يرى محللون في “مبادرة الحزام والطريق”، التي أطلقها الرئيس الصيني شين جين بينج في عام 2013 والتي تقوم على أنقاض طريق الحرير القديم، من أجل ربط الصين بالعالم، وسيلة لتوسيع النفوذ الاقتصادي والسياسي الصيني.
وأشارت جارسيا واتسون، الباحثة بمجلس السياسة الخارجية الأمريكي في واشنطن، في تقرير نشرته مجلة “ناشونال إنتريست”، إلى شائعات تدور منذ أوائل عام 2020، بأن “مبادرة الحزام والطريق”، الاقتصادية الإستراتيجية، التي يوليها الرئيس الصيني قدرا هائلا من الاهتمام، واجهت مشكلات بسبب جائحة فيروس “كورونا” والمعارضة العالمية المتزايدة لها. ومع ذلك، تبين أن هذا في الغالب كان تفكيرا يغلب عليه التمني.
ومن قبيل الدقة القول إن نطاق “مبادرة الحزام والطريق” يتحول من إستراتيجيتها التقليدية المتمثلة بشكل أساسي في التنمية من خلال البنية التحتية إلى جهود أكثر بريقا وحداثة.
وكانت جائحة فيروس “كورونا” محركا رئيسيا لهذا التحول. وفي حين أن الجائحة أثرت بشكل كبير على تواصل الصين وسمعتها، فقد قدمت لبكين أيضا فرصة مثالية لتغيير معايير “مبادرة الحزام والطريق” وإعادة التوجيه نحو جهود ذات صلة أكبر.
وعلى مدار عام 2020، تم إيقاف أو إلغاء عدد من مشاريع المبادرة، وسعت دول عديدة إلى تأجيل سداد قروضها لبكين. ومع ذلك، استغلت الصين الفرصة للتركيز على الصحة العامة والخدمات الرقمية.
وأشارت الكاتبة إلى ما وصفته بأنه “طريق الحرير الصحي” في الصين، وقالت إن فكرة جهود الصحة العامة العالمية بقيادة الصين ليست جديدة، حيث تم تقديمها لأول مرة في عام 2017 عندما وقع الرئيس شي جين بينج اتفاقية مع منظمة الصحة العالمية، وهي ملزمة بجعل الصحة محور تركيز رئيسي لـ”مبادرة الحزام والطريق”.
وبرزت الفكرة في عام 2020 عندما تبرعت الشركات الصينية بمعدات الحماية الشخصية علنا في جميع أنحاء العالم، في إطار “مبادرة الحزام والطريق”، وفي محاولة لمواجهة الرواية العالمية السائدة عن دور الصين السلبي في تفشي فيروس “كورونا”.
وتشمل جوانب طريق الحرير الصحي تزويد الدول بالإمدادات والاستشارات الطبية، فضلا عن المساعدات المالية لمنظمة الصحة العالمية حتى تتمكن من مساعدة الدول النامية في إقامة أنظمة صحة عامة أكثر قوة.
وهناك أيضا التكنولوجيا، أو ما يسمى بـ”طريق الحرير الرقمي”. وعلى الرغم من أن الجائحة تسببت في بعض الانتكاسات لجهود الصين لتصبح المورد الرائد لتقنية شبكات الجيل الخامس في العالم، فقد أتاحت أيضا فرصا غير متوقعة.
وخلال عام 2020، قدمت شركات التكنولوجيا الصينية العديد من الخدمات الطبية التي ترتكز على الجيل الخامس وساعدت في بناء شبكات الجيل الخامس في الداخل والخارج لربط العاملين في مجال الرعاية الصحية والمرضى بالمتخصصين في مجال الطب.
وهناك المزيد في هذا الصدد، ففي ماي من عام 2020، وافق مجلس الشعب الصيني على خطة إنفاق مدتها ست سنوات مع جعل شبكات الجيل الخامس أساسا لها.
كما قامت شركة “هواوي”، عملاق الاتصالات الصيني المثير للجدل، بوضع خط ألياف ضوئية بطول ستة آلاف كيلومتر عبر المحيط الأطلسي، بين البرازيل والكاميرون؛ بينما ساعد انتشار منصات الدفع الرقمية مثل “وي تشات باي” و”أليباي” في تعزيز انتشار اليوان على المستوى الدولي.
وعلى سبيل المقارنة، حظي ما يسمى بـ”طريق الحرير الأخضر” باهتمام أقل؛ لكنه يمثل جهدا سيكتسب بالتأكيد مزيدا من الأهمية في المستقبل.
لقد منحت الجائحة بكين الفرصة لإلغاء، ليس فقط المشاريع غير القابلة للتطبيق، ولكن الأخرى التي لا تتمتع بشعبية وغير ذات الصلة اقتصاديًا (مثل السدود ومحطات الفحم الملوثة للبيئة) أيضا.
وفي الواقع، أشارت تقارير إلى أن نسبة المشاريع الملوثة للبيئة للمشاريع الخضراء التي تتكفل بها الصين قد بدأت في الانخفاض. وفي أواخر العام الماضي، على سبيل المثال، أصدرت وزارة البيئة الصينية إطارا لتصنيف مشاريع “مبادرة الحزام والطريق” اعتمادا على تأثيرها البيئي.
ووفقا لتحليل، “سيساعد النظام في الحد من التلوث والتغير المناخي وخسارة التنوع البيولوجي الناجم عن مشاريع البنية التحتية الضخمة المرتبطة بمبادرة الحزام والطريق”.
ولم يقتصر الأمر على ذلك فحسب، بل في عام 2020، ركزت نسبة 57 في المائة من استثمارات الصين في البنية التحتية للطاقة على مصادر الطاقة المتجددة.
ولم يتغير كل شيء، رغم ذلك. وتظل “مبادرة الحزام والطريق”، في أساسها، نموذجا للتنمية يستند إلى البنية التحتية. ولا تزال خطط الرئيس الصيني للمستقبل تعتمد على الممرات الاقتصادية المادية في جميع أنحاء آسيا وأوروبا.
وبما أن مشاريع المبادرة تميل إلى استخدام الشركات الصينية، فإنها توفر وظائف مهمة للقوى العاملة. ومع ذلك، لطالما كانت “مبادرة الحزام والطريق” غير واضحة المعالم على نحو دقيق، مما يعني أنه يمكن لها التكيف مع المجالات الجديدة لتبقى ذات صلة، وهو أمر يحدث الآن في مجالات الصحة والتكنولوجيا والطاقة الخضراء.
وتقول واتسون، في الختام، إن النتيجة النهائية ملحوظة؛ فكما يتضح مما سبق، تظل مبادرة الحزام والطريق أمرا بالغ الأهمية، وهي تتمتع اليوم بتماسك واتجاه جديدين.
كما أنها ترى أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن ستكون بحاجة إلى خطة منسقة ومتعددة الأوجه لمواجهة الشكل المتغير للمبادرة والطريق إذا كان ذلك يعني الانخراط حقا في منافسة للقوى العظمى مع بكين.
The post الصين تراهن على "الحزام والطريق" لتوسيع النفوذ السياسي والاقتصادي appeared first on Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.