“أنا أقاتل من أجل بلدي.. أنا أقاتل من أجل شعبي”.. قد يعتقد البعض أن هذه الكلمات تصدر من زعيم أو رئيس دولة متفانٍ في خدمة بلده ومواطنيه، وليس من فم مقاتل في رياضة الدفاع عن النفس، والذي ليس سوى الألماني المغربي عثمان زعيتر.

ولعل المثير للاستغراب هو أن الشخص ذاته قال، في تصريح صحافي له يوما واحدا قبل أول مباراة له في مسابقة القتال “UFC 242 ” في أبوظبي، إن هذه المهنة تستوجب التحلي بالتواضع؛ لكن هذا المقاتل يناقض نفسه بإظهار أشياء أخرى غير التواضع تماما، من خلال الاستعراض بقيادة سيارات فاخرة، وهو ما دأب عليه الإخوة زعيتر، علاوة على الإفراط في الحديث عن الشهرة والسلطة وتصريحات أخرى كثيرة.

ويبدو أن التواضع هو آخر شيء قد يتحلى به الإخوة زعيتر، لكون حملة التواصل التي يقودونها منذ ثلاث سنوات في الشبكات الاجتماعية ووسائط الاتصال تكشف عن الجشع الجنوني والانجذاب غير المفرمل للإخوة لكل ما يلمع، سواء كان ثروة أو سلطة.

وهكذا يظهر “الإخوة” متباهين بارتداء أقمصة باهظة الثمن، وهم يوزعون قففا من الطعام على الفقراء في طوابير طويلة. كما أنهم يقبعون في حسابات “أنستغرام” و”سناب شات” للتباهي بممتلكاتهم، من ساعات وسيارات فارهة.

نزعة “ميركانتيلية” فاضحة وغطرسة فاحشة تلك التي أبان عنها ثلاثي “الكلادياتور”، علاوة على استعراض مقيت لصدورهم العارية التي تنتفخ مثل الطاووس في الحياة اليومية بسبب سلسلة من الأراجيف والتهديدات. وقائع وتفاصيل مثيرة يكشفها المقال التالي:

حين يستغل الإخوة زعيتر لقاء الملك

تعرّف المغاربة على الإخوة زعيتر في 20 أبريل من سنة 2018 عندما استقبل الملك محمد السادس أبا بكر وعثمان بعد توقيعهما مع بطولة Ultimate Fighting Championship القتال وفوز الثاني بالبطولة العالمية لـBrave Combat Fédération، وفق قصاصة نشرتها وكالة المغرب العربي للأنباء آنذاك.
عمر زعيتر، توأم أبوبكر، الذي يعمل مديرا ومدربا لبطلي فنون القتال المختلطة، كان حاضرا هو الآخر ضمن الاستقبال الملكي، وهو من التقط صورة تذكارية للقاء.

اللقاء حصل يوم جمعة، وقد نال الإخوة امتياز نادرا للغاية بالجلوس إلى جانب الجالس على العرش بعد أدائه لصلاة الجمعة في ذلك اليوم.

هو لقاء نادر فعلا؛ لكنه ليس مفاجئا بالنسبة إلى المغاربة الذين يعلمون أن الملك يحرص دائما على تشجيع المواهب التي تتميز في الخارج وتحمل ألوان علم الوطن عاليا.

ولطالما كان العلماء والمفكرون والرياضيون وغيرهم من الفنانين الشباب موضع اهتمام كبير لدى الملك؛ غير أن البعض حاول استخدام هذا الاهتمام لمصالحهم الشخصية، لكن “تكسرت أسنانهم” (بلغة فنون القتال) في النهاية، لأن ذلك كان مسألة وقت فقط.

ففي ذلك اليوم، وتحديدا صلاة الجمعة ليوم 20 أبريل، كان الإخوة زعيتر في وضع جيد بما فيه الكفاية لكي يشاهد المغاربة صورهم، وساد الاعتقاد أنهم سيحافظون على هذا القرب من الملك، وسرعان ما انتشرت الصورة على وسائل التواصل الاجتماعي.

وفي بلد حيث كل صورة لها ألف معنى ومعنى، فإن حياة الأحلام بالنسبة إلى الإخوة زعيتر بدأت في تلك اللحظة.

“رجال شبكة الفيراري”

رأى الإخوة زعيتر النور في ألمانيا من أبوين ينحدران من إقليم الحسيمة، وقد بدأ كل شيء بالنسبة إليهم سيئا إلى حد ما؛ فهم يحملون سجلا إجراميا أطول من سجلهم الرياضي.

