الجمعة 28 ماي 2021 – 08:23
حكومة العثماني، حكومة فاشلة، صامتة، متناقضة. والحزب الذي يقود الأغلبية، حزب تائه بين أبجدياته وحركته الدعوية. ومن الطبيعي أن تكون هناك معارضة لهذا النوع من الحكومات التي تبني وجودها على “شرعية هجينة”، لكن أن تتطور المزايدات إلى حد الاستهتار بمستقبل البلاد كاملة، فإن الأمر يستدعي وقفة للتأمل، لأن الوطن ليس مكونا من وزراء وبرلمانيين فقط.
وكما يعلم الجميع، فالمغرب يوجد اليوم في قلب معركة كبيرة لإثبات الذات على المستوى الدولي، وهناك رجال ونساء لم يناموا طيلة الأشهر الأخيرة لكي يكون هناك اعتراف أمريكي رسمي بمغربية الصحراء، وهناك من يجوب العالم طولا وغربا لضمان استفادة المغرب ضمن الدول الأولى من اللقاح ضد فيروس كورونا، والمعارك كثيرة… بل إن اللحظة لم تعد تقبل التراخي بعد ظهور جحافل المهاجرين المتوجهين بشكل جنوني نحو الثغور المحتلة، في الوقت الذي مازال فيه المغرب ينتظر توضيحات أكثر بخصوص استعمال بيانات مزورة لتمكين زعيم البوليساريو ابراهيم غالي من دخول إسبانيا للعلاج أو لأغراض أخرى، طالما أننا نتحدث عن التزوير، والذي يزور أوراق ثبوتية، يمكنه أن يزور بكل سهولة موضوع الزيارة، والغرض منها…، وتغليف كل ذلك بغطاء الدواعي الإنسانية.
المغرب وسط معركة دولية شرسة، لكن النواب المحترمين، وحكومتهم المحترمة، منشغلون بالهواجس الانتخابية، وبموضوع “تقنين زراعة القنب الهندي لأغراض مشروعة”، بل إن المزايدات وصلت إلى حد تهديد أحزاب المعارضة باستعمال الفصل 105 من الدستور، الذي يعطي للنواب الحق في معارضة مواصلة الحكومة لمسؤولياتها بالتصويت على ملتمس للرقابة، رغم أن مقترحا من هذا النوع يبقى صعب المنال بسبب شروط اللجوء إليه، حيث “لا يقبل هذا الملتمس إلا إذا وقعه على الأقل خُمس الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس، ولا تصح الموافقة عليه من قبل مجلس النواب إلا بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم، ولا يقع التصويت إلا بعد مضي ثلاثة أيام كاملة على إيداعه. وتؤدي الموافقة على ملتمس الرقابة إلى استقالة الحكومة استقالة جماعية”.
فقد ارتأى كل من حزب الأصالة والمعاصرة وحزب الاستقلال وحزب التقدم والاشتراكية معاقبة نواب حزب العدالة والتنمية الذين صوتوا ضد مشروع تقنين زراعة القنب الهندي، مؤخرا، برفع ملتمس رقابة لإسقاط الحكومة ككل، وإذا كانت المسألة مقبولة من حيث الشكل، حيث يفترض في الحزب القائد للأغلبية أن يصوت على مشاريع القوانين التي تقترحها الأغلبية، فإن توقيت اختيار المعارضة لإعمال مسطرة ملتمس الرقابة كان اختيارا شاردا، لأنه لم يراع السياق الدولي.
لحسن الحظ أن الأحزاب المذكورة تراجعت في اللحظة الأخيرة عن الترتيبات التي تم الشروع فيها لعقد ندوة صحافية لشرح مبررات اللجوء لاستعمال الفصل 105 من الدستور، وكلها مبررات تتمحور حول استعمالات القنب الهندي. ومبرر التراجع كان هو “الخوف من أزمة سياسية ودستورية”. ألم يكن حريا بهذه الأحزاب التفكير في أبعاد هذه الخطوة قبل الإعلان عنها؟ ألا يفترض في أحزاب المعارضة أن يكون لها بعد نظر؟ ثم لماذا هذا الإصرار على إعمال ملتمس رقابة ونحن على أبواب الانتخابات؟ ألم يكن حريا بالجميع انتظار لحظة الامتحان الشعبي بدل اللجوء إلى المزايدات، وكما يقال “عند الامتحان يعز المرء أو يهان”؟