السبت 16 يناير 2021 – 08:09
كثيرون يتحدثون اليوم عن “المغرب الذي نريد”، لكن كل جهة تفصل مغرب المستقبل على مقاسها، وبعض الذين يتحدثون عن المستقبل يتحدثون بطبيعة الحال عن مستقبلهم الشخصي والعائلي ولا علاقة للأمر بمستقبل البلاد.. وفي جميع الحالات يمكن للمتتبعين أن يتفهموا الخلافات التي يمكن أن يقع فيها أصحاب تصورات المستقبل.. لكن الأكيد أننا لن نختلف عن شكل “المغرب الذي لا نريد”.
مَن مِن المغاربة اليوم لا ينظر بقلق كبير إلى انتشار جحافل المتسولين، الذين يملؤون الطرقات والمدارات وملتقيات الطرق عند الإشارات الضوئية؟ من منا لا يهتز قلبه لرؤية طفل أو طفلة وهي تتشبث بعجلات سيارة متوقفة عند الإشارة الحمراء، مستعطفة السائق أو السائقة لكي تشتري منها ورق “كلنكس”؟ كيف يمكن تقبل مشهد تهافت المتسولين على زبناء المتاجر الممتازة والمتاجر العشوائية في المدينة القديمة؟..
بعض المتسولين يلجؤون إلى أسلوب الاستفزاز، كما يلجؤون في بعض الحالات إلى تعريض حياتهم للخطر بالارتماء المباغت في حضن الطريق السيار، بل إن جل الأماكن السياحية، بخلاف كافة بلدان العالم، توجد تحت رحمة شبكات منظمة للتسول الاحترافي المنظم، ولا سبيل لالتقاط صورة تذكارية دون التعرض للخطر أو التعرض لأحد مشاهد البؤس.
ما فائدة بناء ناطحة سحاب، وما فائدة بناء دار سينما عملاقة أو متاجر كبرى.. إذا كان الزبناء سيجدون في استقبالهم مجرمين أو متسولين لفظهم المجتمع دون رحمة أو شفقة؟.. والمغاربة يقولون “الله يحسن العون”، لكن تكرار الظاهرة يوميا يفرض دق ناقوس الخطر حول انحراف مجتمعي ينبغي معالجته بشكل حاسم..
ما معنى أن تتحدث عن مدينة للأنوار أو مدينة للاقتصاد أو الثقافة.. بينما لا يجرؤ أي مواطن على شرب قهوته أو تناول وجبة غدائه البسيطة في منتزه عام دون إزعاج من المتطفلين؟ وما فائدة هذه الحدائق العمومية إذا كانت ستقع تحت قبضة المشردين؟ أين الدولة؟ أين الوزارة؟ أين الخلل؟ هل يعقل أننا أسسنا دولة على مدى قرون لإنتاج كل هذا البؤس في النهاية؟..
أين هم الشباب الذين يتزاحمون على دور السينما والثقافة وطلاب العلم الذين يتسابقون على المكتبات؟ أين هم أولئك الأطفال الذين يحترمون الأكبر سنا؟ وأين هم الأكبر سنا الذين يوقرون الأصغر سنا؟ أليست هناك جهة قادرة على التدخل الصارم لمعالجة الظواهر الحاطة من كرامة الإنسان، ورعاية صورة حضارية أكثر جمالا للمغرب أمام الأجانب والمواطنين؟..
هل هي الرشوة؟ هل هو انعدام كفاءة المسؤولين؟ هل المتسولون متواطئون؟ هل هناك من يصر على إحراجنا أمام أنفسنا وأمام العالم بهذه الطريقة؟.. كلها أسئلة نطرحها كل يوم، ونتمنى أن تزول الغمة.