السبت 16 يناير 2021 – 00:03
ليس عبثا أن افتتح رئيس المجلس الوطني للصحافة قراره بنشر ميثاق أخلاقيات مهنة الصحافة المنشور بالجريدة الرسمية عدد 6799 وتاريخ 29 يوليوز 2019، ليس عبثا أن افتتح أولى مواده ببند المسؤولية المهنية وعنون المادة الأولى بـ “البحث عن الحقيقة” وحث على أن البحث الدؤوب عن الحقيقة هو عماد عمل الصحفي، وحق المواطن في إعلام صادق ومعلومات صحيحة مستقاة بطرق سليمة ومعالجة بشكل مهني يعلو فوق أي اعتبار آخر، وتابع في باقي مواده التنصيص على مجموعة من المبادئ والقيم التي ينبغي على الصحفي المهني الحر الالتزام بها، منها ما يتعلق بالابتعاد عن الأخبار الكاذبة وتزوير المعطيات ومصادر الأخبار.
ليس من باب الترف الفكري أن يصدر ميثاق أخلاق الصحافة بقرار رفيع مشبع بالقيم.. في ظل سياق مهني يحبل بالمؤاخذات التي قد تطال أو تسيء للعمل الصحفي الوطني والجاد. وفي سياق تكنولوجي ومعلوماتي أتاح إمكانية إنشاء مواقع إلكترونية ذات اهتمام صحفي وإعلامي، وأتاح معها سبل الوصول إلى المتلقي من كافة شرائح المجتمع بسهولة وسرعة، دون رقيب إلا من ضمير مهني متخم بقيم المواطنة والمهنية، أو هكذا يفترض.
ولعل المشرع المغربي قد استبق ذلك، وواكب تطور العمل الصحفي بما أتاحته التكنولوجيا، فعمل على إصدار القانون رقم 13/88 المتعلق بالصحافة والنشر، ووضع من خلاله مجموعة من الشروط والضوابط التي ينبغي توافرها عند كل ممارسة صحفية، أيا كانت الدعامة التي تستعملها، ورقية كانت أو إلكترونية، وأوكل مراقبة ذلك لكل من النيابة العامة والمجلس الوطني للصحافة، كل في ما يدخل في اختصاصاته.
إن المتتبع والمتأمل لواقع المواقع الإلكترونية والصفحات المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، لا بد وأن يسجل معها حالة التخبط، والكثير من الانزلاقات في التعاطي مع المواد الإخبارية، دون الحديث طبعا عن باقي المواد الإعلامية المعالجة عبرها، والتي تستهدف بشكل أو بآخر، جودة الذوق العام لدى المتلقي من خلال إثارتها لمواضيع غير ذات أهمية ولفت انتباه المشاهد لقضايا هامشية لا ترقي للدور المأمول منها، اللهم استهدافها للربح السريع عبر حصدها لعدد المشاهدات المتتالية.
ولعل علاقة الإعلام، ومعه المواقع والصفحات الإلكترونية، بقضايا الرأي العام وخاصة تلك التي تكون محل نظر وعرض أمام القضاء، تظل علاقة معقدة وتثير نقاشات واسعة وإشكاليات عميقة يتداخل فيها ضمان حرية التعبير بحماية الحقوق والأفراد وكرامتهم سواء قبل المحاكمة أو أثناء التحقيق، أو خلال المحكمة.
فإذا كانت المواقع الإلكترونية، المنتسبة للجسم الصحفي، تقدم للرأي العام معلومات حول تلك القضايا والمساطر الخاصة بها والمراحل التي قطعتها، وتمكن بالتالي من تتبع عمل القضاء وتدعم الثقة فيه، فإن هناك مخاطر وهواجس انتصاب المواقع الإلكترونية كسلطة للإدانة المسبقة للمتهمين المتابعين وأداة لتأليب الرأي العام وإعداده لموقف إدانتهم أو تبرئتهم، مما يخل بمقومات وضمانات المحاكمة العادلة بما تقتضيه وتستوجبه قرينة البراءة.
وقد عرفت إشكالية علاقة الإعلام بقضايا الرأي العام مقاربات متعددة وآراء واجتهادات مختلفة، بدءًا من ثمانيات وتسعينات القرن الماضي، عندما تفجرت قضية الدم الملوث بفرنسا، وفي العديد من البلدان، وكذا قضية الممثل ولاعب الكرة الأمريكي أ.ج. سمبسون الذي اتهم بقتل طليقته وصديقها، وقضية عمر الرداد بفرنسا الذي اتهم بقتل مشغلته… وغيرها من القضايا الشهيرة التي استأثرت بمتابعات إعلامية واسعة، الأمر الذي أثار معها أهمية البحث في توفير حد أدنى من الضمانات الممكنة للموازنة بين حرية التعبير وحرية الإعلام في نقل الخبر وتغطية الأحداث، وحدود هذا الحق في مقابل توفير متطلبات ضمانات المحاكمة العادلة.
إن الرهان الحقيقي، هو تأهيل وتأطير المواقع الإلكترونية بما يجعلها قادرة على نقل الخبر بمهنية، ومتابعة القضايا بكيفية تراعي معها الحياة الخاصة للأفراد من جهة، وبما يرقى بالذوق العام للمتلقي، ويقوي لديه قيم المواطنة الحقة المتمثلة في احترام المؤسسات الدستورية للبلاد، من جهة أخرى. وطبعا، لن يتأت ذلك إلا بتفعيل المجلس الوطني للصحافة لصلاحياته في المواكبة والتأطير، ومعه الجهات الرسمية المعنية بالمجال.