اعتبر سمير بنيس، الخبير في الشؤون الدبلوماسية وعمل منظمة الأمم المتحدة، أن البيان الذي نشره مجلس الأمن والسلم التابع للاتحاد الإفريقي، الخميس، يطرح العديد من علامات الاستفهام، ويعيد إلى الواجهة مسألة حياد الاتحاد الإفريقي في ملف الصحراء، والدور المركزي للأمم المتحدة في مساعدة أطراف النزاع على التوصل إلى حل سياسي تماشياً مع قرارات مجلس الأمن.
وأوضح الخبير المغربي، في مقال توصلت به هسبريس، أن لغة البيان والتوقيت الذي جاء فيه يبرزان محاولة جديدة للجزائر للالتفاف حول العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة، ومحاولة إحياء الدور السلبي الذي لعبه الاتحاد الإفريقي قبل عودة المغرب إلى هذه المنظمة.
ونبه بنيس إلى أن الجزائر عاقدة العزم على استعمال كل أوراقها لمنع المغرب من تحقيق مكتسبات إضافية قد تمكنه من حسم هذا الملف، مؤكدا أن المملكة يجب أن تكون يقظة أكثر من أي وقت مضى.
إليكم نص المقال كما توصلت به هسبريس:
يطرح البيان الذي نشره مجلس الأمن والسلم، التابع للاتحاد الإفريقي، الخميس، العديد من علامات الاستفهام، ويعيد إلى الواجهة مسألة حياد الاتحاد الإفريقي في ملف الصحراء، والدور المركزي للأمم المتحدة في مساعدة أطراف النزاع للتوصل إلى حل سياسي تماشياً مع قرارات مجلس الأمن. كما يطرح هذا البيان العديد من علامات الاستفهام حول ملابسات وظروف اعتماده وما إذا كان المغرب قد علم مسبقاً بنشر بيان يتضمن لغة تتعارض مع مصالحه، ومع الموقف الذي اعتمده الاتحاد الإفريقي منذ اعتماد القرار 693 في قمة نواكشوط في شهر يوليوز 2018.
واللافت للانتباه أنه تم نشر البيان تسعة أيام بعد الاجتماع الذي عقده مجلس الأمن والسلم يوم 9 مارس الماضي. وبعد الاجتماع، نشر مجلس الأمن والسلم تدوينة على حسابه الرسمي في موقع “تويتر” أكد فيها أنه دعا إلى الوقف الفوري لإطلاق النار، ودعا ترويكا الاتحاد الإفريقي والمبعوث الخاص للاتحاد الإفريقي للصحراء إلى تعزيز دعمها للعملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة، ودعا الأمين العام إلى الإسراع بتعيين مبعوثه الشخصي إلى الصحراء. ويمكن القول إن هذه التدوينة لم تحمل لغة معادية للمغرب طالما أنها أكدت أن دور الاتحاد الإفريقي يتمثل في دعم الجهود السياسية للأمم المتحدة.
إلا أن البيان الذي تم نشره الخميس تضمن لغة مغايرة ومماثلة للغة التي استعملها مجلس الأمن والسلم في الفترة التي لم يكن فيها المغرب عضواً في الاتحاد الإفريقي، وهو ما يطرح العديد من علامات الاستفهام حول يقظة المغرب وتأثيره داخل المنظمة. ومن بين النقاط التي تضمنها البيان والتي تدعو إلى القلق:
1- الإشارة في ديباجة البيان إلى مسألة حقوق الإنسان والاستغلال المزعوم للثروات الطبيعية للصحراء، وهو ما يظهر بشكل جلي أن مجلس الأمن والسلم يسعى إلى لعب نفس الدور المنحاز للبوليساريو الذي لعبه قبل رجوع المغرب إلى الاتحاد الإفريقي.
2- محاولة إحياء دور الاتحاد الإفريقي في العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة عن طريق المبعوث الخاص للصحراء، خواكيم شيصانو.
3- إعطاء الانطباع بأن هناك حربا جارية بالفعل بين المغرب والبوليساريو، مما يظهر أن مجلس الأمن والسلم يتبنى الدعاية التي تروج لها الجزائر والبوليساريو، على الرغم من أن المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، فند تلك الادعاءات، وقال في الندوتين الصحفيتين، اللتين عقدهما يومي 26 فبراير الماضي وفاتح مارس الجاري، إن الأمم المتحدة لم تتوصل بأي معلومات تفيد بوقوع حرب بين الطرفين، بما في ذلك في معبر الكركرات.
