهي لم تؤسس عبثا، فبصماتها تضرب في التاريخ بحمولة ثقافية وفنية، تحضر اليوم في المستقبل بفنون هذا الماضي؛ ما جعلها تحمل اسم الصويرة، المدينة المبدعة في الحاضر.

هذا العمق الثقافي والفني لمدينة الصويرة كان ملهما لعدد من الفنانين، من قبيل الفنان المسرحي الطيب الصديقي؛ لكن يصعب الآن التفاؤل بضمان استمرار أبي الفنون وموسيقى گناوة التي لعبت دوراً مهما في الاعتراف بها، بسبب افتقارها حاليا إلى المرافق الثقافية والفنية، يقول الناشط الجمعوي حسن مزهاري لهسبريس.

وأضاف مزهاري: “كتب على مدينتي التهميش، وأن تعيش أبد الدهر بين الحفر وأخرى، كطرق “لنهب المال العام”؛ فيما يبقى الجزء التاريخي كالملاح والحومات العتيقة التي احتضنت المبدعين وبها تفتقت قريحتهم وأناملهم تشكو التهميش مع كل عام جديد يأتي”.

“إذا ابتعدنا عن الواجهة السياحية، سنكتشف عالم الهامش حيث تنتشر الأزقة والحومات التي نطقت فنا وتعيش ألما”، بحسب عبد السلام ديدوش من ساكنة مدينة الصويرة، والذي يضيف: “تفتقر هذه الوجهة السياحية لكل المرافق الثقافية والفنية، التي يمكن أن تساعد في تفتق مواهب الأطفال والشباب”.

يورد ديدوش”: “بنظرة سريعة ستعرف أن هذه المدينة تغيب فيها المركبات والمعاهد الثقافية والفنية والمسارح وكل المرافق التي يمكن أن تكون ملجأ لمحبي الفن والجمال، لصقل مواهبهم وإطلاق العنان لما يملكون من قدرات فنية وموسيقية ومسرحية”.

ويتابع المتحدث نفسه: “لولا المبادرات الجمعوية والمجهودات الخاصة لفقدنا مثلا فن الملحون وأصواته الجميلة، والآن فالمعلمون في فن كناوة يتساقطون واحدا تلو آخر بسبب الموت، وجيل المستقبل مصيره مجهول، في ظل غياب مؤسسات تهتم بتعليم ونقل هذا التراث إلى الأطفال والشباب”.

من جانبه، أوضح هشام جباري، رئيس المجلس الجماعي لمدينة الصويرة، لهسبريس، أن مجهودات جبارة تقوم بها الجماعة والعمالة للنهوض بهذه الحاضرة فنيا وجماليا، ومن أجل فضاء يليق بأهل موكادور.

وأضاف المسؤول الجماعي ذاته أن من المشاريع المستقبلية التي تعمل الجماعة على إنجازها كثيرة؛ مثل قاعة متعددة الاختصاصات لاحتضان الأنشطة الثقافية والفنية.. وبالخزانة البلدية سابقا، نعمل على إحداث مجموعة مرافق؛ من قبيل مكتبة عصرية ومسرح”.

hespress.com