الماكينة الألمانية والصفعة المغربية..
صورة: أرشيف


سعيد ابن عائشة


الأربعاء 3 مارس 2021 – 08:59

لأن الدبلوماسية الألمانية مثل الآلة، فقد اعتقدت أن المناورات ستستمر إلى ما لا نهاية.. ولأنها منبهرة بجمالها وقوة نفوذها، فقد كانت تتصور أن المغرب لن يكبر أبدا.. لذلك، كانت تمضي منظماتها في تمويل “الحلقيات” و”النقاشات” و”الخلايا الفكرية” و”غير الفكرية” داخل فضاءات أنيقة، معتقدة أن العقل المغربي جامد في مكانه.. والواقع أن المغرب انتبه، منذ سنوات، إلى معضلة التمويل الأجنبي للأنشطة التي تجعل من الديمقراطية وحقوق الإنسان عنوانا لها؛ لأنه لا يوجد عاقل في هذا العالم يمكنه أن يصدق أن هناك “رسلا للديمقراطية” يتحركون بالمجان في هذا العالم، فقط من أجل سواد عيوننا أو سواد رؤوسنا..

ولأن الألمان، (وكثير منا معجبون بالتجربة الألمانية، والماكينة الألمانية، وأشياء أخرى..)، واثقون من أنفسهم فيما يتعلق بالبرامج الموجهة نحو شمال إفريقيا، فلا أحد كان يتصور أن يصدر عن بلد عريق مثل المغرب قرار مفاجئ من حيث الشكل؛ ولكنه مبني على معطيات وتقارير خطيرة، يؤكد تعليق كافة أشكال التواصل مع سفارة ألمانيا في الرباط.. والسبب حسب اللغة الدبلوماسية، المعروفة بانتقائها للعبارات بعناية متناهية، هو وجود “سوء تفاهمات عميقة حول ما يخصّ قضايا أساسية للمملكة المغربية”.. بل إن المذكرة التي وقعها ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، طالبت أعضاء الحكومة المغربية بضرورة “تعليق كل أشكال التواصل والتفاعل والتعاون في جميع الحالات وبأيّ شكل من الأشكال مع السفارة الألمانية وهيئات التعاون الألمانية والمؤسسات السياسية التابعة لها…”..

لنتصور: ما هي أهم قضايا المملكة، بعد قضية الأمن القومي؟ أي مغربي يمكن أن يجيب عن هذا السؤال ببساطة؛ فألمانيا ورطت نفسها في الدعاية للمشروع الانفصالي، وإلا كيف يمكن للمسؤولين الألمان أن يفسروا للمواطنين المغاربة حكاية رفع علم “الجمهورية الوهمية” أمام برلمان ولاية ابريمن، في إطار مناسبة وهمية؟.. كيف سيكون إحساس عشاق ألمانيا ومحبيها في المغرب، وغيرهم من المواطنين، وهم يرون البلد الذي يقتنون سياراته ويشجعونه فرقه ويقبلون على منتوجاته يقوم بالدعاية لمشروع وهمي في الربع الخالي من الجزائر في الصحراء حيث لا طير يطير ولا وحش يسير؟ هل يعقل أن تكون ألمانيا التي في خاطرنا بكل هذا الجفاء؟ ألم يقل الألمان: “حتى الحيتان الكبيرة تفقد قوتها في الصحراء”؟.. في هذه الحالة، ربما فقد الحوت الألماني عقله، بمسايرة السراب، والذي لا يمكن أن يصبح بأي حال من الأحوال ماء..

انتهى عهد الخوف، ومغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس، عندما كانت ألمانيا تعتبر كل بلد إفريقي هو بلد متخلف بالضرورة، يمكن استعماره وسلخه وتعذيبه.. ما معنى أن تتطاول ألمانيا على المغرب، بمحاولة فرض نفسها في الملف الليبي كوسيط؟.. وإذا افترضنا أن من حقها ذلك، فما معنى أن تدعو إلى “مؤتمر برلين” كافة الأطراف، بمن فيهم خصوم المغرب، إلى الحضور، دون المغرب الذي يقف وراء “اتفاق الصخيرات” الذي يشكل الأرضية الوحيدة الصلبة في كل ما توصل إليه الليبيون منذ سقوط القذافي؟..

إنه “سوء فهم كبير”، وسوء تقدير للمصالح المشتركة، ومن أراد الوهم عليه أن يسكن فيه… وعلى الرغم من اللغة الدبلوماسية ومقاطعة السفير الألماني في الرباط، فإن الأمر لا يتعدى كونه صفعة على الطريقة المغربية.. في انتظار تحديث “برامج الماكينة الألمانية”، بما في ذلك برامج منظماتها الموازية في المغرب، وهي منظمات كثيرة ومعروفة؛ ولكن ما كل شيء يقال..

ألمانيا التمويل الأجنبي الصحراء سفارة ألمانيا في الرباط

hespress.com