4- تأكيده على ضرورة أن يتم التوصل إلى حل للنزاع تماشياً مع مضامين الوثيقة التأسيسية للاتحاد الإفريقي، وهو ما يظهر نية مجلس الأمن والسلم الالتفاف على قرارات مجلس الأمن التي أصبحت المرجع الأساسي والأوحد للتوصل إلى حل سياسي للنزاع.
5- دعوة ترويكا الاتحاد الإفريقي إلى إحياء مشاوراتها مع كل من المغرب والبوليساريو. كما قرر الاضطلاع بدوره في النزاع من خلال تدارسه على مستوى رؤساء الدول والحكومات، إذا دعت الضرورة. كما طلب من لجنة الاتحاد الإفريقي اتخاذ التدابير الضرورية من أجل إعادة فتح مكتب المنظمة في مدينة العيون من أجل تمكين الاتحاد الإفريقي من إحياء دوره في مساعدة الأطراف للتوصل إلى حل للنزاع. كما دعاها إلى القيام بزيارة ميدانية في أقرب أجل لمتابعة الوضع.
6- كما دعا المبعوث الأممي المرتقب الذي سيعينه الأمين العام في المستقبل إلى العمل بشكل وثيق مع الاتحاد الإفريقي من أجل التوصل إلى حل نهائي للنزاع. والأخطر من ذلك هو أن بيان مجلس الأمن والسلم دعا الأمين العام للأمم المتحدة إلى طلب الرأي الاستشاري للمستشار القانوني للأمم المتحدة بخصوص قانونية فتح قنصليات في الصحراء.
وتتعارض مضامين البيان مع الفقرة الخامسة من القرار 693 المشار إليها أعلاه، التي أكدت على أن دور الاتحاد الإفريقي يقتصر فقط على الدعم الذي تقدمه الترويكا للجهود السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة، وعلى التفكير بتشاور مع الأمم المتحدة حول مضمون الحل التوافقي الذي تسعى إلى تحقيقه. ولا يتضمن ذلك القرار أي إشارة إلى دور المبعوث الخاص للاتحاد الإفريقي، ولم يكلفه بأي مهمة من أجل إحياء العملية السياسية. كما لم يعط القرار أي صلاحية لمجلس الأمن والسلم لإحياء العملية السياسية أو ليحل محل ترويكا الاتحاد الإفريقي أو ليطلب من الأمين العام اتخاذ أي إجراء بخصوص النزاع. كما يتعارض مع لغة التوافق الذي تمخض عن القمة الاستثنائية الرابعة عشرة للاتحاد الإفريقي التي عقدت في شهر ديسمبر الماضي، والتي أكدت على الدور المحوري للأمم المتحدة في النزاع.
ويظهر من خلال لغة البيان والتوقيت الذي جاء فيه محاولة جديدة للجزائر للالتفاف على العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة، ومحاولة إحياء الدور السلبي الذي لعبه الاتحاد الإفريقي قبل عودة المغرب إلى هذه المنظمة. فقد تم نشره أربعة أيام بعدما انتهت ولاية مفوض الأمن والسلم، الجزائري إسماعيل الشركي، الذي استغل تواجده على رأس مجلس الأمن والسلم من أجل إلحاق الضرر بمصالح المغرب ونسف العملية السياسية الأممية. كما أنها محاولة مقيتة من المسؤول الجزائري لوضع خلفه النيجيري، في موقف حرج وفي مواجهة مع المغرب.
وتوحي الظروف التي تم فيها اعتماد البيان أن الشركي استفاد من غياب المغرب عن الاجتماع الذي عقد يوم 9 مارس واستغل أيامه الأخيرة على رأس مجلس الأمن والسلم من أجل تمرير بيان يخدم أجندة الجزائر. وهذه ليست المرة الأولى التي حاول فيها المسؤول الجزائري الالتفاف على القرار وإحياء دور الاتحاد الإفريقي في النزاع. فمنذ اعتماد القرار 693، لم تفوت الجزائر أي فرصة لتحقيق هذا الغرض. وظهر ذلك جلياً حينما ادعى وزير الخارجية الجزائري، صبري بوقادوم، خلال الجلسة الاستثنائية الحادية والعشرين للمجلس التنفيذي للاتحاد الإفريقي يوم 2 ديسمبر الماضي، أن آلية الترويكا فشلت في تأدية مهمتها، ودعا إلى استعادة مجلس الأمن والسلم لدوره في النزاع. كما عاودت الجزائر الكرة خلال القمة التي عقدت في شهر ديسمبر الماضي، دون جدوى.
