تـوطـئـة:
لقد قدمنا قراءة للإصدار الأول المعنون بـ: فقه التعامل مع كورونا؛ ومما تضمنته تلكم القراءة التقنية والشكلية ذات العنوان: -الجهود الجماعية للعلماء في زمن وباء كورونا وأثرها في تنوير الرأي العام.. كتاب الرسوخ أنموذجا-.
أشرنا فيه إلى إشارات خفيفة وطفيفة لطيفة عن بعض الجوانب الموضوعية للمادة العلمية مفاهيميا وإجرائيا، واليوم موعد القارئ الكريم مع قراءة الإصدار الثاني ذي العنوان: فتاوى تتصدى لوباء كورونا؛ الموسومة بالعنوان أعلاه مع استغناء هذه الأخير عن كثرة الرد للجوانب التقنية والشكلية والإخبارية مما ذكر في المقالة القرائية الأولى؛ مخافة السآمة والتكرار.
أولا: فصل الكتاب لما بين الكلام والقول حول كورونا.. خطاب الإصدار
يعبر الإصدار؛ قيد المختبر النقدي أخا شقيقا للإصدار الأول، الجامع بينهما المناسبة؛ والمناسبة شرط، ذلك الشرط هو الذي انبرى لشروطه هذا العمل
-2- في جمعه “أبحاثا وآراء فقهية تبصر الناس بالصواب في الاعتقاد والعمل بخصوص حياتهم اليومية في ظل الحجر الصحي”.
هذا العمل؛ الفكري العلمي التنويري من [المنتقى] بمثابة “إسهام في قطع الطريق على كل من يشوش على فهم الناس للدين الصحيح”.
إن عملا كهذا الذي امتزج فيه الرسمي والمدني كما الأول؛ يحمل على نفسه أمانة التبليغ من وجهة دينية رسمية وأمانة التنوير من وجهة مدنية؛ كيف ذلك؟
العمل الأول والثاني موضوع التجربة القراءة الأولى وهذه الثانية؛ يتأكد فيه لنا توجه الخطاب نحو أداء الدور الوطني والوظيفي له في إسهام منه للتصدي للجائحة: جائحة كورونا وجائحة الخطاب الجانح الذي يروج له “بعض المبتلين بالكلام في الدين؛ الذين؛ كانت لهم أقوال نشاز، تزعمها دعاة متشددون، تميزت بالتسرع ومخالفتها لمقاصد الدين، وإظهار الشماتة بالمخالف، ومجانبتها للواقع، مما فضح بُعد المتصدرين عن العلم وعدم أهليتهم للفتوى”.
إن منطق المبتلين بالكلام في الدين قبل وخلال زمن كورونا، يقول بالتشهي للتشفي؛ ذلك أن أمر هذا الوباء عقاب وعذاب ومثلات من الله، وليس قدرا من الله كتب في الأزل؛ والقدر كما نعلم في العقيدة والإيمان ينزل بالخير كما قد ينزل بالشر؛ قال الله عز وجل: ونبلوكم بالشر والخير فتنة. والقدر في السراء والضراء وفي كلتي الحالتين للمؤمن فيهما خير؛ ونص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم “عجبا لأمر المؤمن ……. الحديث؛ واضح المعنى وفصيح المبنى ومُدْرَك المغزى.
إن الكلام في الدين للعامة؛ فيما القول فيه لخاصة الخاصة فالمتكلمون في الدين ينتحلون العلم والوقائع انتحالا، عكس العلماء المنتخلين له انتخالا؛ فهم العدول” ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين”.
إن الخطاب الديني الذي يدافع عنه الكتاب لا يعبر عن الخطاب الديني الرسمي؛ ولكنه في الآن ذاته لا يخالفه؛ بل يثمنه من خلال:
التوجه الذي سلكه؛ إذ وجدت أن الخطاب الديني المضمن في العمل الأول وهذا الثاني يتفق تماما مع الخطاب الديني الرسمي في كثير من القضايا؛ في الرؤية والهدف والمعجم.
يمكن الرجوع للمقال القرائي الأول؛ وتتأكد هذه الفرضية بمؤكد أقوى، فـ”المنتقى” عبر تصريحا لا تلميحا عن ذلك حيث “أوضحت مؤسسة العلماء بالمغرب من جديد قدرتها على مرافقة المواطنين في تعايشهم مع جائحة فيروس كورونا المستجِد (كوفيد19)، فأصدرت ثلاث فتاوى صدرنا بها أعمال هذا العدد”.
