قال المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي إن قطاع السياحة بالمغرب يُعاني من اختلالات هيكلية تستدعي إرساء إستراتيجية جديدة كفيلة بالنهوض بسياحة مستدامة مدمجة للساكنة وقادرة للصمود أمام التقلبات.

جاء ذلك في ندوة صحافية افتراضية نظمها المجلس، اليوم الثلاثاء، لتقديم الرأي الذي أعده بهذا الخصوص بعنوان: “السياحة، رافعة للتنمية المستدامة والإدماج: من أجل إستراتيجية وطنية جديدة للسياحة”.

وجاء ضمن الرأي أن قطاع السياحة يُعاني من إكراهات تنظيمية تتعلق على وجه الخصوص بتداخل الأدوار والاختصاصات بين الفاعلين المعنيين في القطاعين العام والخاص، وصعوبات الحصول على التمويل ونقص في الموارد البشرية المؤهلة ومحدودية العروض المقدمة في مجالي الترفيه والتنشيط السياحي.

كما تتجلى الاختلالات أيضاً في مواجهة الإستراتيجيات المعتمدة صعوبات في سبيل تحقيق أهدافها المرسومة، ناهيك عن إشكالية التركيز الثلاثي على مستوى المدن والجهات، وتوزيع الوافدين والمبيتات حسب بلد القدوم، وحسب المواسم.

ورصد المجلس الاقتصادي، وهو مؤسسة دستورية مستقلة ذات مهام استشارية، قصوراً على مستوى آلية القيادة، واعتماد آلية ترويج وتسويق لا تواكب التحولات؛ ناهيك عن غياب خريطة التشغيل السياحي وأدوات واضحة ومحددة للقيادة.

وقال أحمد رضى الشامي، رئيس المجلس، في تقديمه لهذا الرأي، إن المغرب نجح في تحسين أداء قطاع السياحة بشكل ملموس، إذ أصبح أول وجهة سياحة في إفريقيا؛ لكنه أشار إلى أنه “رغم ما تم إنجازه فإن الإمكانيات التي تزخر بها بلادنا في هذا المجال مازالت غير مستغلة بالقدر الكافي”.

وأكد الشامي أن “الصناعة السياحية واجهت من قبل عدة صعوبات مرتبطة بتطورات الظرفية الوطنية والدولية، غير أن جائحة كورونا ساهمت في تفاقم هذه الصعوبات بشكل كبير، وخلفت آثاراً اقتصادية واجتماعية قوية على دينامية هذا القطاع”.

وذكر المتحدث أن السياحة تعتبر من أكثر القطاعات المتضررة بسبب القيود المفروضة على الأنشطة المرتبطة بها، على غرار النقل البحري والجوي والفنادق والمتاجر والمطاعم والصناعة التقليدية، وهو ما كشفته الأرقام الرسمية من خلال تسجيل القطاع تراجعا بحوالي 67 في المائة على مستوى المداخيل ما بين يناير 2020 ويناير 2021.

ستة حلول للقطاع

وبناءً على الخلاصات المستمدة من تشخيص واقعِ حال قطاع السياحة وترصيد المبادرات الناجحة على الصعيد الوطني، والاستفادة من الدروس المستخلصة من التجارب الدولية، اقترح المجلس الاقتصادي جملة من التوصيات تتمحور حول 6 محاور رئيسية.

ويوصي المجلس في ما يخص المحور الأول المتعلق بالحكامة بوضع قانون إطار للسياحة وبإرساء تخطيط إستراتيجي مندمج، يضمن التقائية الوسائل والموارد، ويمكن من تتبع وتقييم مجموع سلسلة القيمة.

وبخصوص المحور الثاني، الذي يتناول السياحة المستدامة والمسؤولة، دعا المجلس إلى تفعيل الميثاق المغربي للسياحة المستدامة، والمساهمة من خلال النظام الجبائي في النهوضِ بالاستثمارات المستدامة والمُنتجة والمحدثة لفُرص الشغل والمُحفزة لخلق القيمة في المجالات الترابية التي تحتضن هذه الاستثمارات واعتماد مقاربة “سياحة 365 يوماً”.

أما في المحور الثالث، المتعلق بالرّقمنة، فيقترح المجلس اعتماد منظومة مغربية للحجز والأداء لتجنب خروج العملات الصعبة وتلقي العمولات من لدن فاعلين خارج المغرب، وكذا تطوير آلية التواصل الرقمي الرسمية بتسليط الضوء على حفز انتظارات الزبون.

وفي ما يتعلق بالمحور الرابع، الذي يتناول السياحة الداخلية، فيرى المجلس أنه من الأهمية بمكان اقتراح منتجات خاصة بالسياحة الوطنية بمختلف فروعها، على أن تتلاءم هذه المنتجات مع القدرة الشرائية للسائح المغربي.

كما يتعين، وفق رؤية المجلس، تشجيع السياحة الاجتماعية والتضامنية وتطوير المآوي الموجهة للشباب وابتكار عرض مناسب للمغاربة المقيمين بالخارج، مع الأخذ بعين الاعتبار أسلوبهم في العيش وأنماط استهلاكهم في مجال الأنشطة الترفيهية والرياضية.

وبالنسبة للمحور الخامس، فيتعلق بالرأسمال البشري، إذ شدد المجلس على أهمية إعادة النظر في مسالك التكوين المهني والجامعي ذات الصلة، من خلال تحيين خريطة التشغيل في القطاع السياحي والعمل على إبرام اتفاقية قطاعية جماعية في مجال التكوين وتعزيز الكفاءات.

أما المحور السادس فيهم التوطين الترابي، إذ قال المجلس إن الجهوية المتقدمة وميثاق اللاتمركز يشكلان فرصة لتحقيق التوازن في تنمية السياحة بين المجالات الترابية والوجهات السياحية، وهو ما يستدعي إرساء الالتقائية بين الإستراتيجيات الوطنية المتعلقة بقطاعات السياحة والثقافة والصناعة التقليدية والشباب والرياضة والتنمية المستدامة وغيرها، والحرص على توطينها على المستوى الترابي.

كما اقترح المجلس دعم تنفيذ الإستراتيجيات الجهويّة للسياحة المستدامة، من خلال مواكبة المجالس الجهوية في إعداد ووضع مشاريع في هذا المجال ضمن برامج التنمية الجهوية، وتقديم عرض متنوع يتمحور حول مسارات سياحية تعبر عدة مجالات ترابية ذات توجه سياحي مشترك.

hespress.com