جاستن تيمبرليك، المغني الأمريكي الشهير، يتقمص دور “بالمر” في نفس عنوان الفيلم تربطه صداقة تتقوى شيئا فشيئا بطفل يدعى سام، ابن جارة مدمنة على المخدرات. “بالمر” لاعب الوسط في المدرسة الثانوية، رجل قوي حتى ساء كل شيء وانتهى به المطاف في السجن قضى به اثني عشر عامًا.

يبدأ الفيلم عندما يعود إلى بلدته الجنوبية، واحد مثل كثيرين آخرين، ليعيش مع جدته، سيدة صارمة ولكنها ساحرة ومباركة (كما هو الحال دائمًا جون سكويب) والتي تعتني بالطفل سام عندما تغادر والدته دون سابق إنذار ودون أن تذكر إلى أين أو كم من الوقت سيمضي.

عالم الدمى

يدور الفيلم حول مدان سابق يحب أن يصنع الخير لمساعدة طفل لطيف. وهي حكاية قوية غالبًا ما تُروى، لكن إعادة تسخين بقايا الطعام لا يمكن أن يكون دائما وجبة شهية وممتلئة، فعند الانتهاء منها من الصعب رؤية الهدف. لماذا يتكرر حكي هذه القصة سينمائيا؟

“الأطفال لا يلعبون بالدمى”، هكذا يردد بالمر؛ بينما الطفل سام يحب عالم اللعب بالدمى، ولا يشكك في هذا الانتقال كثيرا بين الذكوري والأنثوي. إنه كذلك اتحاد بين هاتين الشخصيتين داخله، وهذا التفاهم المتبادل بينهما وعدم التساؤل عن سبب اختلافهما. إنها الاستعارة المثالية والعاطفية لأمريكا اليوم الممزقة والمنقسمة والمليئة بالكراهية. يفاجئ المخرج فيشر ستيفنز، المعروف بحياته المهنية كممثل ومخرج وثائقي، بهذه الدراما الاجتماعية التي تتبع جميع قواعد الأعمال المستقلة منخفضة الميزانية على الرغم من وجود نجم مثل جاستن تيمبرليك، لكن ستيفنز يحاول تصويرها بإلقاء نظرة فاحصة كصانع أفلام وثائقية، عن الواقع الاجتماعي بقليل من الدموع وأكثر عزما، ينجح أحيانًا، وينتصر في النهاية لإرادة الحياة.

الشخصيات المألوفة

يظهر جاستن تيمبرليك (بالمر) بجيتار صوتي دافئ ولقطة بانورامية لأشعة الشمس في الصباح الباكر في ريف لويزيانا.. بلحية وبشكل منقبض يحدق من نافذة حافلة السجن التي تعيده إلى مسقط رأسه في الجنوب بعد سنوات طويلة خلف القضبان. الفيلم دراما عائلية لطيفة عن الأشخاص الذين يجدون قوة البأس والمثابرة، رغم الظروف المحبطة وفي أكثر من امتحان عسير ويتجاوزون الأزمة. هذا النوع من القصص ذات الميزانيات المتوسطة والبحث عن النهايات السعيدة.

و”بالمر” يفي بهذا الوعد. الفيلم طعام فني مريح غير متكلف يقدم نكهة كافية لإرضاء ذوق أي شخص لديه هذا المذاق الفني للقصص الاجتماعية. يتحدى هذا الإصدار الأصلي الفني المتواضع كل التوقعات فقط من خلال التمسك بنقاط قوته المتمثلة في قوة السرد البسيطة للقصة وعدم محاولة تقديم أي شيء أكثر مما هو معلن عنه. الحبكة متوقعة ولكنها محسوبة جيدًا، والشخصيات مألوفة ولكنها مليئة بالحياة والرابطة الأبوية التي تتشكل بين السجين السابق وصبي يبلغ من العمر سبع سنوات – تكون العلاقة مثل الجليد في البداية ذوبان الجليد يمر أمام أعيننا – يمنحك صورة رائعة يمكن تصديقها لشخصين منبوذين اجتماعيا لهما نفس المشاعر تجاه بعضهما البعض.

