ينتمي دوار المرس ولاد عمر إلى النفوذ الترابي لجماعة المعدر الكبير بإقليم تزنيت، ويشكل تجمعا سكانيا يضم أكثر من 200 أسرة تعيش أغلبيتها على الأنشطة الفلاحية كمصدر لجني قوتها اليومي، متحدية بذلك جملة من الإكراهات التنموية الغالبة على المنطقة، والمتمثلة أساسا في غياب عدد من ضروريات العيش والاستقرار.
العزلة والرحل
يعتبر مشكل النقل العمومي من وإلى المرس ولاد عمر، واحدا من بين أكبر المشاكل اليومية التي تعيش على وقعها الساكنة المحلية، الشيء الذي جعل من سيارات النقل السري الملاذ الأول والأخير للمواطنين، قصد تبديد شبح العزلة الذي لازمهم لسنوات طويلة، ومعه قضاء أغراضهم الشخصية، سواء بمركز الجماعة أو بمدينة تزنيت.
كما تعاني المنطقة من ظاهرة الاعتداءات المتتالية للرعاة الرحل على ممتلكات الساكنة، شأنها في ذلك شأن العديد من دواوير إقليم تزنيت، التي تجد مزروعاتها الفلاحية، بين الفينة والأخرى، أمام هجمات متتالية لجحافل الأغنام والإبل، وهو ما يؤثر سلبا على مواردهم المعيشية، ويهدد بشكل مباشر ظروف استقرارهم.
الطرق والكهرماء
بخصوص الإكراهات الكبرى التي يعرفها الدوار، قال الفاعل الجمعوي، محمد سوميس، إنها تتلخص في عدة قطاعات؛ على رأسها الربط الطرقي والكهرباء والماء الصالح للشرب والتعليم والخدمات الصحية، إضافة إلى مشكل الرعاة الرحل الذي يتجدد كل سنة، منتهكا معه ممتلكات الساكنة في خرق سافر للقانون والأعراف المجتمعية.
وأورد رئيس جمعية أجيال المرس للتنمية المحلية، في تصريح لهسبريس، أن مشروع تعبيد الطريق المؤدية إلى الدوار على طول كيلومترين، كان في طور التنزيل بعد إعداد الدراسة التقنية من طرف جمعية المرس للتنمية المستدامة بفرنسا، ومساهمة المجلس الإقليمي بمبلغ 40 ألف درهم، غير أن غياب دعم المجلس الجماعي المعدر أدى إلى إقباره.
وأوضح المتحدث ذاته أنه وفي إطار التوسع العمراني الذي تعرفه المنطقة، لازال أغلب المواطنين يعيشون بدون كهرباء بسبب التكاليف الباهظة والإجراءات المعقدة التي يفرضها المكتب الوصي على القطاع، من أجل تقريب الأعمدة الكهربائية من المنازل المقصية، وهي المعاناة نفسها التي يعيشها السكان مع الماء الصالح للشرب، باقتصار الجهات المختصة على تزويد الدوار بنقطتين للسقي فقط دون أن تبادر إلى تمكين المستفيدين من الإيصالات الفردية.
الصحة والتعليم
أشار الفاعل الجمعوي إلى أن المنطقة تفتقر إلى أبسط الخدمات الصحية التي يكفلها الدستور المغربي، حيث تنعدم أي مؤسسة صحية بالدوار. كما أن الدوريات المنظمة من طرف المندوبية الإقليمية للقطاع لا يتم إشعار الساكنة بموعدها، هذا في الوقت الذي تغيب فيه الحملات الطبية والتحسيسية بشكل كامل.
وتابع قائلا: “وفي ما يخص الجانب التعليمي والتربوي، فإن المرس ولاد عمر يتوفر على فرعية مدرسية وحيدة مكونة من قسمين فقط، وتنعدم فيها الشروط الأساسية؛ من مرافق صحية وربط كهربائي وسور يحمي أطفالها، وفي المقابل يتكبد التلاميذ المتمدرسون بالسلكين الإعدادي والثانوي عناء التنقل إلى مركز الجماعة على طول مسافة 8 كيلومترات في ظل غياب النقل المدرسي، وهو ما يتسبب في ارتفاع ظاهرة الهدر المدرسي”.