في سنة 2003، حين كان التوأمان قاصرين، مَثُلا أمام محكمة في كولونيا، بسبب اتهام أبي بكر بضرب رجل أعمال، كما أنه هدده بقتله برش البنزين وسرقة سيارته الفيراري، وهي أعمال عنف لم يسمع بها سلفا أحد في تلك المدينة، وهو ما جعل أبا بكر “مشهورا” محليا في عيون الساكنة.

هذه الوقائع نشرتها صحيفة “Kolnische Rundschau”، وجاء فيها أن أبابكر “كان برفقة أصدقائه ورشّ رجل أعمال بولاعة شواء وهدده بالقتل”، ومنذ تلك الحادثة أطلق على الشقيقين اسم “رجال عصابة أو شبكة الفيراري”.

حكم على أبي بكر بالسجن لمدة عامين وثلاثة أشهر، وأدين شقيقه عمر بالسجن 20 شهرا موقوف التنفيذ، كما كان الشقيقان مبحوثا عنهما لضرب مستخدمين في متجر لأجهزة الحاسوب.

الصحيفة الألمانية أفادت بأن عمر، الذي كان مطلوبا من قبل الشرطة، تم القبض عليه في مدينة بون؛ فيما تمكن أبوبكر من الفرار من أيدي وحدة خاصة للشرطة في سويسرا التي اضطرت إلى الاستسلام بسبب معداتهم الثقيلة، عندما قفز الهارب بعمق أربعة أمتار واختفى.

“عادت حليمة إلى عادتها القديمة”

في سنة 2005، في سوق الكريسماس في فوبرتال بألمانيا، صنع أبو بكر اسما لنفسه عندما لكم صديقته. وأمام القاضي أصيبت الضحية بالخوف وهي تتفادى النظر في عين المتهم، وقالت: “لقد تلقيت ضربات قاسية عديدة حتى انفجرت طبلة أذني”.

لم ينته أبو بكر وعمر وعثمان، وهم في سن 16 عاما، من صراعهم مع العدالة الألمانية، حيث لاحقتهم تهمة جديدة بالعنف بعد مشاركتهم في شجار في صالة للألعاب الرياضية، حيث ضربوا رجلا بعنف وتسببوا في كسر أنفه.

ووفق الصحيفة الألمانية دائما، قام الإخوة الثلاثة بضرب هذا الشخص بوحشية في 24 يناير من سنة 2006. والسبب ليس سوى أن أبا بكر أحس بأنه أقل أداء ومهارة من خصمه خلال التدريبات، فهاجمه بضربة رأس. وعلى الرغم من أن الضحية اعتذر، فإن الأشقاء الثلاثة استمروا في ضربه. ونتيجة هذا العنف كانت هي كسر في الأنف واضطرابات بصرية وكدمات وإصابات في الظهر.

لم ينته الأمر عند هذا الحد، حيث يتضمن السجل الإجرامي لأبي بكر زعيتر حتى قبل أن يبلغ من العمر 25 عاما ملفات تهم السرقة والابتزاز والاحتيال والعنف الجسدي والتآمر الإجرامي والقيادة بدون ترخيص والاتجار بالمخدرات والتزوير ومقاومة إنفاذ القانون، وحصد على إثر ذلك إدانات في سنوات 2004 و2005 و2006 و2007 و2008، وإدانتين في سنة 2012. وينضاف إلى ذلك إدانات كانت من نصيب عثمان، بينما تم القبض على عمر من قبل الشرطة القضائية الألمانية بتهمة السطو المسلح والابتزاز.

وحتى يومنا، فإن عمر، الذي قيل إنه ولج مجال الأعمال، يخضع للمراقبة من قبل الشرطة الألمانية، التي تشتبه على وجه الخصوص في قيامه بغسيل الأموال.

هذا هو إذن الملف الشخصي لأفراد “عصابة الفيراري”، الذين استقروا في المغرب منذ سنة 2018 بعد استقبالهم من لدن الملك.

ومنذ ذلك الوقت، لم يفوت “الإخوة” أي فرصة لاستغلال هذه الرعاية الملكية كترخيص حتى عندما لا يتوفرون على رخصة قيادة في كولونيا، وها هم يتصدرون منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الوطنية التي تقدم لهم بسخاء صفحاتها الأولى ونشراتها الرئيسية.

