يتواصل السجال على مواقع التواصل الاجتماعي بشأن الموروث الثقافي المشترك بين كل بلدان منطقة شمال إفريقيا، خصوصا على مستوى المأكل والملبس وعديد المحددات الهوياتية الأخرى، التي يريد كل شعب ربطها بحدوده دون غيرها.

ويسود السجال شعبيا بين مختلف البلدان، لكنه يبقى أقوى في صفوف المغاربة والجزائريين، الذين يطرحون الأمر على المستوى الحكومي كذلك، لكنه يبقى بعيدا عن الدراسات التاريخية والأنثروبولوجية التي يبتعد أصحابها عن المعركة ذات الصبغة السياسية والشعبية.

ورغم الصدام الحاد، تقدمت الدول المغاربية بطلب مشترك لتسجيل الكسكس ضمن التراث العالمي لـ”اليونسكو”، وهو ما استجابت له، ليصير الطبق الشهير الذي لا تخلو منه أغلب الموائد المغربية في وجبة غذاء يوم الجمعة حاملا “الجنسية المغاربية” وليس المغربية كما كان يتمنى المغاربة.

عبد الله بوشطارت، أستاذ باحث في الدراسات التاريخية والأنثروبولوجية، أورد أن هذا الصراع الذي يطفو على السطح بين النظام الجزائري والمغرب، حول بعض الظواهر والعادات الثقافية والحضارية التي تسعى كل دولة إلى إعطائها هوية محددة، له علاقة بالمشترك الثقافي بين كل دول شمال إفريقيا.

وأضاف بوشطارت، في تصريح لجريدة هسبريس، أن الكل مشترك حضاري عريق ناتج عن التاريخ المشترك بين كل هذه الأقطار، فهو عابر للحدود السياسية التي صنعتها فرنسا إبان فترة الاحتلال، مؤكدا أن تاريخ الطبخ والتغذية والأطعمة ساهمت فيه الشعوب منذ فترات سحيقة.

“للحديث عن هذه العادات لا بد من فتح الباب للتخصص في التاريخ والأنثروبولوجيا وليس للسياسي”، يقول بوشطارت، موضحا أن “الأمر يستدعي المعرفة الدقيقة بالأمور؛ فالكسكس والطاجين واللباس أشكال ثقافية أمازيغية مغاربية تميز بلدان المغرب الكبير عن الشرق”.

وكان الأحرى، وفق الباحث في التاريخ، الحديث عن الهوية المغاربية المشتركة والمتعددة والمتنوعة؛ “فالطاجين على سبيل المثال مرتبط بقضية أخرى أعمق، وهي صناعة الفخار التي كانت تتميز بها شمال إفريقيا منذ التاريخ القديم”، وزاد: “أكدت حفريات حديثة أن أقدم استعمال للأواني الفخرية كان بمغارة الجمل ضواحي مدينة بركان، وكذلك في تافوغالت”.

وخلص بوشطارت إلى أن “الحديث عن المشترك الثقافي والحضاري يسائل البحث العلمي أساسا في حقول معرفية دقيقة، المفروض الاعتماد عليها من أجل بناء الهوية المشتركة، وليس استغلال هذا المشترك في تنابز سياسي زائل”، وفق تعبيره.

hespress.com