قال الأكاديمي محمد المصباحي، المتخصص في الدراسات الرشدية وقضايا الفكر العربي الإسلامي، إنه لا يمكن الحديث عن علاقته بالفقيد عبد الوهاب التازي سعود، الذي كان رئيسا لجامعة القرويين وعميدا لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، دون الإشارة إلى “المكانة المرموقة التي كانت تحتلها شعبة الفلسفة في نفسه”.
جاء ذلك في كلمة ألقاها محمد المصباحي في ندوة تكريمية لعبد الوهاب التازي، أعاد نشرها.
وأضاف المصباحي أنه رغم الصعوبة التي يطرحها تدبير كلية ظهر المهراز التي كانت محتدة على الدوام، ورغم ضراوة الصراع أحيانا كثيرة، في السبعينات والثمانينات عندما كانت شعبة الفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النفس بؤرة المشهد الجامعي، إلا أن عبد الوهاب التازي “استطاع أن يديرها بكفاءة عالية”.
وتابع قائلا: “لم تكن ضراوة هذا الصراع، أحيانا، لتجرف انفعالاته عن مجراها الطبيعي، وتحولها إلى غضب وحقد حيال طلبة شعبة الفلسفة أو أساتذتها، بل كان يكن لهم، بالرغم من ذلك، حبا وتقديرا كبيرين. لقد كانت الشعبة بأساتذتها وطلابها صعبة المراس، ولكنها كانت أيضا أقرب إلى قلبه وعقله، لأنها كانت في نهاية الأمر تتكلم بلغة العقل والحكمة والمسؤولية، التي هي قريبة إلى لغة القلب.”
واستحضر المصباحي قيادة عبد الوهاب التازي كلية الآداب بفاس، التي لم تكن تعني فقط تدبير “بضعة آلاف من الطلبة، وبضع مئات من الأساتذة والموظفين”، بل عنت على الأخص “تدبير سياسة علمية وثقافية لمجتمع علمي معقد، يتكون من اتجاهات فكرية وعلمية وثقافية متباينة، كما يتركب من حساسيات إيديولوجية وسياسية بالغة الدقة والتعقيد، مما يجعل تدبير هذا المركب من المشاكل أمرا بالغ العواصة والحرج، ويحتاج إلى حنكة ومهارة فائقة للقيام بدور الحكَم في صراعات محتدة لا تنتهي”، وهي الحنكة التي “لا تتوفر إلا لدى القلة من الناس”.
ومع ذلك، “نجح العميد عبد الوهاب في تسيير هذه الكلية زهاء عقدين من الزمن. وما كان ليتوفق في عمله ورسالته لولا أنه كان يضع نصب عينيه في المقام الأول المصلحة العليا للبلاد، والمصلحة العلمية لهيئة الأساتذة، والمصلحة التربوية والعلمية الرفيعة للطلاب”، ولأنه “كان يَعتبر العمادة أمانة أخلاقية وعلمية وفكرية من الواجب الوفاء بالتزاماتها كاملة”.
وأبرز الأكاديمي محمد المصباحي أن مرحلة عبد الوهاب التازي “كانت تشكل في حقيقة الأمر العصر الذهبي للإدارة الجامعية المغربية، لا سيما وأنها كانت تتمتع بوسائل واسعة للتنفيذ والتدبير”، موردا أن “عبد الوهاب باختصار هو مؤسس كلية الآداب بفاس، إداريا وعلميا وثقافيا. فقد واكب الكلية تقريبا منذ تأسيسها إلى أن أصبح رئيس جامعة القرويين. وحتى عندما غادرها ترك على رأسها عميدا كفؤا غيورا على الحفاظ على تراث الكلية”.
وأكد المصباحي أن عبد الوهاب التازي لم يكن يتعامل مع الكلية “كرجل إدارة”، بل “كمحب لها وللمدينة التي توجد في قلبها، مدينة فاس”، وجمع “إلى جانب الحزم الإداري، الدعابة والحيوية والمرح وحسن التخلص”، و”مكنت اتصالاته الواسعة، ونفوذه في الإدارة المركزية، من جلب مكتسبات لا حصر لها للكلية. ولعل ما كان يساعده على ذلك بشاشته، وحسن معشره، وسلاسة لسانه، ونبل نفسه، ونفاذ آرائه”.
وسجل الأكاديمي محمد المصباحي أن تكريم عبد الوهاب التازي “ليس تكريما لشخص، بل هو تكريم لعمل؛ عمل بناء بطيء، ولكنه متين، لأحد أركان العلم والثقافة المغربية، كلية آداب فاس”، قبل أن يجمل قائلا: “إننا إذ نكرّم الأستاذ عبد الوهاب التازي، فإنما نكرم في نفس الوقت كلية الآداب التي قضى في خدمتها زهرة عمره”.