أعاد نقاش “الكيف” والقاسم الانتخابي الحديث عن قطبية ثنائية داخل المشهد السياسي المغربي، بعد بروز اختلافات بين تيّار تقليدي محافظ يمثله حزب العدالة والتنمية، الذي يحاول الحفاظ على القوانين الموجودة ذات الطبيعة المجتمعية، بينما يقود حزب الأصالة والمعاصرة (المعارض)، من جهة أخرى، حملة سياسية وبرلمانية من أجل إعادة النظر في عدد من القوانين المرتبطة بالمجتمع.
ومع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية والمحلية، يمضي الطرفان نحو تكريس مزيد من “القطبية الثنائية” داخل المشْهد الحزبي، إذ يظل التراشق قائما بينهما، بينما تنأى التنظيمات الحزبية الأخرى بنفسها عنه، مكتفية باستعراض مخاطر “ثنائية مصطنعة” بين “التقليد والحداثة”، على شاكلة صدام “البيجيدي” و”البام”، التي أفرزت الواقع الحالي.
وظهر هذا الاختلاف بشكل ملحوظ في مناقشة القوانين الانتخابية ومشروع القانون المتعلق بالقنب الهندي، الذي يعارضه “البيجيدي”، بينما يطالب “البام” بإخراجه إلى حيز الوجود؛ فيما تحاول أحزاب أخرى خلق منافذ لها من أجل التأثير على مسارات النقاش العمومي وإيجاد أرضية لها للتأثير في الرأي العام.
وفي غمرة الاستعداد للانتخابات المحلية والتشريعية، التي ستقام في أواخر هذا العام، انبثق نقاش “تقنين الكيف” بالمغرب وسط آمال عريضة في تمكين المزارعين من آليات تمكنهم من الاستفادة من محصولهم الزّراعي بشكل قانوني، والسّماح باستخدام القنب الهندي في المجال الطّبي، وهو نقاش قديم يتجدد مع كل مناسبة انتخابية، غير أنه يبدو اليوم أن هناك توجها رسميا للحسم فيه.
المحلل السّياسي محمد شقير يقلّل من إمكانية بروز أو فرز قطبية ثنائية شبيهة بما حصل خلال انتخابات 2016، لكنه يقف عند “عزلة” حزب العدالة والتنمية، الذي أصبح في مواجهة مفتوحة مع باقي المكونات السياسية الأخرى، لاسيما بعد نقاشي “الكيف” والقاسم الانتخابي، اللذين أظهرا مدى “انعزالية” “البيجيدي” داخل المشهد السّياسي.
وأوضح المحلل السياسي ذاته، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “البيجيدي هو الحزب الوحيد الذي ظلّ يرفض القاسم الانتخابي على أساس المسجلين، لكنه خرج من معركة التعديل بخسارة رمزية وسياسية”، مبرزا أنه “في ما يتعلق بقضية ‘الكيف’ فإن الاختلاف لم يعد محتدما بين ‘البام’ و’البيجيدي’، بل حتى حزب الاستقلال، الذي دخل بدوره على خطّ هذا النقاش الوطني”.
وشدد شقير على أنه “لا يمكن الحديث عن قطبية ثنائية في المغرب في ظلّ وجود مكونات أخرى تحاول التنافس على الكعكة السّياسية”، موردا أن “البيجيدي” هو المكون السياسي الذي يحاول مواجهة باقي المكونات الأخرى في ملفات “الكيف” والقاسم الانتخابي واستحقاقات 2021؛ كما لفت الانتباه إلى أن “العدالة والتنمية لن يتصدر الانتخابات المقبلة لأنه تأثر بشكل كبير ببعض المواقف المتّخذة على الصعيد الحكومي”.
وقال المحلل ذاته إن “خطاب المظلومية الذي اعتاد البيجيدي أن يسوقه كلما اقترب الموعد الانتخابي لم يعد يعطي أكله في ظل تراجع شعبيته المجتمعية، كما أنه أصبح مهددا بالانقسام في ظل وجود قراءات مختلفة حول الوضع العام في المغرب”، مبرزا أنه “كلما تقلص هامش المناورة أمامه استغل ورقة المظلومية لتجديد شرعيته”.