أحداث مؤلمة حقا تلك التي جرت على أرض فلسطين، إنها حالة حرب حقيقية، استعمال مبالغ فيه للقوة من الجانب الإسرائيلي الذي في الواقع كان هو البادئ، في استهداف الفلسطينيين وترويعهم واستفزاز مشاعرهم، اعتداءات بالجملة على المسجد الأقصى، ومنع المصلين منهم من ولوج باحته لإقامة الصلوات، كذلك العمل بكل الوسائل على تهجير السكان من مساكنهم خاصة في حي الشيخ جراح لوضعها بعد ذلك رهن إشارة المستوطنين. يتم كل ذاك تارة بالعنف والغصب والإكراه، وتارة أخرى من خلال تطويع الآلة القانونية والقضائية لاستصدار أحكام بالإفراغ وترك المنازل. وذلك دون أدنى احترام للقانون الدولي والمواثيق الدولية والقرارات الأهمية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية.

لقد طال أمد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ولا يبدو أن هناك حلا يرضي الجميع، على الأقل في الأفق القريب، بالنظر إلى سياسة أو بالأحرى إلى عقيدة الحاكمين اليوم في إسرائيل، الذين يستغلون في الكثير من الأحيان هذا الصراع لأغراض انتخابوية وسياسية، وبالنظر كذلك إلى ارتفاع منسوب التطرف في الآونة الأخيرة في صفوف الإسرائيليين بشكل عام وزيادة أطماع المستوطنين بشكل خاص.

الصراع الفلسطيني الإسرائيلي صراع معقد جدا، ومخطئ من يعتقد بأن الحل في الوقفات والمسيرات الشعبية وإن كانت مهمة وأساسية، لا حل من دون الرجوع إلى نقطة البدء، وتذكير الجيل الحالي، بأنه في غفلة من الغفلات، وفي ظروف تاريخية خاصة جدا، جيء بأناس من كل بقاع الدنيا إلى هناك، إلى أرض فلسطين، حيث كان الفلسطينيون يعيشون في أمن وأمان، جيء بهم ذات عام 1948، وذلك بتواطؤ مع دول كبرى آنذاك، وتم منحهم أرضا ليست أرضهم.

73 سنة مرت على هذا التاريخ أو على ما سمي حينها نكبة، وهي فعلا نكبة وأي نكبة؛ أن تجرد شعبا من أرضه ووطنه وهويته وتهدي هذه الأرض وهذا الوطن إلى لشعب آخر وافد.

ومنذ ذلك التاريخ، لم تتوقف الأحداث، ولن تتوقف برأيي، حتى يعود الحق لأصحابه؛ وهو شأن كل دولة محتلة أمام شعب يقاوم حتى النصر واسترجاع كامل الحقوق؛ دروس التاريخ البعيد والقريب كذلك، وملاحم الشعوب والأوطان من أجل الحرية والانعتاق كثيرة وكثيرة جدا.

أيضا، في المقابل السياسة واقعية وبراغماتية، حوار وتفاوض، أخد وعطاء، توافقات وتنازلات من جميع الأطراف، ما لا يدرك كله لا يترك بعضه كما يقال.
سنوات مرت، والظروف وموازين القوى تغيرت كثيرا، وإسرائيل اليوم ليست هي إسرائيل الأمس؛ ولا أتصور أن الحل في استمرار أحد الطرفين في العمل بكل ما أوتي من قوة لإزاحة الطرف الآخر، سواء فلسطين أو إسرائيل؛ حل الدولتين يبقى هو المخرج الوحيد الواقعي لهذا الصراع.

صحيح يجب المقاومة ثم المقاومة ولكن ليست المقاومة إلى ما لا نهاية. بالموازاة مع ذلك يجب التفاوض للوصول إلى حل، فلا مقاومة من أجل المقاومة ومن دون فتح جبهة للتفاوض.

