اقتحمت “كارولين” القاعة التي سينعقد فيها الاجتماع العادي للجنة العناية.

“مساء الخير”!

حيت زملاءها وارتشقت الجرعة الأولى من كأس الشاي الذي كان أمامها، ثم قالت:

“أرجو إضافة نقطة لجدول الاجتماع إذا كان ممكنا. لدي الجديد حول وضعية بيدرو”.

كانت “كارولين”، المساعدة الاجتماعية، قد زارت والدة “بيدرو” هذا المساء في بيتها. أو بالأحرى في غرفتها الصغيرة التي تقتسمها مع مجموعة من النسوة. نساء جِئن من مختلف بقاع الدنيا اقتادتهن الأقدار إلى العيش في هذا المكان. يزداد أو ينقص عددهن في البيت حسب الظروف. العامل الوحيد الذي يجمع بينهن هو الإقامة غير الشرعية والبحث عن لقمة العيش.

لجنة العناية هاته التي تجتمع مرة كل شهر تقريبا، تضم بالإضافة إلى مدير المدرسة والمنسق الداخلي للمؤسسة والمدرس المعني بالأمر، موظفين مختصين. من بينهم المساعدة الاجتماعية، موظف التعليم الإجباري، والمختص التربوي. في بعض الحالات يتم استدعاء بعض الاختصاصيين من مؤسسات أخرى.

دور هذه اللجنة هو تتبع الأطفال الذين هم في حاجة ماسة إلى مساعدة اجتماعية أو تربوية وتقديم يد العون لهم حتى يتابعوا دراستهم بشكل عاد كباقي زملائهم في القسم. هذا الطاقم المتعدد الاختصاصات يحاول كل من جهته البحث عن الحلول المناسبة لكل طفل.

“الوضعية التي يعيشها “بيدرو” وضعية صعبة”، تقول “كارولين”.

عُرفت هذه الأخيرة بارتباطها الكبير بمشاكل الأسر المتحدرة من البلدان خارج القارة الأوروبية. وأضحت بتجربتها الكبيرة في هذا الميدان السيدة الخبيرة بامتياز. ليس على صعيد المدرسة فقط، بل حتى زملاؤها من أماكن مختلفة يقصدونها للاستشارة والاستعانة بخبرتها.

بعد رحلة طويلة قطعها “بيدرو” صحبة أمه، فرارا من عنف أبيه المستمر وحياة الفقر المدقع التي كان يعيشها في إحدى الأحياء بالعاصمة البرازيلية، انتقل في بداية الأمر للعيش في إسبانيا بدعوة من خالته المقيمة هناك. لكن بعد أسبوعين تبين لهما استحالة العيش رفقة الخالة وأبنائها الأربعة في مسكن صغير ضواحي مدريد.

وبإيعاز من إحدى الصديقات تابعت أم “بيدرو” وابنها مغامرتهما في اتجاه هولاندا.

“ما هي المساعدة التي يمكن للمدرسة أن تقدمها لـ “بيدرو”؟”

هكذا بادرت “كارولين” بالسؤال في تدخلها حول وضعية “بيدرو”.

ظروف الإقامة غير الشرعية حتمت على أم “بيدرو” قبول أي عمل يمكن أن تتقاضى منه أجرا ولو كان أجرا زهيدا. لأن وضعيتها لا تسمح لها بالاستفادة من مجموعة من المساعدات التي تقدمها البلدية والدولة بالنسبة لذوي الدخل الضعيف والعاطلين عن العمل. ناهيك عن الأجر المرتفع الذي تدفعه كل شهر مقابل “مأوى” يفتقر لأبسط معايير السكن.

“لا يمكن لـ “بيدرو” أن يعيش كل أوقاته وسط جو مشحون وفي رقعة ضيقة لا تسمح له بالتحرك أو أخذ قسط من الراحة. بالإضافة إلى هذا، يقضي “بيدرو” جل أوقاته – وهو الطفل الوحيد- بين مجموعة من النساء قهرهن الزمن”. تضيف “كارولين”.

