بتصويت فرق الأغلبية والمعارضة على التعديلات التي أُدخلت على مشاريع القوانين الانتخابية، وخاصة القاسم الانتخابي على أساس المسجلين في اللوائح الانتخابية عوض المصوّتين، أُسدل الستار على النقاش الذي واكب هذا الموضوع؛ غير أن اعتماد “القاسم الانتخابي” يرتقب أن يكون له تأثير على المشهد السياسي والحزبي، إذ سبقت التصويتَ عليه في الجلسة العامة بمجلس النواب مساء الجمعة دعوات أصوات من داخل حزب العدالة والتنمية، الذي وجد نفسه وحيدا في هذه المعركة، لرئيسَ الحكومة إلى إعادة طلب الثقة في حكومته من طرف البرلمان.
الموقف الذي وجد فيه حزب العدالة والتنمية نفسه بعد أن تخلّت عنه الأحزاب الأربعة الأخرى المشكّلة للأغلبية الحكومية دفعه إلى عقد اجتماع استثنائي لأمانته العامة، الخميس، خُصص لمدارسة المستجدات التشريعية المرتبطة بمشاريع القوانين الانتخابية، صدر عقبَه بلاغ أكّد فيه “حزب المصباح” أنه سيعمل على تقييم تصويت فرق الأغلبية “ضدّ إرادة الحكومة”.
ولم يقدّم الحزب أي تفاصيل حول رد فعله إزاء حلفائه في الحكومة بعد “تقييم” تصويتهم في مجلس النواب لفائدة احتساب القاسم الانتخابي على أساس المسجلين وليس المصوّتين، لكنه لمْ يُخف أنّ “هذا التصرف يكتسي أبعادا سياسية ومؤسساتية”، بينما انبرتْ أصوات من داخل الحزب تطالب رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، بتفعيل الفصل 3 من الدستور، وطلبِ منح ثقة البرلمان من جديد لحكومته بعد أن فكّ القاسم الانتخابي عروة الأغلبية.
هذا الطرحَ عبر عنه عدد من أعضاء “حزب المصباح” بقوة، إذ ذهب بعضهم إلى اعتبار أنّ تصويت فرق الأغلبية لصالح القاسم الانتخابي على أساس المسجلين يعني، عمليا، فقدان رئيس الحكومة أغلبيته في البرلمان، وأنّ حكومته لا يمكن أن تستمر في أداء مهامها في ظل هذا الوضع، ما يحتّم عليه تفعيل الفصل الثالث بعد المائة من الدستور، من أجل حسْم وضعية حكومته.
ويتيح الفصل 103 من الدستور لرئيس الحكومة أن يربط، لدى مجلس النواب، مواصلة الحكومة تحمَّل مسؤوليتها بتصويت يمنح الثقة بشأن تصريح يدلي به في موضوع السياسة العامة، أو بشأن نص يطلب الموافقة عليه.
وحسب مقتضيات الفصل المذكور فإنه لا يمكن سحب الثقة من الحكومة أو رفض النص الذي يطلب رئيس الحكومة من البرلمان الموافقة عليه إلا بالأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب؛ غير أن رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، لم يلجأ إلى هذا الخيار الدستوري، رغم أن استمرار حكومته بعد “واقعة القاسم الانتخابي” لم يعد له معنى، كما ذهب إلى ذلك أعضاء من العدالة والتنمية.
استبعاد خيار طلب رئيس الحكومة من البرلمان تجديد الثقة في الحكومة فسّره بن يونس المرزوقي، أستاذ القانون الدستوري بجامعة محمد الأول بوجدة، بكون الحياة السياسية والحزبية بالمغرب عادة ما تسير في اتجاه المحافظة على الوضع القائم، موضحا أن هذا التوجه يزكّيه أنّ أي طرف من الأطراف السياسية الموجودة في الساحة لم يبادر إلى استغلال الشرخ الذي أحدثه النقاش حول القاسم الانتخابي وسط الأغلبية الحكومية، لتفعيل المقتضيات الدستورية المتعلقة بالثقة في الحكومة.
وأوضح المرزوقي أن رغبة الأطراف الموجودة في الساحة السياسية في إبقاء الوضع السياسي على ما هو عليه، وإبقاء عمل الحكومة مستمرا إلى حين النهاية الطبيعية لولايتها، يتجسّد أيضا في أن “خصوم” حزب العدالة والتنمية أنفسهم لم يستغلوا الشرخ الذي أحدثه القاسم الانتخابي لتقديم ملتمس الرقابة لإسقاط الحكومة، رغم أنه كان بإمكانهم كسب تأييد الأحزاب الغاضبة من الموقف المتشدد الذي أبداه الحزب المتزعم للتحالف الحكومي إزاء القاسم الانتخابي.
وعمليّا فقد كان إقدام رئيس الحكومة على طلب ثقة البرلمان، من خلال عرض مشاريع القوانين الانتخابية على مجلس النواب من أجل إعادة التصويت عليها، كما أعدتها الحكومة ودون التعديلات التي أدخلتها عليها فرَق الأغلبية، يعني احتمالا من اثنين: إما إسقاط “القاسم الانتخابي”، أو إسقاط الحكومة؛ وحاليا أصبحت الحكومة في وضع ضبابي، بعد اصطفاف أربعة أحزاب من مجموع الأحزاب الخمسة المشكلة لها ضد العدالة والتنمية.
ويرى بن يونس المرزوقي أن سعد الدين العثماني لم يلجأ إلى طلب تجديد ثقة البرلمان في الحكومة لأن هذه الخطوة تعني إقراره بتصدّع حكومته، من ناحية، ومن ناحية ثانية لأن النصوص التشريعية المثيرة للجدل السياسي الدائر حاليا ليست نصوصا عادية، بل نصوصا تنظيمية صادق عليها المجلس الوزاري برئاسة الملك.
وجوابا عن سؤال حول التداعيات التي سيفرزها الشرخ الذي أحدثه الخلاف حول القاسم الانتخابي بين الحزب الأغلبي وباقي مكونات الأغلبية الحكومية، قال بن يونس المرزوقي إن هذا النقاش يُخفي في ثناياه نقاشا سياسيا أعمق، وهو التحضير لإعادة ترتيب المشهد السياسي المغربي بعد الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، بعدما اتضح أن هناك انزياحا نحو القطبية الثنائية الحزبية.
وأوضح المتحدث أن المغرب “سار في اتجاه التعددية الحزبية بعد اعتماد الاقتراع باللائحة، ثم حدث تحول نحو القطبية الثنائية الحزبية المصنّعة المبنية على جدلية الدين والمال”، مضيفا أن التشبث بنمط الاقتراع المعتمد إلى غاية الانتخابات التشريعية لسنة 2016، أي القاسم الانتخابي على أساس المصوتين، سيؤدي إلى تكريس هذه القطبية، وأن الغاية من القاسم الانتخابي على أساس المسجلين هو التخفيف من هذه القطبية، والعودة إلى التعددية السياسية التي بدأت سنة 2002.