والأدهى من كل هذا وذاك هو أن “الإخوة” يستخدمون أيضا الدين وسيلة لكسب تعاطف المغاربة، عندما يظهرون في أكثر من صورة مجتمعين لأداء الصلاة، متناسين خلع أحذيتهم الرياضية وهم بين يدي الله في محراب الصلاة. وتجدهم في صور أخرى يوزعون التبرعات أمام كاميرات التلفزيون، أو يعمدون إلى التحاف العلم الوطني، في محاولة لإلهاء المغاربة عن تجاوزاتهم الخطيرة.

لكن.. يمكن للمخادع أن يخدع الناس مرة أو مرتين، ولا يمكن أن يخدعهم طول المدة، خاصة عندما تنبعث الممارسات القديمة من جديد. والدليل هو أنه، في بداية سنة 2021، سجلت حادثتان في أقل من 15 يوما أظهرت أن “حليمة عادت إلى عادتها القديمة”.

تهور وخرق تدابير.. ومنشطات

في يناير الماضي، وقبل أيام من مباراته في مسابقة “UFC Fight Island” تم طرد عثمان زعيتر الذي كان يعتقد أنه يمكن خداع الجهة المنظمة، حيث خرق البروتوكول الصحي الذي تم وضعه كجزء من مكافحة فيروس “كورونا” في أبوظبي حيث نظمت المسابقة.

ووفقا لرئيس المسابقة دانا وايت، قام عثمان وفريقه بفك أساورهم لمنحها إلى رجل في الخارج؛ وهو ما مكنه من الدخول إلى القاعة حيث تنظم المسابقة وتجول عبر أربع شرفات لإيصال كيس إلى شرفة زعيتر، ثم غيّر ملابسه وغادر، وتمت رؤية ذلك في كاميرات المراقبة، وفي النهاية طُرد عثمان.

وبعد أكثر من أسبوع من استبعاد عثمان من المسابقة سالفة الذكر، جاء دور أبي بكر لتوقفه وكالة مكافحة المنشطات الأمريكية لمدة سبعة أشهر، بعدما أجري له اختبار مادة تاموكسيفين، وهي مادة محظورة.

وكانت الوكالة الأمريكية صارمة في قرارها بعد أربعة اختبارات كانت نتيجتها إيجابية لأبي بكر، على الرغم من أنه قدم دليلا على أن المادة وصفها له طبيب؛ لكن لم يكن يتوفر على ترخيص لاستعمالها من أجل العلاج.

هذا مجرد غيض من فيض لممارسات شبكة الإخوة زعيتر، وطريقة تفكيرهم ونظرتهم إلى القوانين والضوابط التي يرون أنه يتعين عليهم كسرها وتجاوزها، فقط لأنهم “زعيتر”.

هذه الممارسات جلبت امتعاض الكثير من المغاربة والمتابعين، لعل أحدهم مصطفى لخصم، الذي يحظى باحترام كبير، وهو أحد الأبطال الذين تركوا بصمتهم في الملاكمة العالمية، إذ سبق له أن تطرق إلى هذا الموضوع في فيديوهات بثها على صفحته في “فيسبوك”.

هزيمة مذلة

في ليلة 27-28 مارس 2021، واجه أبو زعيتر، الذي أطلق عليه نفسه اسم المصارع، الكيبكي مارك أندريه باريوليت، وهو لقاء كان ينبغي أن يمثل عودة البطل المغربي بعد عامين من الغياب بسبب تعاطي المنشطات؛ لكن النتيجة كانت مدوية، حيث تجرع زعيتر هزيمة مذلة بالضربة القاضية التي حولت وجهه إلى كيس منتفخ ومتورم.

مصطفى لخصم، الملقب بنمر الخواتم والذي حصل على 12 لقبا في بطولة العالم و4 ألقاب للبطولات الإفريقية و20 لقبا مغربيا، يظل مصدرا موثوقا في التعليق على مسارات “الإخوة زعيتر”، باعتبار تجربته الرياضية الطويلة.

وفي فيديو تبلغ مدته دقيقتين بُث في 31 مارس الماضي، حلل لخصم الطريقة التي قدم بها عثمان، شقيق أبي بكر، الهزيمة التي تعرض لها أخوه محاولا تفسيرها بالعنصرية التي كان ضحية لها. لخصم رفض هذا الادعاء ومحاولة تعليق الهزيمة النكراء على مشجب العنصرية، مؤكدا أن الخسارة المذلة تعود أساسا إلى “نقص واضح في الاستعداد والتدريب”.