مسؤولية الجماعة
عزا المتحدث ذاته الإقصاء الذي يعيشه الدوار إلى تصفية الحسابات السياسية بالمنطقة، مشيرا إلى أن معظم الدواوير الممثلة بالمجلس الجماعي استفادت من المشاريع التنموية لسنوات ولازالت تستفيد إلى حدود الآن، وبالتالي فإن المسؤولية الكاملة يتحملها المنتخبون والمجلس الجماعي المعدر الكبير.
وفي مقابل ذلك، يقول سوميس إن جمعية أجيال المرس وجمعية المرس للتنمية المستدامة بفرنسا، تسعيان دوما إلى البحث عن سبل لتنمية الدوار في جميع المجالات رغم الصعوبات التي تعيشها، حيث سبق لها أن قامت بإنجاز الدراسات التقنية للطريق المؤدية إلى الدوار، فضلا عن حفر ثلاثة ثقوب بتكلفة مالية ناهزت 62500 درهم، من أجل المساهمة في تجاوز أزمة قلة التساقطات المطرية، بالرغم من أنها تقاسي غياب الدعم من الجهات الرسمية، مع إغلاق جميع المنافذ أمامها للاستفادة من البرامج الوطنية.
وطالب رئيس جمعية أجيال المرس للتنمية المحلية، في ختام تصريحه لجريدة هسبريس، الجهات المسؤولة، وعلى رأسها جماعة المعدر الكبير، بالإسراع إلى ربط الدوار بطريق فرعية، وإصلاح وترميم المؤسسة التعليمية الكائنة بالمنطقة، وتوفير النقل المدرسي للتلاميذ، والعمل على ربط الدوار بالعدادات الفردية للماء، وكذا تمكين المقصيين من حقهم في الكهرباء، فضلا عن دعم الهيئات الجمعوية والدخول معها في شراكات، إلى جانب وضع حل نهائي لمشكل الرعاة الرحل.
رئيس الجماعة يوضح
في تعقيب له حول الموضوع، قال أحمد أكزور، رئيس المجلس الجماعي المعدر الكبير، إن “دوار المرس أولاد عمر من بين دواوير الجماعة التي تضم 33 دوارا، وعملنا خلال هذه الولاية على نهج سياسة العدالة المجالية، رغم الإكراهات والصعوبات التي يعرفها العالم القروي، خاصة وأن جماعتنا ذات موارد محدودة”.
وأضاف أكزور، في تصريح لهسبريس، قائلا: “قصد سد الخصاص المتعلق بالماء، عملنا على إنجاز الدراسة التقنية الخاصة بتزويد المرس ولاد عمر بواسطة الإيصالات الفردية مصادق عليها من طرف الجهات المختصة، كخطوة استراتيجية لتعميم هذه المادة الحيوية، كما ترافعنا من أجل تمويل هذا المشروع عبر مراسلة عدة جهات؛ منها وزارة الفلاحة ووكالة ONDZOA وجهة سوس ماسة ووزارة التجهيز وعمالة إقليم تيزنيت ومكتب الكهرماء، وهي الدراسة التي قمنا بتسليمها لجمعية ولاد عمر بفرنسا بهدف الترافع عنها”.
“وبخصوص الاستفادة من تمديد المنازل السكنية بالكهرباء، قامت الجماعة بإنجاز الدراسات التقنية لهذه المنازل من طرف المكتب الوصي على الكهرباء بتزنيت، وتوصلنا بهذه الدراسات نهاية شهر نونبر 2020، وننسق مع إدارة المكتب الإقليمي لتزنيت ومجلس الجهة من أجل التمويل”، يورد المسؤول الجماعي ذاته.
