إن الأزمة الدبلوماسية القائمة بين الرباط ومدريد إثر استقبال هذه الأخيرة للمدعو “ابراهيم غالي” بجواز سفر مزور، ليست بمبرر رئيسي للهجمات الإعلامية الإسبانية على المهاجرين السريين المغاربة نحو المدينة المحتلة سبتة، بل هي فقط امتداد للمواضيع التي تسيل مداد الصحافة الإسبانية بكل واقعة تجد فيها الفرصة لتشويه سمعة المغاربة أكثر أمام الرأي العام الإيبيري، حيث أصبح نبذ المغربي من داخل المجتمع الإسباني ثقافة شعبية تتشارك في فرزها وترسيخها مختلف الهيئات الرسمية وغير الرسمية بقصد وعن غير قصد، وخصوصا لدى الجيل الصاعد.
في هذا المقال، سنحاول التطرق لأهم النقط العريضة التي ساهمت في تأجيج العنصرية الإسبانية ضد المغاربة عبر التاريخ.
إن كلمة “المورو” عند الإسبان تطلق على المهاجر المغاربي المقيم بينهم، وبالخصوص ذو الجنسية المغربية، ولمصطلح “المورو” جذور تاريخية ممتدة عبر التاريخ؛ فمنذ نهاية الوجود المغاربي السياسي بالأندلس وإنهاء عملية التهجير، نهجت الكنيسة سياسة التمسيح القسري في حق من بقي من المسلمين بالأندلس.
ورغم مهاراتهم النفعية للاقتصاد الإسباني لمن تبقى منهم، إلا أنهم كانوا منبوذين بالمجتمع، حيث يطلق عليهم كلمة “مورو مالو”، أي “المغاربي الشرير”؛ ذلك أن اعتناقهم للمسيحية ظل مشكوكا فيه، ودائما ما كان وجودهم بالمجتمع الإسباني يذكر الإسبانيين بوقائع ومراحل حكمهم وسيادة العرب بالأندلس.
وقد أجمع الإسبان وكثير من الأدباء على موقفهم الرافض لوجود “المورو” في القرن السادس عشر، وهكذا كتب كانثالو أريندو يصف الموروس بأنهم “أناس همجيون لا يعترفون بقانون ولا بملك ولا بسلم ولا بدين، أناس لا يمكثون في مكان، اليوم تجدهم هنا وغدا هناك، أناس خونة ولصوص… شأنهم شأن كل موروس إفريقيا” (عبد الواحد أكمير، “الهجرة إلى الموت، إسبانيا وأحداث إليخيدو”، منشورات الزمن، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء-1999. ص:103).
وقال عنهم مارمول دي كربخال خلال القرن نفسه: “أناس أدنياء يسعون إلى الحرب، لا يعرفون أي نظام في نمط عيشهم” (المرجع نفسه. ص 103)؛ إذ كانت هذه الشهادات في حق الموريسكيين المتخلفين عن عملية هجرة العودة من الأندلس.
فبعد إجلاء وتهجير جميع من تبقى منهم بالأندلس في مطلع القرن السابع عشر (1609)، ظلت الذاكرة الإسبانية والمواقف عدائية تجاه الموروس، وخصوصا من طرف النخبة السياسية ورجال الدين؛ إذ جاء في خطبة يعود تاريخها إلى 1849 ألقيت عن الإسلام في كاتدرائية غرناطة بمناسبة ذكرى طرد المسلمين من الأندلس: “إنها ديانة تكرس الطغيان، وتبيع الملذات وتشجع الخمول الطبيعي وتحضر استعمال العقل” (نفسه. ص 108-109).
خلال حرب الريف 1921، ورغم أن إسبانيا كانت مستعمرة المغرب ومستفيدة من ثرواته بالقوة، فقد كان للإسبان رأي آخر من خلال الرسائل المرسلة إليهم من طرف الجنود الإسبان المشاركين في مختلف الحروب الاستعمارية، حيث يصفون بشاعتها وقوة المسلمين بالمغرب من خلال مختلف المعارك التي يخوضونها ضدهم، وهذا الشيء زاد من تأزيم صورة “المورو” لدى الإسبانيين، خصوصا بعد فقدان كثير من ذويهم من الشباب والرجال في معركة أنوال سنة 1921، حيث اتضحت قوة الجنود من أبناء الريف ضد الإسبان، ما أبقى الواقعة راسخة بشكل سلبي لدى العساكر الإسبان بسبب هزيمتهم، إلى درجة تسميتها بكارثة أنوال (Desastre de Annual).
يصف أحد الجنود الكيفية التي كان العامة ينظرون بها إليهم عندما استقلوا القطار في طريقهم إلى المغرب بما يلي: “كانوا ينظرون إلينا بطريقة شبيهة بتلك التي ينظر بها إلى قطيع الغنم في طريقه نحو الذبح” (نفسه. ص 111).
