بدعوة من مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا للدراسات الاستراتيجية (نيسا)، التابع لوزارة الدفاع الأمريكية، ألقى الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي رئيس هيئة علماء المسلمين، محاضرة تتحدث عن قدرة المنظمات العنيفة على التكيف والرسائل الموجهة.

وفي هذا الصدد، ألقى العيسى الضوء على تقييم عواقب التطرف العنيف حول العالم، وتحليل دور المجتمعات الوطنية بكافة فعالياتها في التعامل مع اتجاهات التطرف العنيف، مستعرضا تجربة رابطة العالم الإسلامي في مكافحة التطرف العنيف، وتحديدا المبادرات المقدمة منها في هذا الجانب، وخاصة مخرجات المؤتمر الذي نظمته الرابطة واستضافه مقر الأمم المتحدة بجنيف في فبراير 2020م بحضور عدد من الشخصيات القيادية حول العالم الدينية والفكرية والبرلمانية والحكومية وعدد من الأكاديميين المتخصصين.

كما تطرق المتحدث في محاضرته إلى أهمية فهم طبيعة التطرف، مبيناً أنه بشكل عام “هو حالة خارجة عن حد الاعتدال”، مشيرا إلى أن المصطلحات تختلف في فهمها؛ فالتطرف في السياق الإسلامي غالبا ما ينصرف إلى تبني أفكار حادة تمارس العنف أو الإرهاب أو تحرض عليه أو تنشئ محاضن فكرية لعناصر العنف أو الإرهاب، و”غالبا ما يُفهم مصطلح التطرف خارج السياق الإسلامي، وتحديدا في الغرب، على أنه يمثل رأيا ينحى نحو أقصى اليمين وقد يُمَثّل رأيا حادا لا أكثر”.

وركز العيسى على أن التطرف أخذ فترة طويلة وهو يُروّج لأيديولوجيته حول العالم، دون أن تكون هناك مواجهة علمية وفكرية قوية، مؤكدا أن التطرف لم يقم على كيان سياسي مجرد ولا على قوة عسكرية، وإنما على أيديولوجية استطاعت الترويج لنفسها وتمرير أفكارها في ظل غياب المواجهة العلمية والفكرية اللازمة، موضحا أن التطرف الإرهابي لم يعد بحاجة إلى شيء أكثر من توظيفه لتقنية العالم الافتراضي الذي استطاع من خلاله اختراق الحدود وإيصال كافة رسائله إلى أي مكان بكل سهولة.

وأوضح أن أيديولوجية الإسلام السياسي “المخادعة ببراقتها السلبية، تُعتبر أخطر أشكال التطرف، وهي التي صدَّرت الشباب العنيف للمنظمات الإرهابية، وتحديدا القاعدة وداعش”.

وزاد قائلا: “إن هذا ليس قولي أنا وحدي، بل هو قول قادة تلك الأيديولوجية؛ فهم يعترفون علناً بأن أيمن الظواهري وأبو مصعب الزرقاوي على سبيل المثال، نشؤوا في محضن جماعة الإخوان، ولكن تلك الجماعة بمناوراتها المعروفة تَدَّعِي بأنهم خرجوا عن أفكارها، ولكن يُكَذِّب هذه المناورة أن عدداً من عمليات الاغتيال كانوا ضالعين فيها، كما يُكذب ذلك كتب منظريهم الكبار مثل سيد قطب وغيره التي لا يمكن أن ينكروها أو يتبرؤوا منها، وهذه تحديداً تكشف حقيقة تلك المناورة، علاوة على أعمال خطرة وقعوا فيها”.

وبيَّن أن هذه الجماعة تختزل المفهوم العام والشامل للإسلام في أهداف سياسية فقط، “بينما الإسلام جاء برسالة منصبة على أمرين: العقائد والتشريعات، ولم يتطرق مطلقاً إلى شكل الحُكم، وجعل هذا للناس فيما يرونه أنسب لهم وفق معايير المصلحة العامة وقيم العدالة المرتكزة على الهوية الدستورية”.

وعن تقييم عواقب التطرف العنيف والإرهابي حول العالم، قال العيسى إن الحرب عليه “لا بد أن تعتمد أكثر على هزيمته فكريا، ومهما تمت مواجهته عسكريا وتحققت انتصارات ضده، فإن الأيديولوجية باقية، ومن المواجهات العسكرية الناجحة جداً ما قام به التحالف الدولي ضد داعش بمشاركة 83 دولة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية”.

وأكد في صُلب حديثه أن المملكة العربية السعودية تُعتبر اليوم منصة عالمية مُلهمِة في ترسيخ قيم الاعتدال الديني، وأنه خلال السنوات الخمس الماضية، التي بدأت تحديداً بعد إنشاء التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب في ديسمبر لعام 2015م، “أصبح هناك نقطة تحول دولية كبيرة في مواجهة الإرهاب، وتحديداً في الداخل الإسلامي”.

وتبع ذلك إنشاء عدد من المنصات العالمية لمواجهة أفكار الأيديولوجية المتطرفة، فمع مركز اعتدال العالمي، هناك مركز الحرب الفكرية الذي يعمل على تفكيك تفاصيل الأيديولوجية المتطرفة.

كما أوضح الدكتور العيسى أن اتفاق المفتين وكبار علماء العالم في مؤتمر وثيقة مكة المكرمة بقيادة رابطة العالم الإسلامي في مايو 2019م، “يُعتبر خطوة قوية في مواجهة تلك الأفكار، حيث توافق أكثر من 1200 مفت وعالم من 139 دولة في لقاء تاريخي غير مسبوق وبحضور كافة أتباع المذاهب والطوائف الإسلامية بدون استثناء (27) مذهباً وطائفة، (حيث توافقوا) على إصدار تلك الوثيقة التي تمثل خارطة طريق للفكر الإسلامي المستنير، هذا العمل المجمعي التاريخي المهم يُعتبر من الضربات القوية التي مُني بها التطرف”.

وفي الشطر الثاني من وقت المحاضرة، أجاب العيسى على أسئلة الحضور التي تطرقت لعدد من الموضوعات المهمة ذات الصلة.

hespress.com