وقد كان أولى الأعمال التي نشرناها؛ في إطار مواكبتنا لعمل المؤسسة العلمية والدينية ببلادنا؛ تفاعلا مع وباء كورونا المستجِد، تحت عنوان: “قوة المؤسسة العلمية: خطاب الظرفية”.
وخطاب الظرفية هذا؛ ما زال يرافق المواطنين أداء لأمانة التبليغ؛ وهو التزام وطني وديني من “المشيخة العلمية في باب تحصيل المعلومة الصحيحة [التي] لا غنى عنها، ويتأكد وجودها ووجوبها عندما يتعلق الأمر بالدين الذي لا يؤخذ إلا من أهله الضابطين لأصوله ومسائله، مع الخشية والورع والتقوى، وهم العلماء “كما قال فضيلة الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى محمد يسف؛ أثناء تصديره لكتاب: سبيل العلماء.2016
فالمغاربة مرتبطون بمؤسسة العلماء وهي المرجع في فصل كثير مما أبهم أو أشكل عليهم أمره؛ وفي فترة كورونا واكبت المؤسسة العلمية المواطنين بفتاوى ترفع عنهم العنت الديني والحرج في الأداء في زمن الداء وفي التاريخ شواهد من ذلك، “والواقع أن الأمة قد اعتبرت علماءها عبر التاريخ مرجعا في الدين، واعتبر العلماء أنفسَهم موقعين عن رب العالمين، واستجَدت في عصرنا هذا أمور كثيرة في التدبير المتعلق بالسياسة والمعيشة والثقافة والتساكن”، معالي وزير الأوقاف والشؤون الإسلامي، أحمد التوفيق؛ درس حسني 1438/2017 “دور علماء المغرب في حماية الهوية الوطنية”.
ثانيا: أطروحة الأمن الفكري والديني.. مقاربة الرؤى
الكتاب وفيٌّ لخطه الناظم؛ إدماج القدرات: قدرات العلماء والمفكرين لكونهم مواطنين من مستوى عالي الثقافة والإدراك؛ وهي -القدرات- ما أسميتها في المقال القرائي السابق؛ الانتلجونسيا الدينية العلمية الفقهية والثقافية والفكرية التي يجمعها “تصديهم لكل ما يمكن أن يكون مصدر إزعاج لأمن المواطنين وسلامتهم “والأمن والسلامة هنا على شقين:
الشق الأول: الأمن الديني أو الأمن الروحي المحمي ببلادنا؛ مؤسساتيا ودستوريا وتشريعيا ومدنيا، والذي استُأمنت عليه المؤسسة العلمية والدينية بتفويض من مؤسسة إمارة المؤمنين؛ وهو روح إصلاح الحقل الديني ببلادنا؛ أما السلامة فهي الارتباط بالله عقديا عمليا وتعبديا مع سلامة تلكم الأعمال؛ العقدية والتعبدية من كل شائبة تشوبها وتفسدها ثم تبطلها ويعرف ذلكم -سلامة العمل الديني- بالتوجيه الديني السليم الذي يحمله العدول من هذه الأمة ويساعدهم في تبليغه المأذونون ممن في حكمهم.
الشق الثاني: الأمن الفكري أو المناعة الفكرية للتصدي للخرافة والتأويل السيئ للقضاء والقدر، فيما السلامة فهي الوقاية من تبعات تلكم التأويلات الباطلة؛ والأمنان معا: الأمن الروحي والأمن الفكري؛ ضمن الأمن الهام المؤثر في الشأن العام.
عهد الناس زمنا طويلا سماع؛ الأمن الغذائي والأمن الاقتصادي والأمن الاجتماعي والأمن الصحي، فيما اليوم أصبح الأمن الديني والفكري؛ المدخل لهذا الأمن العام والقاطرة التي تجر القطار نحو الوصول للهدف المنشود -السلامة الدينية والفكرية المنتجة للسلامة الاجتماعية- في مراحل وفصول؛ ويبقى الأمن الروحي والفكري أو الأمن المعنوي تلكم الحصانة الحصيفة: حصانة العقول لحماية العقود والمواثيق؛ حصانة العمل بما جاء به النقل من توجيهات؛ على العلماء تبليغها وعلى المفكرين تثمينها بأي السبل الممكنة والمشروعة، وهذا العمل -قيد التجربة النقدية- واحد منها وعلى الجميع الامتثال لها.