وقد شكلت مشاركة المغاربة في الحرب الأهلية الإسبانية القطرة التي أفاضت كأس الكراهية ضد المغاربة، حيث اعتبر الإسبان مشاركة المغاربة مع فرانكو في انقلابه ضد الجمهوريين انتقاما لهم ضد العرق الإسباني ونشر الرعب في نفوس الأهالي الإسبانية بدون رحمة.
وهكذا كتب فرنارندو أرابال في روايته التي كانت عبارة عن رسالة إلى فرانكو: “إنك أنت من أتى بالبربرية، تلك التي كانت في عصر ملوك الكاثوليكيين والاستبداد الديني، فأنا لا أعتقد أن هناك أخيارا وأشرارا، هناك فقط عنف أعمى وضحية مغمورة بالرماد” (فرناندو أرابال، “رسالة إلى فرانكو”، ترجمة: عمار الأتاسي، دار ممدوح عدوان للنشر والتوزيع، سوريا-2014. ص: 22).
فالإسبان المتضررون من انقلاب فرانكو وديكتاتوريته كانوا يرون في المغاربة (موروس) سبب كل ما لحق بهم من عنف وظلم وسجن لأنهم وقود هذه الحرب الأهلية التي أحرق بها فرانكو الديمقراطية الإسبانية، نظرا لقوتهم القتالية وأعدادهم الضخمة التي قدرها القبطان ميلور بــ 50000 في أبريل 1937” (ماريا روسا دي مادارياغا، “مغاربة في خدمة فرانكو”، ترجمة كنزة الغالي، منشورات الزمن، مطبعة النجاح الجديدة-الدار البيضاء 2006، ص:112).
عموما، لقد ساهمت الأحداث المذكورة أعلاه في وضع المغاربة المهاجرين بإسبانيا في مقدمة المهاجرين غير المرحب بهم ونعتتهم بكلمة “موروس” المليئة بحقد دفين وعنصرية رسختها الطبقات السياسية ورجال الدين وحتى الكتب المدرسية، التي تقدم المورو بطرق جعلت في العديد من الأحيان الإسباني الذي أخذ من هذه الكتب في مراحل تمدرسه يطلق أحكاما جاهزة تجاه المغاربة يعجز هو نفسه عن فهمها أحيانا بحيث يكتفي في تبرير موقفه بجمل مبهمة مثل: “لا أعرف السبب لكني لا أحب الموروس”، أو “ليس لدي عداء مع الموروس لكنني في الحقيقة لا أرتاح إليهم” (عبد الواحد أكمير، 1999، ص: 112-113).
وعودة إلى الصحافة الإسبانية، فإنها عند حديثها عن الهجرة، تركز على مضيق جبل طارق دلالة على المهاجرين المغاربة بإسبانيا، وتضخم من وجودهم، متناسية الإشارة إلى الأجانب الأوروبيين والأمريكيين والأسيويين، فهي توجه الأصابع إلى هجرة فقيرة قادمة من إفريقيا وتقدمها كظاهرة غريبة عن المجتمع؛ إذ إن هذه الأخيرة لا تستحضر دور العمال المغاربة المندمجين بالمجتمع الإسباني في تنمية اقتصاده.
)Samira Karam, “Traitement de l’immigration marocaine dans El País et ABC 2000-2004” Edition : Conseil de la Communauté Marocaine à l’Etranger, Casablanca 2013. P 323)
من خلال “Antnio Bañón Hernándes”، فإن المغاربة هم أكثر المهاجرين ذكرا في الصحافة، كما بينت دراسة هذا الباحث أن الجوانب الإيجابية للمهاجرين لا تهم أقلام الصحافة (325Samira Karam,2013 P:)؛ إذ يركزون في جل كتاباتهم على جانبها السلبي. فحسب “Mary Nash”، فالصحافة تلخص الهجرة في “pateras”-أي قوارب الهجرة السرية-التي تعبر مضيق جبل طارق.
عموما، تظل صورة المهاجر المغربي لدى الإسباني سلبية؛ فحسب استطلاع لرأي الإسبانيين عن صورة المهاجرين المغاربة، كانت الآراء السلبية تشكل أكثر من ضعف الآراء الإيجابية، أي 42.55% مقابل 17.7%، أي ما يقارب النصف من المستجوبين عبروا عن رأيهم السلبي تجاه المهاجرين المغاربة.
وحسب تقرير لمعهد الأبحاث السوسيولوجية، فإن 63% يرون أنه يجب على الحكومة ألّا ترخص بالدخول إلا لمن لهم رخصة عمل، ويعتبرون أن المشاكل التي يسببها المهاجرون في إسبانيا، من إجرام وبيع للمخدرات ودعارة وغيرها، مصدرها الهجرة السرية.