عاش المولعون بهواية الصيد بالقصبة أياما عصيبة خلال فترة الحجر الصحي في السنة الماضية، وضمنها شهر رمضان، حيث منعوا من ارتياد الشواطئ من أجل ممارسة هوايتهم أو حرفتهم في اصطياد الأسماك، غير أن رمضان الحالي يختلف عن نظيره الماضي، إذ تميز بفتح الشواطئ في وجوه المصطافين وممارسي الصيد بالقصبة أو الصنارة، وهو ما أتاح لهم فرصة تزجية الوقت والظفر، في كثير من الأيام، بأنواع مختلفة من الأسماك يجود بها عليهم البحر، عدا الأوقات التي يختار فيها أن يكون شحيحا، رافضا إطلاق العنان لجوده، وآنذاك يعود الصيادون بسلات خاوية.

في جهة سوس، التي تتميز بشواطئها الممتدة، وتعد قبلة لهواة الصيد بالقصبة أو للذين يتخذون من الصيد مصدر عيشهم، تعد الأماكن الممتدة من شمال أكادير، مرورا باشتوكة ووصولا إلى شواطئ تزنيت، أماكن ممتازة للصيد، وتجود، حسب صيادين التقتهم هسبريس، بكميات وافرة من الأسماك، شريطة أن يكون الممارس ملما بأدق التفاصيل المرتبطة باستعمال الصنارة وأحوال البحر وأسراره وأنواع الطعم الذي يجذب الأسماك، وكلها جزئيات غاية في الأهمية.

وفي رمضان يكون لهذه الهواية طعم خاص، فالإفادات التي استقتها جريدة هسبريس تسير كلها في اتجاه كونها هواية تزيل التوتر وتخفف الضغوط اليومية، كما تعلم الصبر وتبعث الهدوء في النفس، وتعد فرصة للقاء الأصدقاء وتمضية الوقت، خاصة في شهر رمضان، وبالتحديد قبل مغرب كل يوم، بل هناك من يقصد البحر ليلا، حسب أحوال البحر.

وهذه الهواية تتوزع، حسب الإفادات ذاتها، بين المتعة وقضاء بعض الوقت جنب البحر، وكذا صيد بعض الأسماك لمواجهة تكاليف الحياة، وذلك بعرضها على جنبات الطريق أو ببعض فضاءات التسوق الشعبية كـ”السويقات”.

وعن الصيد بالصنارة، التي ولع وشغف بها كثير من السوسيين، يقول الحسين بسموم، وهو فاعل جمعوي، إن الصيد بالقصبة أو الصنارة يعد “هواية لدى البعض، ووسيلة لتدبير المعيش اليومي لدى البعض الآخر. هذه المهنة أو الهواية الضاربة في القدم لها مميزاتها وعرفتها جل الشواطئ المغربية بوجهتيها المتوسطية والأطلسية، إلا أنها تعرف ذروتها في الشواطئ السوسية والجنوبية لعدة اعتبارات، نجملها في كثرة المصايد ووفرة الثروة السمكية، إلى جانب الهدوء التام وانتشار الطعم بشكل وافر، فضلا عن تميز هذه المناطق بوفرة الصخور التي تفضلها الأسماك للرعي”.

“وبخصوص المناطق المعروفة بكونها محجا وقبلة لممارسي الصيد بالصنارة في سوس، نجد تفنيت، سيدي بوالفضايل، بعرور، بولفسان، إيصوح، الشاطئ الأبيض، اوريورا، أخفنير، وغيرها. فهذه المناطق تعتبر محجا للمولعين بهذا النوع من الصيد، الذين يأتون إليها من مختلف مناطق المغرب ومن مختلف الشرائح والفئات المجتمعية”، يضيف بسموم، مشيرا إلى أن  “هذه المهنة أو الهواية عند البعض تقتضي معرفة خاصة بأسرار البحر، وكذا الإلمام بأحوال الجو والطقس، أو  ما يسمى عند أهل الميدان بـ”المنازل”. بالإضافة إلى هذا يجب على الهاوي أو المهني التوفر على المعدات اللازمة وضبط كيفية استعمالها، إذ أن هذه المعدات تأثرت بالتقدم التكنولوجي، والأمر نفسه بالنسبة إلى الطعم مختلف الأشكال والأحجام والأنواع حسب ملاءمتها للمصايد وكذا لنوعية الأسماك المرغوب اصطيادها”.

هو عالم جميل ينطوي على متعة وتسلية، في رمضان وغيره، ولكن في بعض الأحيان تلفه مخاطر متعددة ومتنوعة، حيث قادت هذه المهنة أو الهواية الكثيرين إلى نهاية مأساوية لعدة أسباب، أبرزها، وفق الفاعل الجمعوي ذاته، عدم الانتباه والتركيز، والصيد ليلا مع عدم المعرفة التامة بالمكان. ورغم أن الصيد بالقصبة ينطوي على مشاق ومخاطر، فهو “تكتنفه إيجابيات كثيرة، بل ينصح به من طرف الأطباء، خصوصا بالنسبة للمرضى نفسيا، والمصابين بالاكتئاب، وكذا الذين يعانون من اضطرابات عصبية”.

هي إذن هواية لدى البعض وحرفة لكسب الرزق لدى البعض الآخر، ويلاحظ الإقبال عليها في شهر رمضان، الذي يكسبها نكهة خاصة. إذ في الوقت الذي تشهد المدن ازدحاما وصخبا وضجيجا، يختار الصيادون أجواء البحر في هدوء وصبر وأناة، زادهم صنارة بطعم، يقذفونها صوب مياه البحر، في انتظار أن تعلق بها سمكة يسارع الصياد لتحريرها وكله فرح وسرور، أو تأتي على الطعم وترجع إلى أعماق البحر.

hespress.com