ثالثا: مجال استمداد أحكام كورونا في الكتاب.. مرجعيات الخطاب
الإعلام واحد والخطاب متعدد؛ وتتعدد مرجعياته وإن وحده السياق والموضوع كيف ذلك؟
لعل الطابع الشمولي الذي ينطبع به هذا العمل؛ قيد التساؤل بما يؤلف بين مضامينه؛ ذلك الخطاب الوقائي: خطاب التصدي؛ في زمن التعدي بهدف رفع التحدي والأمر-حقا- كذلك.
إن الحديث عن استمداد مقالات الكتاب خطابها حصرناه في ما بدا لتا في:
1- علم أصول الفقه؛ باب المقاصد والمصالح المرسلة؛ والشريعة شريعة المقاصد والمصالح، وهي مرجع الفتاوى الثلاثة للمجلس العلمي الأعلى التي حواها الكتاب وصدر بها خطابَه في ما أشرنا إليه في مقطع سابق.
2- فقه الأحكام والمعاملات؛ باب الأحكام، أحكام الإشاعات والكذب في الشريعة مع إيراد النصوص الموضوعاتية لتبيين كذب المفتري -صانعي وناقلي الإشاعة- وتوجيهه الوجهة السديدة؛ لتجنب الخوض في ما لا قبل للناس به مع ما يشير إليه مقال آخر بذات العمل بلمسة وعظية إرشادية تبليغية وتوجيهية بمنهجية أكاديمية.
3- علم الاجتماع؛ حيث نجد حضور مفاهيم من قبيل: فن التعايش أو مفهوم التعايش والتعاون واستحضار المشترك الآدمي بين الإنسان فضلا عن الانتماء الديني والعقدي والإثني والعرفي والتقليدي؛ فقد تختلف الشعائر الدينية بين عمار الأرض، فيما الشعائر الاجتماعية موحدة إلى حد بعيد؛ اللهم ما اختص به وطن دون آخر، ويدخل في دائرة الخصائص، فالمغاربة لهم خصائص اجتماعية روحها التدين السمح وعمقها الاعتقاد الصحيح وجوهرها الإيمان الراسخ؛ من أجل التعبد لأن العمل الاجتماعي يترتب عليه الثواب…
4- أصول الدين والاعتقاد؛ العلم والدين والاعتقاد ملتقى تقاطعات وستقف -أيها القارئ الكريم- على بعض التوضيحات في المحور الموالي عن هذا الموضوع المرجعي في الخطاب بالكتاب؛ حيث سنُفرد هذه النقطة بدراسة وتحليل ونقاش وهي المسماة: “المقالة العلمية”.
5- علم التاريخ؛ ربط السابق باللاحق؛ أو وصلة وصل حول موضوع “الوباء” في تاريخ المغرب مع اختلاف في أسلوب المواجهة لما ظهر بالواجهة؛ لكون المغرب عرف عبر التتالي الزمني تطورا وتحديثا وعصرنة على مراحل من العمر الزمن للدولة المغربية؛ نعم وعلى لغة المقالة التاريخية تلك: ما أشبه اليوم بالبارحة، في عرض علمي مؤصل وبمنهج مفصل لـ [كرونولوجيا] الأوبة بالمغرب.
تــعــلــيــق: إن الفيروس التاجي؛ الجائحة الجانحة وللخلق مانعة من الخروج غير المنضبط؛ لكنها مانحة من غير علمها بذلك ومنَحها على البلاد والعباد كثيرة لو ألفت فيها مجلدات لتركت ولبقي في نفس المدونين شيء من حتى. مغرب اليوم؛ عرف تطورا منظوماتيا وبنيويا ولعله قوة الدولة؛ والدولة تتقوى بمؤسساتها وتشريعاتها وسياساتها واقتصاداتها وهيئاتها المدنية -المجتمع المدني-؛ وسيادتها التي ترعاها قيادتها الدستورية: القيادة الدينية والسياسية بمنطوق الفصلين: الواحد والأربعين والثاني والأربعين من دستور المملكة 2011.