وهذا ما أدركه مبكرا ملوك المغرب، فكانت لهم ولا تزال صولات وجولات وبصمات، باع كبير في ما يتعلق بقضية الشرق الأوسط الأولى القضية الفلسطينية.

لا أظن أن هناك مستفيدا من هذه الأحداث؛ الكل خاسر، سواء في إسرائيل أو في فلسطين، سواء نتنياهو أو حزب الليكود أو حركة حماس.

لا أحد من الطرفين يقبل بأن يعيش في حالة الخوف والرعب واللااستقرار كل هذه العقود من الزمن.

حينما نشاهد الصور المروعة التي تأتينا من هناك من أرض فلسطين والتي توثق لجرائم حرب حقيقة وجرائم ضد الإنسانية: دمار وخراب، قتلى بالمئات وجرحى بالآلاف، من النساء والشيوخ والأطفال، اعتداء على الحرمات، على البشر وعلى الحجر، على البنى التحتية وعلى الدور السكنية وحتى على الأبراج التي تأوي المنظمات غير الحكومية والمؤسسات الصحفية.

الجميع أصبح اليوم مقتنعا بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي يبحث عن أي حبل نجاة لإنقاذ نفسه أولا، ويبحث في الوقت نفسه عن كسب تعاطف الأحزاب الراديكالية من أجل تكوين حكومته، ولو على حساب المصلحة العليا لدولته ولو على طريق الجثث والأشلاء. وهذا ليس بغريب عن نتنياهو وجماعته كلما ضاقت به السبل.

إن بصمات المغرب تجاه القضية الفلسطينية، عديدة ومتنوعة ودائمة في الزمن؛ شعبيا، وسياسيا، وماليا وديبلوماسيا كذلك؛

المغرب كان دائما ولا يزال حاضرا إلى جانب الفلسطينيين، موقف المملكة المغربية من القضية الفلسطينية موقف واضح وثابت ورائد في كل الوطن العربي والإسلامي، بل وكان دائما منحازا لأصحاب الحق؛ الحق في أن تكون لهم دولة كاملة الأركان، وعاصمتها القدس الشريف؛ فلا أتصور حلا من خارج هذا الإطار.

القضية الفلسطينية بالنسبة للمغرب وبالنسبة للمغاربة وبالنسبة لجلالة الملك قضية مركزية لا توازيها سوى قضية وحدتنا الترابية.

دعم القضية الفلسطينية التزام شخصي من جلالة الملك محمد السادس، وكذلك كان قبل بالنسبة للملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله.

جلالة الملك يترأس لجنة القدس، والتي ينبثق عنها بيت مال القدس الشريف الذي يقوم بالدعم على أكثر من صعيد، وأحيانا كثيرة بدعم مالي مباشر من جلالته.

تدخلات كثيرة ومتنوعة لبيت المال هذا، في عدة مجالات؛ نذكر بعضها على سبيل المثال فقط، في الصحة وفي التعليم وفي ترميم الدور العتيقة وحتى في تسديد الغرامات المفروضة على أصحاب هذه الدور، كل ذلك لتثبيت السكان المقدسيين حيث هم، والحفاظ في الوقت نفسه، على الطابع التاريخي والحضاري للدور السكنية ولأماكن العبادة.

إذن هو مجهود كبير، وعمل جبار ينجز بالفعل، بإشراف شخصي من جلالة الملك، وليس بالقول الطنان أو بالشعارات الرنانة كما تصنع بعض الدول التي بدأت تبحث متأخرة عن موطئ قدم لها داخل هذا الصراع؛

فأين كانت هذه الدول عندما كان المغرب يحتضن القمم والمؤتمرات ويترأس اللجن والمجموعات، ويعطي وبسخاء المكرمات ويرسل المعونات والمساعدات ويقيم المستشفيات الميدانية ويجوب العالم معرفا بالقضية الفلسطينية ومحذرا من تبعات ما يتعرض له الفلسطينيون والأماكن المقدسة من عنف واعتداء؟

hespress.com