يكشف الدكتور عبد الله بوصوف، الخبير في العلوم الإنسانية، أن هناك انهيارا شديدا لأكذوبة التمثيل الحصري لسكان الصحراء المغربية من طرف البوليساريو، “وهي أطروحة انفصالية تكلف فيها جنرالات قصر المرادية ببناء صَنَمٍ من طِين وطُلِب من كل سياسي رخيص وإعلامي بئيس وقلم مأجور الانضمام إلى جوقة التهليل والتطبيل لمولود غير شرعي تَتبَرأ منه بَطْن وطِين الصحراء المغربية”.

فالشرعية، وفق مقال جديد لبوصوف، مشروطة بتوفر عنصر الديمقراطية، أي الانتخابات، ومشروطة بالشعبية، أي التوفر على وعاء انتخابي والمشاركة، “وهو ما لا تتوفر عليه جبهة البوليساريو، مما يجعلها فاقدة لقوة التمثيل الديمقراطي والشعبي، فيما ينخرط سكان الصحراء الوطنيون في كل التمارين الديمقراطية على المستوى المحلي والجهوي والوطني”.

ويفصّل بوصوف في مقاله بشكل مفصل كيف تلعب المؤسسات المنتخبة دورا هاما في إسقاط أكذوبة التمثيلية الحصرية لسكان الصحراء من طرف البوليساريو.

وهذا نص المقال:

لم يعد خفيا على أحد أن توقيع اتفاقية وقف إطلاق النار سنة 1991 لم يكن يعني نهاية الصراع بالصحراء المغربية، بل إن البوليساريو وحاضنتها الجزائر نقلتا الصراع إلى ساحات أخرى تتوزع بين أروقة وممرات مقرات منظمة الوحدة الإفريقية، والمنظمات الحقوقية، والمنصات الإعلامية، وأفراد من النخبة السياسية، خاصة ببعض دول أوروبا.

وانخرط جنرالات قصر المرادية في حفلة توقيع هستيرية لشيكات على بياض لكل المهللين بأطروحة الانفصال، ولكل المنظمات الحقوقية والأقلام المأجورة التي حُدد دورها في ترديد أسطوانة الانفصال، لكنه أيضا كان توقيعا على تبديد ثروة الشعب الجزائري الشقيق، وتوقيعا على تأجيل تحقيق حلم التنمية الاجتماعية والاقتصادية للشعب الجزائري الى تاريخ مجهول.

في المقابل، نلاحظ أن المغرب، وبشهادة القاصي والداني، راكم خبرات قوية تعلقت بكيفية كشف وفضح ألاعيب البوليساريو، وفي تفكيك أساليب لعبها الدنيئة والمفضوحة أمام الرأي العام الدولي كاستعمالها للأخبار الزائفة وترويج الأكاذيب وشراء الذمم وتأجير أقلام كتاب وإعلاميين غربيين باعوا ضمائرهم للشيطان مقابل دولارات الغاز والبترول.

فالمضايقات القضائية مثلا، هي إحدى الحركات البهلوانية التي يقوم بها عادة الانفصاليون منذ بضع سنوات، لكنهم يعودون عند كل محاولة بخُفي حنين، وآخرها كان منذ أيام قليلة (3 مارس 2021) بمحكمة العدل الأوروبية في لوكسمبورغ، حيث تم التأكيد على عدم توفر كيان البوليساريو على الصفة والأهلية لتمثيل سكان الأقاليم الصحراوية المغربية، واعتبرت أن توفره على صفة سياسية للتفاوض لا يعني توفره على أهلية التمثيل الحقيقي لسكان الصحراء المغربية.

فقرار محكمة العدل الأوروبية الأخير يُعد مسمارًا جديدا في نعش كيان البوليساريو، وإعلانا عن نهاية أكذوبة “الممثل الوحيد للشعب الصحراوي” التي طالما اعتمدها الانفصاليون في التلاعب بعقول الأوروبيين ونهب مساعداتهم الإنسانية الموجهة إلى المحتجزين في مخيمات تندوف. وبالبحث في كل أدبيات الانفصاليين، لا يمكن العثور على المسوغ القانوني لاحتكار التمثيلية، كما لم نعثر على تاريخ محدد لتلك المقولة التي اشتهرت بها فقط منظمة التحرير الفلسطينية.

وإذ نعلم جيدا مدى رغبة البوليساريو في التماهي مع القضية العربية الأولى ليس حبا فيها طبعا، بل من أجل السطو على كل تراكمات ومكتسبات الشعب الفلسطيني المشروعة من التعاطف والتضامن الدوليين والسطو على كل رموز القضية، بما فيها العلم الفلسطيني ومصطلحات الكفاح الفلسطيني كالانتفاضة والمخيمات وغير ذلك.

إننا إذن أمام حالة انهيار شديد لأكذوبة التمثيل الحصري لسكان الصحراء المغربية، وهي حلقة ضمن مسلسل تفكيك أطروحة انفصالية تكلف فيها جنرالات قصر المرادية ببناء صَنَمٍ من طِين وطُلِب من كل سياسي رخيص وإعلامي بئيس وقلم مأجور الانضمام إلى جوقة التهليل والتطبيل لمولود غير شرعي تَتبَرأ منه بَطْن وطِين الصحراء المغربية.

ومن المهم الإشارة إلى أن تلك “المضايقات القضائية” لم يكن المغرب طرفا فيها، بل تكلف غيره من المؤسسات الدولية والأوروبية بصفع جبهة البوليساريو ورميها خارج شرعية التمثيل الدولي. وهنا نرى ضرورة استحضار بعض فقرات خطاب المسيرة الخضراء لسنة 2015 حيث أكد صاحب الجلالة على “أننا نتكلم عن أبناء الصحراء الحقيقيين الوطنيين الصادقين الذين ظلوا أوفياء لروابط البيعة التي تجمعهم وأجدادهم عبر التاريخ بملوك المغرب”.