أما بالنسبة لمدرسة المرس، فأوضح أحمد أكزور أنها من اختصاص وزارة التربية الوطنية، مشيرا إلى أن السور يحتاج إلى إعادة بنائه بمبلغ مهم، وسبق له أن اتصل بمسؤولي المديرية بخصوص إمكانية ربط هذه المدرسة بالكهرباء فرحبوا بالفكرة، إلا أن قدوم جائحة كورونا وتوقف الدراسة منذ منتصف شهر مارس الماضي حال دون استكمال هذا الإجراء.
“وفي الجانب المتعلق بالخدمات الصحية، فدوار المرس تابع للمركز الصحي للمعدر الذي يتوفر على الإمكانيات الضرورية لتقديم الخدمات الصحية للساكنة في أحسن الظروف، وقد تمت إعادة بناء هذا المستوصف حديثا ليستجيب لهذه المتطلبات، وتقوم مديرية الصحة في تزنيت بتنظيم حملات طبية بواسطة الوحدة المتنقلة كل 3 أو 4 أشهر على أبعد تقدير بداخل الدوار أسوة بباقي الدواوير”.
وعن الطريق الرابطة بين مركز المعدر ودوار المرس، أشار أكزور إلى أن الجماعة قامت بإنجاز الدراسة التقنية للطريق، التي تمر وسط الدوار وتربطه بالطريق المرقمة، باعتبارها المهمة والرئيسية لساكنة دوار المرس، “فبدل التنسيق معنا لتمويل هذه الطريق، اختارت إحدى جمعيات هذا الدوار إنجاز دراسة تقنية لطريق أخرى تؤدي إلى منزل أحد الأعيان، ونسقت بخصوص تمويل هذا المقطع مع المجلس الإقليمي لتزنيت، وتفاجأنا في الجماعة بالمصادقة على اتفاقية المشروع دون أن نتوصل بأية مراسلة في الموضوع، ففهمنا حينها أن الهدف الرئيسي من تلك البرمجة هو إحراج الجماعة أمام الرأي العام”.
“وفيما يخص مشكل النقل العمومي، فلا بد من الإشارة إلى أن شركة حافلات LUX المكلفة بالنقل العمومي سبق لها أن برمجت دواري الكرارة والمرس ضمن خطوطها، ولكن عدم إقبال سكان دوار المرس على الحافلات وتفضيلهم للنقل المزدوج، هما عاملان أديا إلى إلغاء هذا الخط والاكتفاء بخط أولاد النومر عبر أكلو، وقد سبق لنا أن تدخلنا حبيا لمعالجة الأمر لدى مصالح العمالة، إلا أن هذا الموضوع يحتاج إلى بذل مجهود أكبر وحل موضوعي يرضي جميع الأطراف”.
“كما لا يمكن القول إن أغلبية سكان دوار المرس أولاد عمر يتهموننا بالإقصاء، لأن هناك قدرا كبيرا منهم يقدرون المجهودات التي نقوم بها على الميدان، لكن هناك بالمقابل من يتهم الجماعة بتهميش الدوار، مع العلم أن نسبة زيادة مصابيح الإنارة العمومية بدوار المرس أولاد عمر بالمقارنة مع الوضعية السابقة هي 75%، وهنا أتساءل عن سبب تسييس جمعيات الدوار، وكذا دور ممثل هذه الدائرة من أجل الترافع عن بلدته استكمالا للأدوار التي نقوم بها في هذا المجال”، يوضح أكزور.
أما فيما يتعلق بمشكل الرعي الجائر، فقال رئيس المجلس إن “هذا الأخير سبق له أن تداول هذه الاعتداءات منذ سنة 2017، ثم بعده في دورة 06 فبراير 2020، وراسلنا عامل الإقليم بصفته رئيس اللجنة الإقليمية لتتبع الرعاة الرحل، من أجل تفعيل دور الهيئة الرقابية وحماية الممتلكات الخاصة للساكنة”.