ظلال الماضي ووخز الحاضر

يقضي بالمر معظم الفيلم وهو يتجول في ظلال ماض غير مرئي؛ ولكن هناك متعة متسقة في مشاهدته وهو يلعب ضد شهرته. بالمر هو نجم كرة قدم سابق في المدرسة الثانوية، سارت حياته بشكل جانبي بعد خروجه من السجن (نص شيريل جويريرو بشكل طبيعي يبقينا في الظلام بشأن تفاصيل الشخصية المركزية لفترة طويلة ويضع كل شيء من حبكة الفيلم على الطاولة وفي اللحظة المناسبة عبر فترات سردية متقطعة.. الخروج من السجن .. موت الجدة .. عودة أم الطفل الجونكية).

[embedded content]

يطرح الفيلم مسألة شهرة بالمر السابقة، وكيف يطارد إمكاناته في الحاضر. إنه نفس الحال بالنسبة لمعظم الناس في بلدته ذات الدخل المنخفض في لويزيانا حيث الفقر عملة رائجة. لا يريد المخرج فيشر ستيفنز أن يزعجنا بالحديث عن تفاصيل البؤس، بعد سلسلة من الأفلام الوثائقية حول النجوم الباهتة وكوكبنا المدمر لينتقل إلى الفيلم الروائي؛ لكن جيران بالمر وفي قبالة منزله ترتكن مقصورة مثقلة بالتفكك الأسري وبالمخدرات وبالفقر وبالتمزق… وهي صورة عما تعيشه أمريكا من تصدع اجتماعي…

ينتقل بالمر، القليل الكلام والمؤدب للعيش مع جدته فيفيان التي تذهب إلى الكنيسة (جون سكويب التي لا تقهر) بدلاً من أي شيء آخر يفعله أو في أي مكان آخر للذهاب إليه. رفاقه القدامى – أولئك الذين لم يتم القبض عليهم ولم يزوروه مطلقًا في السجن – يبدو أنهم سعداء بما فيه الكفاية لأنهم في الخارج ولكن هناك شعور واضح بأن بالمر يعكس أكبر أخطاء المجتمع وهوامشه وأخطاء الجميع في مواجهتهم ويفضل معظم الناس في البلدة النظر في الاتجاه الآخر. يجد نفسه في حالة أفضل بكثير مع الغرباء.. غرباء مثل شيلي (لعبت دورها جونو تمبل) مدمنة الميثامفيتامين التي تعيش في مقطورة في حديقة منزل فيفيان. نجد أنفسنا أننا أمام دراما للبالغين حول مشاكل أمريكية حقيقية وهي تمزج هذا التفكك الأسري والفقر بلغة السينما… ومحاولة المخرج التركيز على قصة الطفل الصغير واللطيف في المشهد التالي للتقليل من حدة هذه المشاكل المفزعة.

الفرصة الثانية

إيدي بالمر هو بطل سابق في مسقط رأسه؛ ولكن مسيرته الكروية انتهت بعد عام واحد فقط من الكرة الجامعية. أدت اختياراته السيئة وضعف مسكنات الألم إلى دخوله السجن؛ لكنه قضى وقته دون شكوى.

لم يعد إيدي بالمر كما كان، لاعب كرة قدم جامعي واعد ومشهور، ويجمع سلوكه بين مرارة السنوات الضائعة والحزن الدفين الذي ينزف من كل مسامه. إن البحث عن وظيفة مع العيش في منزل جدته من أبيه هو بلا شك عودة إلى المربع الأول.

يمكن النظر إليه من زاوية أخرى أن الوضع الجديد يمثل فرصة لإعادة التخلص من ظلال الماضي. إنها الفرصة الثانية التي يبحث عنها ويمكن للحياة أن تقدمها له في سبيل الخلاص المحتمل من الماضي كعائق وعثرات نفسية.

لا يرغب بالمر في أن يكون مثقلًا برعاية الأطفال ربما يشعر بالاشمئزاز قليلاً من هذا الطفل على وجه الخصوص الذي يرتدي المشابك ويلعب بالدمى ويشاهد الأميرات. سأله بالمر في وقت مبكر: “أنت تعرف أنك ولد، أليس كذلك؟” “الأطفال لا يلعبون الدمى؟” لكن رؤية الآخرين يضايقون الطفل يجعله يتدخل لتستقيم هذه العلاقة / الصداقة بينهما.