لقد حملت هذه الفقرة توصيفا دقيقا لشخصية الصحراوي المغربي، وربطها بقيم نبيلة كالوطنية والصدق والوفاء للبيعة، وفي الآن نفسه حملت إشارة الامتداد التاريخي وروابط البيعة التاريخية ليس مع ملوك الدولة العلوية الشريفة، بل كان الوصف جامعا لكل ملوك المغرب عبر التاريخ.

وبالحديث عن الامتداد التاريخي، فإن هذا الأمر يشكل عقدة بنيوية ليس فقط للبوليساريو بل للدولة الجزائرية أيضا؛ فكل ادبيات البوليساريو تنطلق بعد المسيرة الخضراء، أي سنة 1975، وكل المقالات وقصاصات الأقلام المأجورة تشترك في “لازمة” شهيرة تجعل تاريخ المنطقة يبدأ بتنظيم المسيرة الخضراء وبخروج المستعمر الإسباني وما تلا ذلك من أحداث يعرفها الجميع.

ونعتقد أن تكرار تلك “اللازمة” بتلك الوتيرة وبالأسلوب نفسه ليس صدفة، بل يهدف إلى إغراق محركات البحث والفضاء الإلكتروني بمعلومات مغلوطة وبلغات متعددة تُحصن بها الجزائر أطروحة انفصال البوليساريو.

لهذا، فإنها تشترك كلها في كتابة تاريخ المنطقة بعـد المسيرة الخضراء، في حين إن المغرب بصحرائه يمتد لقرون عديدة قبل الاستعمار، ولا يمكن أن نمزق التاريخ ونمزق روابط البيعة بين ملوك المغرب والقبائل الصحراوية منذ قرون عديدة، فقط باستعمال المال وشراء الذمم والاحتيال على الرأي العام.

لقد عمق خطاب الذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء من انهيار أكذوبة التمثيل الحصري البوليساريو بحديثه عن الشرعية، بقوله: “الشرعية الديمقراطية والشعبية التي حصل عليها المنتخبون تجعل منهم الممثلين الحقيقيين لسكان الأقاليم الجنوبية، سواء على مستوى المؤسسات الوطنية أو في علاقتهم بالمجتمع الدولي”، فالحديث عن شرعية التمثيل ليس بهدف تحقيق رغبة شخصية أو إرضاء ميول عدوانية عن طريق خلق “كيان وهمي” يتكلم لغة الابتزاز وخيانة الوطن وخيانة روابط البيعة ويخوض صراعا بالوكالة.

الشرعية مشروطة بتوفر عنصر الديمقراطية، أي الانتخابات، ومشروطة بالشعبية، أي التوفر على وعاء انتخابي والمشاركة، وهو ما لا تتوفر عليه جبهة البوليساريو، مما يجعلها فاقدة لقوة التمثيل الديمقراطي والشعبي، فيما ينخرط سكان الصحراء الوطنيون في كل التمارين الديمقراطية على المستوى المحلي والجهوي والوطني، ينخرطون عبر كل آليات الديمقراطية من خلال الأحزاب والنقابات المهنية والغرف التجارية ومجالس حقوق الإنسان، وهو ما أشار إليه الخطاب بعبارة “على مستوى المؤسسات الوطنية”.

كما أن ضمانة الشرعية الديمقراطية والشعبية لسكان الصحراء الوطنيين، يعطي لهؤلاء المنتخبين إلى جانب أهلية التمثيل أمام المؤسسات الوطنية، تمثيلهم أيضا على المستوى الدولي، وهو ما تم بالفعل بمشاركة منتخبين من الصحراء ضمن الوفد المغربي في محادثات جنيف والبرتغال إلى جانب مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتريس.

وبهذا، نكون أمام إجماع دولي ووطني على عدم شرعية جبهة البوليساريو في تمثيل سكان الصحراء المغربية الذين اختاروا ممثليهم عن طريق الآليات الديمقراطية في كل استحقاق انتخابي تحصنه ضمانات دستورية.

لكن خطاب المسيرة نفسه لسنة 2015 تضمن فقرة قوية جاء فيها: “فالصحراء ليست قضية الصحراويين وحدهم، الصحراء قضية كل المغاربة”، بمعنى أن الخطاب وسع من دائرة التمثيل ومن دائرة المعنيين لتشمل كل المغاربة، وهو ما يعني أن كل المغاربة معنيون بكل تفاصيل الملف ومآله وليس فقط سكان الصحراء المغربية.

وهنا نستحضر أحد قرارات المحكمة الفيدرالية الألمانية سنة 2017 برفضها إجراء استفتاء في “جهة بافاريا” للانفصال عن ألمانيًا، معللة ذلك بأن الدستور الألماني لا يسمح لأي إقليم أن يقرر من جانب واحد الانفصال عن الجمهورية الاتحادية الألمانية، وهو ما فسره البعض بأن طلب الاستفتاء من أجل الانفصال هو شأن كل الألمانيين وليس فقط شأن ذلك الإقليم.

ولأن “الصحراء قضية كل المغاربة”، فإننا نعتقد أن كل استفتاء بشأن الصحراء المغربية يستثني مشاركة كل سكان المغرب، هو استفتاء فاقد للشرعية، وقد آن الأوان أن تكف الأقلام المأجورة عن وصف كيان البوليساريو بالممثل الوحيد للصحراويين، لأن منظرهم أصبح مثيرا للشفقة أمام المؤسسات الدولية وأمام الصحراويين الوطنيين الأحرار.

hespress.com