شهدت علاقات أغلب الدول الإفريقية بالصين تقلبات واضحة، خلال العام الماضي؛ ففي بداية العام، كان قادة القارة الإفريقية مشغولين بكيفية إعادة مواطنيهم من الدارسين ورجال الأعمال المقيمين في الصين إلى بلادهم، بعد تفشي فيروس كورونا المستجد في مدينة ووهان الصينية.

وبعد ذلك بأسابيع قليلة، تعرض الكثير من الأفارقة الموجودين في إقليم جوانجشو وغيره من مناطق الصين لمضايقات عنصرية؛ مما سبب مشكلات دبلوماسية كبيرة، لكن سرعان ما اتجه تركيز السلطات الإفريقية نحو منع وصول فيروس “كورونا” إلى بلادها. وبالفعل، استفادت أغلب دول القارة الإفريقية من ضعف علاقاتها التجارية والسياحية مع العالم في الحد من فرص تعرضها للجائحة، إلى جانب إغلاق حدودها؛ مما جعل القارة أقل مناطق العالم تضررا من الجائحة، حيث كان نصيبها أقل من 5 في المائة من إجمالي الإصابات وأقل من 4 في المائة من الوفيات على مستوى العالم.

وتقول هانا رايدر، الباحثة غير المقيمة في برنامج إفريقيا بمركز الدراسات الإستراتيجية والدولية بواشنطن والرئيسة التنفيذية لشركة ديفيلوبمينت ري إماجايند الاستشارية للتنمية الدولية التي تتخذ من بكين مقرا لها، في تحليل نشره موقع المركز، إن تراجع حركة التجارة مع الصين بسبب الجائحة خلال العام الماضي أدى إلى نقص شديد في العديد من السلع وارتفاع الأسعار في إفريقيا؛ في حين تعثر العمل في العديد من المشروعات في الدول الإفريقية نتيجة رحيل العمال الصينيين عن هذه المشروعات، بسبب المخاوف من الجائحة.

وعلى الرغم من تلك الوضعية، فإن العلاقات الإفريقية الصينية سرعان ما تعافت بفضل المساعدات الكبيرة التي قدمتها حكومة الصين والعديد من الشركات الكبرى الخاصة، مثل مجموعة علي بابا للنجارة الإلكترونية، إلى الدول الإفريقية في مواجهة الجائحة، سواء في صورة معدات طبية، أو مستلزمات الوقاية. كما انضمت الصين إلى مبادرة كوفاكس الدولية لتوفير اللقاحات للدول الفقيرة، وإلى مبادرة مجموعة العشرين لتخفيف أعباء الديون على الدول الفقيرة؛ ومنها الإفريقية بالطبع.

وتشير هانا رايدر إلى أن العديد من المراقبين يحذرون، في ظل هذه التقلبات التي شهدتها العلاقات الصينية الإفريقية، من التطورات الإفريقية الصينية المحتملة التي قد تظهر خلال 2021. ويشير هؤلاء المراقبون إلى تراجع وتيرة القروض الصينية لإفريقيا في 2019 مع احتمال استمرار هذا التراجع؛ في حين أن القروض الصينية هي أحد أبرز أشكال التعاون بين الجانبين. كما يحذر المراقبون من انخفاض جودة المعدات الطبية واللقاحات التي تقدمها الصين للدول الإفريقية، إلى جانب إمكانية استخدام الصين لعلاقاتها مع إفريقيا كأحد البيادق في مباراة الشطرنج الكبرى التي تخوضها مع الولايات المتحدة.

وتقول الباحثة غير المقيمة في برنامج إفريقيا بمركز الدراسات الإستراتيجية والدولية بواشنطن إنه على الرغم من التقلبات ونقاط الضعف التي تحيط بالعلاقات الصينية الإفريقية، فإنها لا تتوقع تراجع هذه العلاقات خلال العام الحالي؛ بل إنها تتوقع تناميها، واستفادة إفريقيا منها.

