على الرغم من الاهتمام الذي أولته الدولة للنهوض بالاقتصاد الاجتماعي من خلال المخططات الاستراتيجيات، إلا مساهمة هذا الأخير في خلق الثروات والشغل تبقى محدودة للغاية.

وتشير الإحصائيات الرسمية إلى أن رقم معاملات الاقتصاد الاجتماعي لا يمثل سوى 2 في المائة من الناتج الداخلي الخام للمغرب وأقل من 4 في المائة من مناصب الشغل، باحتساب حتى المناصب غير المباشرة.

ويؤكد تقرير اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، الصادر مؤخرا، أن الاقتصاد الاجتماعي له أهمية كبرى في عالم يشهد اليوم عولمة متسارعة واستنفادا للإمكانيات التقليدية للنمو.

ويتيح الاقتصاد الاجتماعي توجيه النشاط الاقتصادي نحو الممارسات المسؤولة تجاه البيئة والمجتمع وخلق مناصب شغل دامجة من خلال تسهيل إدماج الأشخاص المبعدين عن سوق العمل التقليدي، كما يعتبر اقتصادا موجها لضمان المعيش اليومي أكثر من كونه بديلا حقيقيا لخلق القيمة.

واعتمدت الدولة استراتيجية وطنية للاقتصاد الاجتماعي والتضامني برسم الفترة ما بين 2010 و2020، إضافة إلى المخططات الجهوية التي كانت تهدف إلى وضع إطار ترابي متكامل وتحفيزي لتطوير هذا الأخير، إلا أن هذه البرامج عرفت محدودية في التفعيل على أرض الواقع.

وعلى الرغم من إدماج الدولة للاقتصاد الاجتماعي في مبادراتها الاستراتيجية، مثل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية والسياسات العمومية المجالية كبرنامج المغرب الأخضر، إلا أن ذلك لم يؤت أكله.

وتشير المعطيات إلى أن الاقتصاد الاجتماعي شهد تناميا كبيرا في عدد الفاعلين، لكن دون أن يساهم هذا التنامي من حيث العدد في تنويع الأشكال التقليدية للاقتصاد الاجتماعي، بحيث تعتبر 210 آلاف جمعية و27 ألف تعاونية ومنخرطوها البالغ عددهم 563 ألفا، أهم الفاعلين في هذا النوع من الاقتصاد. أما التعاضديات، فقد بلغ عددها 52 تعاضدية موزعة بين التعاضديات الصحية والتأمين وشركات الضمان.

ويعاني نسيج الفاعلين الحاليين في الاقتصاد الاجتماعي من صعوبات تقليدية تتمثل في غياب القدرات البشرية والتنظيمية، والنسبة العالية للقطاع غير المهيكل، وبنيات تحتية إنتاجية ضعيفة الاستغلال، وضعف تثمين المنتجات، وغياب القدرات على الإبداع والابتكار.

كما يمثل الولوج إلى السوق عقبة رئيسية أمام منتوجات الاقتصاد الاجتماعي بسبب عدم نجاعة آليات التسويق والتوزيع التي تقتصر بشكل أساسي على الأسواق والمعارض الخاصة. ويبقى ولوج هذه المنتوجات إلى التمويل صعب المنال، بحيث تعتمد بالأساس على هيئات التمويل الأصغر وعلى الدعم العمومي والخاص.

ويخضع الاقتصاد الاجتماعي لحكامة وإطار قانوني وتنظيمي مجزأين، وهو ما يولد نوعا من العزلة وضعف التجانس العام، بحيث تتميز حكامة القطاع بتعدد المتدخلين، من ضمنهم العديد من الوزارات.

طموح 2035

يطرح النموذج التنموي المقترح طموحا وأهدافا لجعل الاقتصاد الاجتماعي طريقا ثالثا حقيقيا كرافعة لخلق الثروات والشغل، ولتحقيق التقدم الاجتماعي والتنمية الترابية.

ويطمح النموذج الجديد إلى رفع مساهمة الاقتصاد الاجتماعي في القيمة المضافة إلى ما بين 6 في المائة و8 في المائة من الناتج الداخلي الخام الوطني، إضافة إلى خلق 50 ألف منصب شغل جديد في السنة، خصوصا في الميادين المتعلقة بالصحة والشباب والتربية والثقافة والصناعة والاقتصاد الدائري.

ومن أجل ذلك، يقترح تقرير اللجنة الإدماج الكلي للاقتصاد الاجتماعي في السياسات الاقتصادية وتعزيز تفويض الخدمات العمومية للفاعلين في هذا القطاع، إضافة إلى وضع حكامة ملائمة للطابع الاستراتيجي والعرضاني للاقتصاد الاجتماعي وترسيخه على الصعيد الترابي.

كما أوصت اللجنة بوضع إطار قانوني وتنظيمي يفتح الطريق أمام الاعتراف الكامل بالاقتصاد الاجتماعي بالمغرب وتطويره، والاستثمار في رفع القدرات المهنية للفاعلين من أجل تعزيز استدامة النماذج الاقتصادية للمشاريع، وضمان الولوج إلى أنماط مختلفة من التمويل، من بينها التمويل التعاوني.

hespress.com