منعرج: وكون المناسبة شرط؛ العمل خصص نافذة ليطل على شهر رمضان بوصايا وإرشادات مع دعوة المقالة الموضوعاتية هذه؛ إلى خلق موازنة واعية بين ظرفية المناسبة الدينية ولزوم الامتثال لإجراءات السلامة حفظا لإحدى الضرورات الخمس؛ وهي الصحة، فحفظ الأبدان أولى من حفظ الأديان وما أجمل الحديث إذا اجتمعا.
رابعا: المقالة العلمية النموذجية.. تحليل ونقاش
موضوع المقالة النموذجية بالكتاب المعروضة للتحليل والنقاش (تعاضد العلم والدين في مواجهة كورونا) للباحث عبد القادر بيطار والتي يجيب فيها عن “سؤال الدين ودورِه فيما يحدث ويجري على صعيد كوكب الأرض” وهو السؤال الذي يلازم التفاعلات الطارئة من حين لآخر ويتأكد الفعل اليوم: لمواجهة سريان فيروس كورونا العجيب، الذي حير العلماء والخبراء، والعاكفين في المختبرات، وأرباب العقول، وأتباع الديانات”.
يرد هذا السؤال؛ صريحا على لسان الباحث “ماذا يقدم الدين، من أجل إسعاف بني الإنسان وحمايتهم من جميع الآفات والجائحات والأزمات؟”.
للإجابة عن هذا السؤال المحوري في (المقالة العلمية) هذه؛ نجد الباحث يعقد ميثاقا بينه وبين القراء المفترضين بناء على منهجية صارمة موردا القول “والذي يعنينا في هذه المقالة العلمية، هو الوقوف على دور الإسلام فيما يقع للبشرية اليوم، في صراعها مع عالم الأوبة، وكيف يمكن أن يعضد الدين العلم للحفاظ على استمرار النوع الإنساني، ولا سيما علم الطب الذي تشتد الحاجة إليه أكثر لمواجهة خطر الأوبة التي تهدد وجود الإنسان”.
وحيث تشتد الحاجة إلى الطب، لارتباطه بروح وصحة وجسم وعقل الإنسان؛ فإن مراكز الإفتاء وهيئات الفتوى الرسمية بحاجة إلى علماء الطب والأطباء للاستعانة بهم في إصدار تلكم الفتاوى التي يترك الأمر فيها لأهل الاختصاص من الراسخين في العلم؛ ليعقب الدين والشريعة من شرفة المصلحة المرسلة على لسان حاملي ميراث النبوة الشرعي، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان مفتيا ورئيس دولة والوحي ينزل عليه؛ يرد في تلكم الفتاوى التي توقعها الخواتم الرسمية؛ بمثل هذه العبارة الجميلة: وبناء على ما قال به الأطباء… فإننا نقرر ما يلي أو فإننا لا نرى مانعا، وغير ذلك من العبارات المفيدة؛ المنحَ أو المنعَ أو الجوازَ من عدمه.
وفي نقطة فريدة من هذه المقالة العلمية وتحت عنوان: (أخلاقيات العلم في ميزان الدين)؛ أورد الباحث إشارات وتنبيهات يتعاضد فيها العلم والدين:
الأولى: “الدين يسمو بالإنسان… من جميع النواحي الجسدية والنفسية والاجتماعية والبيئية.
الثانية: “الدين واضع للقواعد الأخلاقية التي يسير عليها الطبيب والعالم”؛ من ذلك مثلا: الضرورة تقدر بقدرها؛ يلتقي الطبيب إذن والعالم في إطار التكامل الوظيفي حضوريا في التفاعل مع المجتمع وخصوصا في إصدار الفتاوى.
الثالثة: الدين في حد ذاته؛ يساعد كثيرا على العلاج.
الرابعة: وباء كورونا ليس انتقاما إلهيا كما يتصور البعض -وقد انطلق من ذلك من تلبست لسانه شبهة الفتوى؛ وهو القول النشاز- فالله رحيم بعباده؛ وقد أقررنا -في ما نشرناه- أن أمر كورونا قدر محتوم؛ وهو مرجع الفتوى الرسمية للتدين السمح الوسطي المعتدل.
الخامسة: الحق في الحياة مقصد شرعي نبيل.