“عصابة الفيراري” تهدد المغاربة

وفي منشور ثان تناقلته الصحافة الوطنية على نطاق واسع، صرح لخصم بأن أبابكر اتصل به عبر الفيديو، وقال إن “المصارع” لم يكتف بإهانته، وهدده بأنه سيعمل على “تربيته”.

ورد لخصم بشجاعة على هذا التهديد الصريح الممزوج باستعراض بذيء للقوة، بمخاطبة أبي بكر قائلا: “من تظن نفسك حتى لا نعلق عليك؟ لقد بحثت عني وستجدني”.

وليس لخصم من تعرض للتهديد بعبارات “نربيك”؛ بل حدث أيضا أنه كان أبو زعيتر، في ماي من سنة 2019، على متن دراجته المائية رفقة صديق له بالقرب من مارينا أبو رقراق في سلا. ولأن دخول “الجيت سكي” محظور تماما إلى مارينا، أمر أعضاء مكتب المرفأ زعيتر بالتراجع والانسحاب؛ لكن أبا بكر رفض الامتثال وشق طريقه، على الرغم من الحظر.

وفي تلك اللحظة، شرعت امرأة في مكتب المرفأ بتصوير المشهد على هاتفها الذكي، فسارع أبو بكر إلى انتزاع هاتفها بعنف. ولم يتسن معرفة ما إذا كانت المعنية قد قدمت شكوى بشأن ما تعرضت له من إهانات ومحاولة الاعتداء الجسدي وسرقة الهاتف المحمول وخرق قانون الدخول إلى مارينا ضد المعني بالأمر.

وبعد بضعة أشهر تقريبا، وتحديدا في مارس من سنة 2020، تعرض العاملون في مستشفى ابن سينا في الرباط لسلسلة من الإهانات الفاضحة من نفس “الكلادياتور”، بعد أن حل هناك حوالي الساعة الواحدة صباحا، رفقة نور الدين بن سلام، بطل مغربي هولندي في الفنون القتالية المختلطة.

سيارات بنتلي ورولز رويس

وبعد التطرق إلى نزر فقط من المسارات غير السوية للإخوة زعيتر، يحق أن يطرح كل متابع السؤال العريض بشأن طريقة ثرائهم المفاجئ.

وفي تدوينة يظهر عمر زعيتر جالسا في سيارة مرسيدس من نوع Brabus 800 التي يقدر ثمنها بأكثر من 200 ألف أورو، ما يعادل 2,15 مليون درهم، أي 215 مليون سنتيم.

وبالإضافة إلى الصور، يستعرض عمر زعيتر “ستوريات” لسيارات بنتلي ومجموعته من الساعات المخزنة بدقة في الصناديق، مرفوقا بتعبير معناه “أخرس”.

هذه العبارة يقول متابعون للموضوع إنها نوع من السخرية بشأن من يتهمون “الإخوة” بالتباهي مستغلين اسم الملك محمد السادس؛ بينما يتجرع العديد من المغاربة التداعيات الاجتماعية والاقتصادية القاسية لجائحة “كورونا”.

“شكرا ملك المغرب !!”

بعد هزيمته البائسة أمام الكيبيكي مارك أندري باريوليت، نشر “الكلادياتور” تدوينة على “أنستغرام” يتظاهر فيها بالابتسامة.

وكان الأجدر بهذا “المنهزم” أن يجنح إلى الصمت والتواضع بعد خسارته المدوية والمذلة، لعل ذلك ينسي المشاهدين شيئا من الضربات الثقيلة التي تلقاها على وجهه المتورم والمثخن بالجراح.

“المصارع” المزعوم لم يصمت حتى بعد خسارته، بل أصر على أن يوجع قلوب المغاربة، عندما دبج كلمة شكر وجهها إلى الملك بالقول: “شكرا ملك المغرب”، محاولا مرة أخرى الظهور بمظهر القرب من ملك البلاد.

وفي الأخير، يمكن لـ35 مليون مغربي، بالإضافة إلى المغاربة المقيمين في الخارج، أن يحظوا بعلاقة متميزة مع ملكهم، ولا يمكن لأحد أن يمنح لنفسه، على الأقل علنا، الحق في المطالبة بوضع خاص؛ لأن الملكية المغربية مؤسسة على قيم تربط الملك بكل مواطن مغربي بالطريقة نفسها وبالمستوى ذاته.

البطل السابق مصطفى لخصم أدرك هذه الحقيقة عندما خاطب أبا بكر زعيتر، كما سيفعل الآخرون بالتساؤل: “ماذا يفعل رجال عصابة الفيراري هنا؟”.

hespress.com