انتهت أزمة “الخليج” وطويت صفحة الخلافات التي دامت لأكثر من ثلاث سنوات دون أن يفقد المغرب أحد حلفائه الخليجيين المتخاصمين، بعدما اختار اتّباع خيار “الحياد الإيجابي” في تعاطيهِ مع “الهزّات” التي ضربت البيت الخليجي، وهو موقف “سيادي” يعكس مصداقية و”نضج” خطاب الدّبلوماسية المغربية في مجاراة “أزمات” عابرة.
وظلّ المغرب يعلن حياده تجاه الأزمة التي اندلعت داخل البيت الخليجي منذ بداية صيف 2017 من خلال تدهور العلاقات بين السعودية والإمارات والبحرين ومصر ودول عربية أخرى من جهة، وقطر من جهة ثانية.
ووفقا للمقاربة المغربية، ظلّت الرباط تبسط يد الوساطة في هذه الأزمة، حيث شدّدت الخارجية المغربية على “استعداد المملكة لبذل مساع حميدة من أجل تشجيع حوار صريح وشامل على أساس عدم التدخل في الشؤون الداخلية، ومحاربة التطرف الديني والوضوح في المواقف والوفاء بالالتزامات”.
وحرص المغرب طوال الأزمة على عدم الانزلاق وراء التصريحات واتخاذ المواقف المتسرعة، التي لا تقوم “سوى بتأجيج الاختلاف وتعميق الخلافات”، كما دعا الملك محمد السّادس مجموع الأطراف إلى ضبط النفس، والتحلي بالحكمة من أجل التخفيف من التوتر وتجاوز هذه الأزمة وتسوية الأسباب التي أدت إليها بشكل نهائي، انسجاما مع الروح التي ظلت سائدة داخل المجلس.
وتربط المملكة المغربية علاقات قوية بدول الخليج في كافة المجالات، رغم البعد الجغرافي. وقالت الخارجية المغربية خلال بداية الأزمة إنها “تشعر بأنها معنية بشكل وثيق بهذه الأزمة دون أن تكون لها صلة مباشرة بها”، مردفة أن المملكة المغربية تفضل حيادا بناء لا يمكن أن يضعها في خانة الملاحظة السلبية لمنزلق مقلق بين دول شقيقة.
وقال إلياس الموساوي، باحث في العلاقات الدولية، إن “موقع الحياد الإيجابي الذي عبر عنه المغرب في بداية الأزمة الخليجية كان مدروسا وعقلانيا إلى حد كبير بعدما قرر عدم التموقع مع هذا الطرف أو ذاك، وبعدما بادر إلى وساطة من أجل حل النزاع بين الأطراف المتطاحنة”.
وأضاف في تصريح لهسبريس: “اليوم، ومع بداية عودة المياه إلى مجاريها، أضحى هذا الموقف أكثر قيمة، وصار يزن ذهباً بحكم عدم تشكل أي خصومة أو عداء مع أي من الأطراف، الأمر الذي جعل الرباط محل احترام الجميع بعد مرور ثلاث سنوات على بداية الأزمة”.
وشدد المحلل ذاته على أن “هذا الموقف الدبلوماسي المتزن، بدأ المغرب يجني ثماره في ملف الصحراء، بعدما عبرت جل الدول الخليجية عن مساندتها للخطوة التي أقدم عليها المغرب في الكركرات، هذا النصر تضاعف بعد أن فتحت بعض الدول قنصليات لها في الأقاليم الجنوبية، واستعداد أخرى للقيام بخطوات مماثلة، في إجماع نادر من طرف الدول الخليجية على مساندة نفس القضية”.
وختم الموساوي تصريحه لهسبريس قائلا: “لا شك أن هذه المكاسب ستتضاعف مستقبلا، خصوصا في الجانب الاستثماري وبعض الهبات التي تأتي على أشكال متنوعة”.