وتتطرق رايدر إلى سياسة “التداول المزدوج” التي تتبناها الصين وما إذا كانت مفيدة للدول الإفريقية خلال العام الحالي، وتقول إن الصين بعد جائحة “كورونا” تتبنى إستراتيجية محلية ستكون لها تأثيرات كبيرة على تجارتها مع إفريقيا، من خلال سياسة “التداول المزدوج” وتعني زيادة الاعتماد على الاستهلاك المحلي كمحرك للنمو إلى جانب التركيز على تصنيع الأجهزة المتطورة والتكنولوجيا والخدمات المرتبطة بها والتخلي عن الصناعات منخفضة القيمة المضافة، إلى جانب تنويع مصادر وارداتها؛ وهي كلها عوامل يمكن أن تستفيد منها الدول الإفريقية، بشرط أن تطور الأخيرة إمكانياتها حتى تحقق هذه الفائدة.

وترى الرئيسة التنفيذية لشركة ديفيلوبمينت ري إماجايند الاستشارية للتنمية الدولية التي يوجد مقرها في الصين أنه على الرغم من ذلك فإن الاستفادة من التحولات الصينية لا تتوقف فقط على قدرات الدول الإفريقية وإنما تحتاج إلى خطوات صينية لتسهيل دخول الشركات والسلع الإفريقية إلى السوق الصينية التي يعتبر الدخول إليها أمرا صعبا بشكل عام؛ وهو ما لا يتوقع حدوثه بالطبع خلال العام الحالي.

وتدعو رايدر الدول الإفريقية إلى العمل بجد والاستفادة من اتفاقية التجارة الحرة الإفريقية لضمان ألا تجد نفسها معتمدة على السوق الصينية فقط في تسويق منتجاتها الصناعية، كما تعتمد على الدول المتقدمة فقط في تسويق المواد الخام والمنتجات الزراعية حاليا.

وحثت الخبيرة الاقتصادية ذات الجنسية الكينية حكومات إفريقيا على إلزام الشركات الصينية وغيرها من الشركات الكبرى الأجنبية على التعاون والدخول في شراكات مع الشركات المحلية الناشئة، وبخاصة في مجالات التجارة الإلكترونية وتطبيقات الأجهزة الذكية، حتى تساهم هذه الشركات المحلية في تعزيز الإمكانيات التجارية لدولها؛ على الصعيد الدولي بشكل عام، وعلى صعيد التعامل مع السوق الصينية بشكل خاص.

وعن احتمالات تراجع القروض الصينية لإفريقيا خلال العام الحالي، تقول رايدر إن هناك الكثير من التكهنات بشأن تراجع الإقراض الصيني للخارج وبخاصة للدول الإفريقية، على أساس إدراك الصين أخيرا للصعوبات التي تواجهها القروض لإفريقيا؛ ومنها ارتفاع معدل المخاطر التي تواجهها المشروعات الممولة بهذه القروض في القارة السمراء مقارنة بمعدل المخاطر العالمي. ولكن هذه وجهة نظر ذاتية تتبناها بعض الدول وبعض المستثمرين، وهناك وجهات نظر أخرى ممكنة.

وترى الباحثة غير المقيمة في برنامج إفريقيا بمركز الدراسات الإستراتيجية والدولية بواشنطن أن التعامل الحاسم مع جائحة “كورونا” أظهر قدرة الدول الإفريقية على النجاح. كما أن فكرة تراجع الإقراض الصيني لإفريقيا لم تخضع لاختبار حقيقي في ضوء الدوافع الداخلية التي تدفع الصين إلى الإقراض وتدفع الدول الإفريقية إلى الاقتراض.

وأخيرا، تشير رايدر إلى أنه إذا نجحت الدول الإفريقية في تشجيع مؤسسات التمويل الصينية على مواصلة إمدادها بالقروض في ظل الحديث عن “أزمة الديون” فإن العلاقات الصينية الإفريقية ستواصل التقدم خلال العام الحالي.

hespress.com