اهتز دوار “الزنيبي” في الجماعة الترابية بلفاع، بإقليم اشتوكة آيت باها، بحر الأسبوع المنصرم، على وقع جريمة قتل بشعة، راح ضحيتها طفل لا يتجاوز عمره 10 سنوات، الذي انتشلت جثته من قعر بئر مهجورة غير بعيد عن منزل أسرته، وهي الواقعة التي خلفت جروحا، يصعب أن تندمل، في قلوب والدي “أيوب” وباقي أفراد أسرته وجيرانه وعائلته.

هسبريس انتقلت إلى مكان وقوع الجريمة، التي لازال وقعها مثار نقاش في الشارع المحلي في إقليم اشتوكة آيت باها وسوس عامة، إذ التقينا محمد إهند، والد الطفل الضحية، الذي بالكاد استطاع أن يحكي جزءا من تفاصيل واقعة اختفاء ابنه لسويعات قبل أن يعثر عليه في قعر البئر جثة هامدة، والأمر ذاته حصل مع والدة الضحية.

خائرة القوى، نفسية جد مهزوزة، كل ذلك انضاف إلى الوضع الاجتماعي المزري، سمته الفقر المدقع الجلي، وقلة شظف العيش، لم تتمالك “فاطمة” وهو اسم مستعار، نفسها بعد أن اغرورقت عيناها، من غير أن تتمكن من وقف الدموع المنهمرة بغزارة من عينيها، خاصة بعد أن حاولنا طرح سؤال لهسبريس حول ظروف فقدان فلذة كبدها بتلك الطريقة، فظلت تردد في صوت خفي “الله ياخذ فيه الحق”.

هسبريس دخلت بيت أسرة الطفل الهالك، إذ خيم الحزن على طفلات وأطفال صغار، لا يقل عددهم عن 8، وعمرهم يكاد يتقارب، باستثناء يافعة ويافع، وكلهم أخوات وإخوة “أيوب”، فيما الأم انزوت إلى ركن من أركان البيت، الذي لا تربطه بالمسكن غير الاسم، وهو ما أصر الأب على إبرازه لنا، وهو يتحسر على ظروف المعيشة والهشاشة التي تنخر أسرته.

تفاصيل القضية، وفق والد الهالك أيوب، تعود إلى ليلة الخميس، حينما غاب الطفل عن البيت، كغير عادته، وكان البحث عنه مضنيا من طرف أسرته وجيرانه، لكن دون جدوى، فقرر حينها والده التوجه إلى مقر قيادة بلفاع، حيث عرض والواقعة على قائد القيادة، الأخير، استنفر عناصر القوات المساعدة وأعوانه، وانخرط الجميع، بمعية ساكنة الدوار في عملية البحث.

أولى التحقيقات الميدانية قادها قائد قيادة بلفاع، الذي أفلح في الوصول إلى طفل من رفاق “أيوب”، وذلك بعد أن أكد أحد الجيران للسلطة المحلية أنه كان معه حوالي السادسة مساء بالطريق غير المعبدة المؤدية إلى منزل الأسرة، وبعد استفساره، باح بأنه شهد الضحية مع شخص (القاتل) بجوار بئر وسط مستغلة مزروعة بالذرة، إذ اعتبر تصريح الطفل المسلك السليم لفك اللغز.

ومباشرة بعد ذلك، اتجه الجميع نحو البئر، حيث كشفت المعاينة الأولية احتمال وجود جثة آدمية في قعره، وهو استدعى توقيف “المشتبه فيه”، وبعد محاصرته بعدد من الأدلة، لم يجد بدا من الاعتراف، إذ جرى استدعاء مصالح الدرك الملكي والوقاية المدنية، فتم انتشال الجثة، وذلك حوالي الساعة الرابعة من صباح الجمعة، وهو المشهد الذي زاد جرعات الغضب والحزن والأسى والألم في نفوس أسرة الطفل البريء.

ولم يكف والد “أيوب” على توجيه اللوم للفقر الذي عشعش داخل أسرته، فلم تمر سوى شهرين عن حلوله بدوار “الزنيبي” قادما من إحدى دواوير جماعة إنشادن، حتى عاش حسرة ومرارة فقدان فلذة كبده بتلك الطريقة، وأصر على أن قاتله لا يعاني من اضطرابات نفسية، مع احتمال تعريضه لاعتداء جنسي قبل التخلص منه، “فلا أطلب إلا حق ابني، فأنا أمي، لا أعرف ماذا أفعل وأين أقصد”.

ففيما لا يزال مصير الطفل الحسين، ذي 4 سنوات، مجهولا إلى يومنا هذا، وهو الذي اختفى في ظروف غامضة نواحي بيوكرى، عثر على “أيوب” في ظرف وجيز، وعرف مصيره، عثر عليه جثة أسفل بئر، وترك جرحا غائرا في قلوب كل أفراد أسرته، كبيرهم وصغيرهم، وما زاد من ألمهم، تلك الجنازة اليتيمة، التي لم تحظ بمشاركة مسؤول إداري أو منتخب، فكأن لسان حالهم يقول أن الفقراء يموتون مرتين، في عيشتهم وفي مماتهم.

بوبكر بنسيهمو، المنسق الجهوي للمركز المغربي لحقوق الإنسان، اعتبر في تصريح لهسبريس أن “واقعة دوار الزنيبيل في بلفاع تحمل جميع أركان جريمة البشعة، فالاحتمال الوارد والمرجح جدا في تعريض الضحية لاعتداء جنسي أبشع ما يكون، قبل أن يتم التخلص منه ومحاولة محو آثار الجريمة بمرميه في قعر بئر مهجورة”.

“فالفاعل يمكن، كما يشاع، أن يعاني من اضطرابات نفسية، وهو ما ستؤكده الخبرة الطبية، لكن أثير بشكل لافت انتباه السلطات إلى خطورة ظاهرة انتشار الأشخاص الذين يعانون من أمراض عقلية بالمنطقة، وغالبيتهم معنفين ويشكلون خطورة على أبنائنا وبناتنا، سواء بإمكانية الاعتداء الجسدي أو الجنسي، وهنا أناشد السلطات بالتصدي الحازم لهذه الظاهرة، قبل أن نسمع عن مثل هذه الوقائع الأليمة”، يورد الفاعل الحقوقي.

وتابع بنسيهمو “لا يسعنا إلا أن نعبر عن أسفنا لمقتل الطفل أيوب بتلك الطريقة المفجعة، ونتضامن مع أسرته في هذا المصاب، كما أود أن أوجه نداء إلى الأسر بالمنطقة حول ضرورة الانتباه إلى أبنائها ومراقبتهم، فاختفاء الأطفال والقاصرين بدأت تطفو بشكل كبير على السطح في هذه المناطق، وذلك بعد التغيرير بهم واستدراجهم أو هناك من يتحدث عن قضايا الشعوذة أو ما يسمى التنقيب عن الكنوز، فمهما كانت الأسباب، فطفولتنا في خطر”.

hespress.com