وبالنظر إلى الدينامية الجديدة التي يعيشها الاتحاد الإفريقي، وإلى حرص مفوضية المنظمة على احترام القرار 693، فمن المستبعد جداً أن يقوم مفوض الاتحاد الإفريقي، موسى فقي، بأخذ مضامين البيان المشار إليه أعلاه بعين الاعتبار أو أن يكون له أي تأثير على موقف المنظمة من النزاع.
إلا أن إصدار البيان في حد ذاته يعتبر نقطة سلبية، ويظهر أن المسؤولين المغاربة لم يقوموا بالعمل الاستباقي المطلوب لتفادي إصداره. ويسلط هذه الحدث الضوء على جدوى غياب المغرب عن الاجتماع الذي عقد يوم 9 مارس. فإذا كان رجوع المغرب قد شكل قطيعة مع سياسة الكرسي الفارغ، ودشن مرحلة جديدة تتميز بمواجهة الجزائر داخل الاتحاد الإفريقي، واستعمال آليات هذه المنظمة لصالح المغرب، فلماذا قررت الدبلوماسية المغربية مقاطعة ذلك الاجتماع؟
فكما نقول في مجال كرة القدم إنه لا ينبغي إدخال تغييرات على فريق يحقق الانتصارات، فلا ينبغي كذلك إدخال أي تعديلات على سياسة جلبت للمغرب العديد من المكاسب الدبلوماسية خلال السنوات الأربع الماضية. فمنذ قطع المغرب مع سياسة الكرسي الفارغ التي نهجها لما يزيد عن ثلاثة عقود، بدأ يجني ثمار السياسة الجديدة التي نهجها في إفريقيا خلال العقد الأخير، والتي توجت بعودته إلى الاتحاد الإفريقي. فلم يكن بإمكان المغرب أن ينجح في إقناع دولة مهمة مثل نيجيريا بتغيير موقفها المنحاز إلى الجزائر واتباع موقف الحياد الإيجابي لولا رجوعه إلى الاتحاد الإفريقي، ولولا السياسة الإفريقية المحكمة والبراغماتية التي اعتمدها الملك محمد السادس. كما لم يكن للمغرب أن ينجح في إقناع دولة مثل زامبيا- التي كانت من بين الدول المعترفة بالكيان الورقي للبوليساريو- بفتح قنصلية لها في الصحراء لولا التوجه الجديد للمغرب في إفريقيا وقطيعته مع سياسة الكرسي الفارغ.
وبما أن هذه السياسة أثبتت جدواها، فعلى المغرب ألا يحيد عنها في المستقبل، وإلا سيترك فراغا، وسيعطي خصومه الفرصة مرة أخرى لفرض سرديتهم وأجندتهم في الاتحاد الإفريقي. وربما هذا ما وقع حينما قرر المغرب عدم المشاركة في اجتماع الأسبوع الماضي. فلو شارك في ذلك الاجتماع، ربما كان بإمكانه تفادي إصدار هذا البيان، ومنع الجزائر من استغلال الوقت الضائع لعضويتها في هذه الهيئة لفرض لغة تتعارض مع التوجه الجديد للاتحاد الإفريقي تجاه الصحراء.
وعلى الرغم من كل المكتسبات الدبلوماسية التي حققها المغرب خلال الآونة الأخيرة، سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي، فإن الجزائر عاقدة العزم على استعمال كل أوراقها لمنعه من تحقيق مكتسبات إضافية قد تمكنه من حسم هذا الملف على المدى المتوسط، ولن تدخر أي جهد دبلوماسي أو مالي لضمان استمرار حرب الاستنزاف التي فرضتها على المغرب منذ خمسة عقود. وبالتالي، على المغرب أن يكون يقظا أكثر من أي وقت مضى، وأن يستخلص الدروس والعبر من هذه الواقعة لدرء كل الدسائس والمكائد التي تضعها الجزائر في طريقه نحو الحفاظ على وحدة أراضيه وصيانة مصالحه الاستراتيجية.