بالمر ليس شخصية جذابة بشكل خاص؛ لكنه يشعر بأنه حقيقي بما يكفي للقتال من أجل سام عندما يحين الوقت، سواء على المستوى الجسدي في مواجهة المتنمرين أو حينما لا يستطيع الصبي ذلك أو على المستوى القانوني بمجرد ظهور التحدي المطلوب لحضانته.

يبلغ سام (أدى دوره الطفل رايدر ألين) من العمر سبع سنوات دينامكي يلعب بالدمى، ويرتدي الأبازيم، ويشاهد برنامجًا تلفزيونيًا تقطنه أميرات من جميع الأسماء والألوان، وهو صبي يشعر براحة أكبر في اللعب بالألعاب المخصصة تقليديًا للفتيات. يشعر بأنه منبوذ في المدرسة والمنزل. صديقته الوحيدة هي زميلة له وهي ضحية دائمة للتنمر. يتمتع بحس مرهف. يستغرق نص Cheryl Guerriero وقتًا لبناء تلك العلاقة ووقتا للتحول السردي، وهي تنتقل من التعايش القسري (النظرات المتبادلة/ موت الجدة/ طريقة الأكل/ الذهاب للمدرسة/ الحديث المتبادل…) والتفاعل العاطفي من جانب الكبار إلى الفهم، وفي النهاية إلى ارتباط مفترض ووثيق بين الأب والابن.

البعد السياسي

يؤكد المخرج ستيفنز أن “بالمر” فيلم عن إمكانية اجتماع البشر معًا في أوقات سياسية معقدة. ليس من قبيل المصادفة أن القصة تحدث في جنوب الولايات المتحدة، في مجتمع صغير لا يؤثر إلا قليلاً على الاختلافات من أي نوع. يجلب الفيلم النوايا الحسنة ورسالة التسامح بطريقة خفية بشكل عام. هنا يمكن أن نتحدث عن شخصية الآنسة ماجي (أليشا وينرايت)، معلمة سام الجميلة والمطلقة التي تطوعت بمساعدته في رعاية الطفل واهتمامها كذلك ببالمر حينما تضع حداً للتنمر في نهاية المطاف في الفصل خلال احتفالات الهالوين عند وصولها مرتدية بذلة رجالية وشاربا طويلا في مشهد مضحك. وكذلك علاقتها العاطفية مع بالمر ومساندته والوقوف إلى جانبه دون النظر إلى تاريخه الماضي والعنيف. يركز المخرج على المعلمة التي تتسلل إلى الأحداث بطريقة دافئة وبسيطة بالوعي الذي تحمله كأستاذة مرموقة ترتبط عاطفيا ببالمر الذي يشتغل منظفا وبوابا داخل المدرسة وحريص على استئناف حياته من جديد وينظر إليه الجميع بنوع من الريبة.

ضيق المكان

البلدة التي عاد إليها بالمر ليست جاهزة تمامًا لاستقباله، وسرعان ما تتلاشى نوايا بالمر الحسنة بين نوبات الشرب والجنس. بلدة من المتنمرين، سواء في فناء المدرسة أو في نقل الشائعات وترديدها داخل الحانات. يضيق المكان بأهله، سواء في المقصورة حيث يفرغ بالمر من الجنس ويخرج منها أو في الكنيسة أو في الحانة. في بلدة يظهر فيها تناقض وفظاظة المخادعين من الأصدقاء. يبدو المكان الأكثر أمانا هو المدرسة.. بالمر يفهم حدود إمكانياته يشتغل بواب مدرسة؛ وهي الوظيفة الوحيدة المتاحة في البلدة التي يمكنه الإمساك بها. في نهاية الفيلم يمنحه السيد الذي يشتغل معه مفاتيح المدرسة عربونا عن الثقة التي استحقها.

يظهر فصل بين بالمر وسام، حيث يجري الصبي خلف السيارة ملتصقا بها ببكاء مر. عندما تأتي تلك اللحظة، يعلم المشاهد بإمكانية المودة العميقة بين الشخصيتين.

“بالمر” دراما عائلية تمنح علاجا نفسيا واجتماعيا مفاده أن في ظل الأوضاع المعقدة يمكن انتشال الطفل على الأقل من بيئة الفقر والمخدرات وهذا ما يحمله المشهد الأخير في الفيلم في ترك المقصورة والمنزل والفقر… والركوب في السيارة في إشارة إلى الانتقال إلى مكان آخر بديل.

hespress.com