السادسة: الدين لا يحل محل الطب؛ فالدين دعا إلى التداوي والأخذَ بالأسباب الصحية.
السابعة: حقيقة الطب أن يعالج الأبدان وخطاب الدين أن يعالج عمق الإنسان؛ فكل له عاطفة دينية
الثامنة: العلم علمان: علم الأبدان وعلم الأديان؛ وحفظ الأبدان مقدم على حفظ الأديان.
تلكم كانت الحجج والبراهين للحكم على المقالة التي وسمها الكاتب والباحث الضيف في التحليل والنقاش بـ (المقالة العلمية).
هي إذن؛ مقالة علمية والشواهد على ذلك كثيرة؛ وهي أكبر من أن تستوعبها هذه القراءة الأولية في تجربة محترمة مؤطرة بالشغف السليم للفكر الناعم في مواجهة الوباء الناقم؛ المقالة حددت افتراضات وتوقعات مستعينة بمشارب ومعارف الجامع بينها؛ العلم الذي لا يعارضه العقل ولا يصارعه الدين ويعاضده النقل، وهي رد على كثير من الادعاءات غير العلمية الوازنة؛ زمن كورونا.
أما عن مرجعيات خطاب هذه المقالة فهي بالمجمل: المنطق والعقل والفكر الإسلامي وتاريخ الفكر والوحي الإلهي والنبوي وأصول الفقه والدين؛ وليس ذلك غريبا عن الرجل، وهو الباحث في العقيدة وعلم الكلام وأستاذ العقيدة والفكر.
خامسا: فقه كورونا بين الاستشفاف والاستشراف.. ابستمولوجية الزمن
الكتاب بعمله هذا؛ يسعى لتحقيق تميز من غير تحيز إلى فئة دينية أو مذهب اجتماعي أو تيار فكري دون آخر، وقد التزم الموضوعية التي تتطلبها العلوم الإنسانية من تجريد الذات من الكذب مع التزام الصدق وأداء الأمانة والرسالة الوظيفية لفئة الراسخين من العلم إلى المجتمع توجيها وتنويرا لا نفاقا ولا تدويرا؛ ملتزما المنهج العام في التحليل والعرض والبسط والتحليل والنقاش لقضايا شغلت بال الرأي العام الثقافي منه والشعبي، الرسمي منه والمدني، فأمر كورونا شأن عام في التداول والنقاش والكلام، لكنه شأن خاص بالقول بالعلم لخلق بروتوكولات موضوعاتية: علمية دينية كانت أو طبية أو مَخبرية أو تشريعية أو اجتماعية بلمسة اقتصادية، الجميع ملتزم بتلكم البروتوكولات والاستراتيجيات، وقد نشرنا مقالا بعنوان: المقاربات الاستراتيجية المغربية المعتمدة في التصدي للجائحة العالمية كوفيد-19
يبقى القول لأهل الاختصاص؛ من غير حدوث خصاص بناء على المتفق عليه وهو الأساس -البروتوكولات الموضوعاتية- ومن دون إفراط ولا مساس بسلامة الناس.
لقد عمت منافع هذا القول الفصل؛ الأفراد والمؤسسات وكذا الهيئات الاجتماعية التي تدخلت طرفا مدنيا في القضية منتصبة من أجل الإسهام في مواجهة كورونا؛ الشبح الخفي تعبيرا منهم عن وطنيتهم الصادقة والالتفاف حول الوطن والاصطفاف خلف رئيس الدولة؛ جلالةِ الملك محمدٍ السادسِ نصره الله.
الكل يجمع على حدوث تغيير: بنيوي ومنظوماتي في العالم باعتبار زمن كورونا؛ زمنا مفصليا بين عالمين: عالم ما قبل كورونا بما له وما عليه
وعالم ما بعد كورونا بما له؛ من خلال كثير أمل لدى ساكنة المعمور، مما أبداه التوقعيون الاستراتيجيون، علماء الدين أو أهل الفكر أو علماء النفس أو علماء الطب والفيروسات أو خبراء الاقتصاد؛ فالكل يجمع على حدوث تغييرات في الكون والعوالم والعلاقات، وما يهمنا من هذا التغيير حسب طبيعة النقاش الذي نخوض غماره هو الجانب الديني من خلال ما ظهر بقوة على الساحة العلمية وكتب فيه مقالات، ذلكم هو فقه كورونا، وهو جزء من فقه الأوبئة العام؛ لكن لفقه كورونا خصوصيات، ذلك أنه ليس ذاك الفقه المؤطَّر بالقواعد الفقهية والاستنباطات الحكمية العامة من حيث المنع والمنح، ولكن يتجاوز هذا إلى: الفقه التواصلي والاجتماعي والتنموي.