بعد نقاش بين الأطراف الحاضرة، تبين أن أوقات فراغ “بيدرو” لا تستغل كباقي زملائه في المدرسة. فحين تنقضي مدة الدراسة على الساعة التانية والنصف زوالا، تضطر أمه لاستقباله ثم تصطحبه معها لإتمام عملها.

في بعض الأحيان تتكلف إحدى السيدات اللواتي يقطن معه لاستقباله ومرافقته للبيت. يظل هناك لوحده يقتل الوقت إلى غاية قدوم أمه، التي تتنقل بين المقاهي والمطاعم للقيام بتنظيفها. وغالبا ما يكون قدومها جد متأخر، مما ينعكس سلبيا على حياته.

كيفما كانت الأحوال، يظل “بيدرو” محروما من استغلال أوقات فراغه كطفل يناهز الست سنوات. ما عدا يوم الخميس، حيث يشارك مع مجموعة من زملائه في الأنشطة الموازية التي تنظمها المدرسة. ولو أنها مدة قصيرة، لكنها بالنسبة إلى “بيدرو” فرصة ثمينة يرفه فيها عن نفسه، يلتقي فيها بأصدقاء جدد، يلعب فيها ويمرح كأي طفل في مثل سنه.

حالة “بيدرو” هذه هي واحدة من الحالات المتعددة التي تعيشها مجموعة كبيرة من الأطفال لا ذنب لهم في الوضع الذي نشؤوا فيه، وغالبا لا حول ولا قوة لهم في تغييره إلا إذا مُدت لهم يد المساعدة.

بدأت الاقتراحات تتوالى لإيجاد حل لوضعية “بيدرو”:

بإمكانه الاستفادة ثلاث مرات في الأسبوع من الأنشطة الموازية بدل مرة واحدة كما هو معمول به في القانون الداخلي. وهكذا تمنح الفرصة لـ “بيدرو” لملء وقت فراغه أحسن من ما مضى. كما تعطى الفرصة لأمه أيضا للاشتغال أكثر.

إعفاء “بيدرو” من تأدية المساعدة المادية التي تخصص لتغطية مصاريف الحفلات والرحلات.

مساعدة “بيدرو” في تحسين مستواه اللغوي.

شيء رائع وأنت ترى هذه الأطر تلتقي لتبحث عن حلول لمساعدة “بيدرو” وأمثاله. شيء جميل أيضا أن يتم هذا في مؤسسة تعليمية. لأن المدرسة ليست مصنعا تقصده أفواج التلاميذ كل يوم للتعلم وتغادره بعد انتهاء الحصة الدراسية فقط. إن المدرسة أكبر من ذلك. إنها مجتمع مصغر يجب أن تمنح فيه الفرصة للجميع وأن يساعد فيه القوي صديقه الضعيف.

أخذت “كارولين” موافقة أم “بيدرو” على اقتراحها الأخير قبل مجيئها إلى اللقاء.

لقد قام بعض آباء وأمهات القسم الذي يوجد فيه “بيدرو” بوضع برنامج خاص لهذا الأخير. كل يوم تتكفل به أسرة. يرافقها إلى البيت، يشاركها الطعام ويقوم بنفس الأنشطة التي يقوم بها ابن الأسرة في ذلك اليوم. وفي المساء يعود إلى أمه.

هذا البرنامج يسري به العمل أيضا في أيام العطل ونهاية الأسبوع بتشاور مع أمه.

وهكذا أتيحت الفرصة لـ “بيدرو” للاستفادة أكثر من أوقات فراغه وتحسين رصيده اللغوي بشكل كبير. لقد زار أغلب متاحف المدينة، شاهد مجموعة من الحيوانات عن قرب في حديقة الحيوانات وأصبح عضوا في نادي الجيدو والرسم.

“بقي أن نجد حلا للوضعية غير الشرعية التي تعيشها الأم. لي أمل كبير في إحدى المؤسسات التي تساعد في هذا المجال”.

بهذه العبارة ختمت “كارولين” حديثها حول هذا الموضوع.

hespress.com