يعد قطاع السياحة أبرز القطاعات المتضررة من أزمة فيروس كورونا المستجد، وهو ما سيجعل تحقيق تعافيه استعدادا لمرحلة ما بعد الأزمة، من خلال بحث سبل تطويره واستغلال كل الفرص المتاحة، تحديا كبيرا، وخصوصا على المستوى الرقمي.
وتعتبر السياحة أحد أكثر قطاعات الاقتصاد رقمنة في العالم؛ إذ تشير المعطيات المتوفرة إلى أن ثلثي رقم معاملاتها يتحقق عبر الأنترنيت. ورغم التباطؤ الناجم عن أزمة كورونا والقيود المفروضة على السفر، فإن حصة مشتريات المنتجات والخدمات السياحية عبر الأنترنيت تعرف ارتفاعا مستمرا.
وفي المغرب، تكشف الأرقام أن 90 في المائة من السياح الذين زاروا البلاد حجزوا أماكن إقامتهم عبر الإنترنيت بقيمة مالية تبلغ 149 مليون درهم، بحسب معطيات نشرها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ضمن تقرير له حول قطاع السياحة وسبل النهوض به.
وذكر المجلس الاقتصادي أن تثمين المنتجات والخدمات السياحية عبر المواقع الإلكترونية أو مقاطع الفيديو أو الشبكات الاجتماعية، أمر ضروري للتعريف بمؤهلات البلاد والحفاظ على النشاط السياحي في ظل عالم متصل.
وبحسب تحليل المجلس، يتجلى أن حضور المنتوج السياحي الوطني يظل خجولا، بل يكاد يكون غائبا عن المواقع والشبكات الاجتماعية؛ فعلى سبيل المثال، في الوقت الذي تعتبر فيه العلامتان التجاريتان “مراكش” و”الدار البيضاء” معروفتين جدا على الصعيد العالمي، يلاحظ أن الموقعين الإلكترونيين “marrakech.com” و”casablanca.com” لا يصدران عن مقاولات أو مؤسسات مغربية، مع أنهما موقعان بإمكانهما جذب عدد كبير من الزوار الذين يمكن أن يكونوا سائحين في المستقبل بالنسبة للبلاد.
وتسيطر عدد من المنصات الرقمية على سوق الوساطة في القطاع السياحي وتقترح على الزبائن شباكا وحيدا لمختلف حاجياتهم السياحية، من تذاكر وحجوزات الفنادق والرحلات والعروض.
ومنذ بدايتها خلال العقد الماضي، أصبحت هذه المنصات اليوم مقاولات كبرى تستحوذ على جزء كبير من السوق.
ويتبين هذا الاستحواذ من خلال إجراء عملية بحث عبر شبكة الأنترنيت؛ ذلك أن المسافر الذي يرغب في قضاء عطلته بمدينة مراكش يمكنه البحث عن “فندق مراكش” على محرك “جوجل” وسيحصل على عشرات الملايين من الاقتراحات، لكن المقترحات الأولى تضم أساسا “Booking” و”Expedia”.
واعتبارا لكون المجال الرقمي هو اليوم المدخل الأساسي للوصول إلى المنتجات السياحية، دعا المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي إلى تطوير آلية التواصل الرقمي الرسمية المرتكزة حاليا على الدعوة إلى زيارة المغرب “visitmorocco.com” والانتقال نحو تسليط الضوء على تحفيز انتظارات الزبون.
ويتطلب تحفيز انتظارات الزبون، وفق تصور المجلس الاقتصادي، أن تركز آلية التواصل على عرض “سردية” الرحلة إلى المغرب، وأن تجعل السائح يعيش تجربة إنسانية متفردة تسافر به في عوالم الأصالة والاكتشاف والتشويق والثقافة وفن الطبخ والحياة القروية.
كما دعا المجلس الاقتصادي إلى تطوير المنصات الرقمية “Morocco.com” و”casablanca.com” و”marrakesh.com” لجعلها رافعة لتعزيز إشعاع المغرب بشكل عام، وبعض مدن المملكة وجهاتها على وجه الخصوص.
ومن أجل ربح رهان الرقمنة في القطاع السياحي المغربي، مطلوب من الفاعلين المغاربة في مجال الإيواء أن يجتمعوا من أجل إجراء مفاوضات مشتركة مع الشركات الرقمية العملاقة، والارتقاء بالعرض السياحي المتعلق بـ”المغرب” و”الجهات”.
وفي هذا الصدد، تبرز الحاجة بشكل ملح لاعتماد منظومة مغربية للحجز والأداء لتجنب خروج العملات الأجنبية إلى الخارج، والتمكن في الوقت نفسه من تلقي العمولات من لدن فاعلين خارج المغرب.
كما تضمنت مقترحات المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أيضا وضع آلية لليقظة وتتبع التفاعل مع العرض المغربي عبر شبكة الإنترنت، من أجل تحليل العروض والمنتجات الوطنية بما يمكن من التحسين المستمر لصورة المغرب على المستوى الدولي.