لقد أجبر وباء كورونا العالم ليبدي رغبة في التغيير القسري نحو الأفضل في الزمان والمكان؛ فتحدث المختصون والأكاديميون عن معالم العالم ما بعد كورونا؛ فقه كورونا؛ الفقه المتجدد، للتحديث والعصرنة والتنمية، الفقه الذي سيغير -بلا شك- مسار (ألسنة ذي شبهة الفتوى)؛ المبتلين بالكلام في الدين إلى مسار فتوى المؤسسات والهيئات الرسمية؛ فالشعوب تثق في مؤسساتها وهيئاتها وهي المؤسسات التي رافقت المواطنين مجددا في هذه الأزمة المباغتة، فالجميع انضبط لفتوى الإغلاق المؤقت للمساجد والصوامع ودور العبادة ومراكز التجمعات الدينية في ربوع الدول الإسلامية.
لقد تابعت حسب اهتمامي بالموضوع؛ النقاش المواكب لوباء كورونا من الوجهة الدينية والإعلامية وما أعقب ذلك من فتاوى المؤسسات والهيئات الرسمية وما صدر من آراء الأشخاص من بعض طلاب العلم؛ وخلصت إلى أن النقاش هذا، ينطلق من أساس وهو: الإغلاق المؤقت للمساجد وما واكبه من تداعيات اندفاعية لدى الأفراد الذي نصبوا أنفسهم حماة للدين من غير ما اعتبار فساروا يفتون من غير سؤال وفي أدبيات الفتوى أنها تطلب ولا تهدى وبذلك يفتِنون في المواقع، فيما في الواقع أدرك الناس أنهم ليسوا سواء في المرجعية والمنهج والمقصد، ما أدى إلى اضمحلال الخطاب الديني الفردي منذ زمان ولكن فرصة كوفيد19 أثبتت عوارهم في خوارهم، فالناس تثق في الخطاب الديني الصادر عن المؤسسات لاعتبارات موضوعية منها كونها لا تمارس المركوتينغ الإرشادي وكذا التزامها اداء للخدمة الدينية في المجتمع ودورها في صياغة الوعي الجمعي، وهي التي تشتغل وفق منهجية جماعية قصد استصدار ما المجتمع بحاجة إليه وإفتائه في أمور دينه؛ هذا هو مستقبل الخطاب الديني.
هذا هو الإطار العام للنقاش حول كورونا، ويستمر الكلام في الدين عن كورونا فيما القول في الدين يتدخل لحمل الناس على الأوسط في الدين والتيسير عليهم ورفع العنت ودفع الحرج عنهم قبل وخلال وبعد زمن كورونا؛ هذه هي رسالة العلماء والمفكرين والمثقفين.
خــاتـمــة:
إننا نقر على الرغم من الجهد الكبير الذي بذلنا لقراءة هذا الإصدار لتلك الدار[المنتقى]؛ بأن الموضوع أكبر من أن يحيط به قارئ أو أكثر، فقراءة كتاب عمل جبار لا يطاوع إلا جماعة لتوزعه محاور خصوصا أن طبيعة العمل /الكتاب / جماعية: تعددية فكرية ومنهجية وموضوعية وهو تعدد في الأخير لمرجعيات الخطاب الذي يجمعه هم التنوير والتثقيف والتصدي والتفقيه والتنبيه ويؤلف بينه حب الوطن والبلاد.
إن شغف الفكر الناعم، لمواجهة الوباء الناقم، مما لامسناه في هذا العمل؛ هو ما جعلنا نحاول قراءته قراءة نقدية مختومة بالاعتذار لهؤلاء الأهرامات العلمية والفكرية والفقهية ببلادنا، مذيلة بالشكر الجزيل لكل من أسهم في صناعة وبناء ونشر الوعي الجماعي في الوطن؛ من أجل التصدي في زمن التعدي لرفع التحدي.