استعدادات أهل تطوان وضواحيها لشهر رمضان الفضيل عرفت الكثير من التغييرات، وأضحى الاهتمام بعدد من التقاليد التي كانت أساسية في التحضير الروحاني لأفضل الشهور، منها تقليد شعبانة (النسخة بضم النون كما يسمونها محليا)، يتوارى عكس ما كان عليه الحال في العقود الماضية، لتحل محله تقاليد إلى حد ما دخيلة.
ويولي أهل تطوان اهتماما خاصا لشهر شعبان عامة، ولليلة المنتصف منه خاصة، وهي الليلة التي تم فيها (وفق عدد من الروايات) تحويل قبلة الصلاة من المسجد الأقصى إلى البيت الحرام بمكة المكرمة، والتى كانت حادثا فارقا في تاريخ المسلمين.
وكباقي المسلمين في كافة العصور والأزمان منذ عهد الصحابة رضوان الله عليهم، يرى أهل تطوان أن ليلة النصف من شعبان هي ليلة عظيمة وفاضلة، لها منزلتها العظيمة عند الله سبحانه وتعالى، ويجب أن تولى الاهتمام الضروري لنيل رضا الله والحفاظ على الموروث السوسيوثقافي للمنطقة.
ويحرص أهل تطوان على تخليد “النسخة” في منتصف شهر شعبان، ولا يقتصر الأمر على صوم اليوم نفسه لكسب فضله الكبير؛ بل جرت العادة أيضا أن يقوم أهل تطوان بتكريم “فقهاء” الكتاتيب القرآنية وكذا حفظة القرآن وطلبة العلم في المعاهد الدينية العتيقة وتحضير مآدب خاصة بهم، والتصدق على الفقراء والمساكين، وقراءة القرآن أكثر ما يمكن في ذلك اليوم الذي له طابع خاص.
ويحرص أهل تطوان وضواحيها كذلك على تناول فطور يوم صيام “النسخة” جماعة، وتلاوة الأذكار والأمداح النبوية بالمنازل والزوايا، والتهليل والتكبير، والدعاء للموتى من الأهل وجميع المسلمين والدعاء الصالح للأبناء والأحفاد والإكثار من الصلاة على النبي الخاتم، وكذلك طهي أكلة “التريد”، أو التي تسمى عند الكثير من المغاربة بـ”الرفيسة”.
ويعد اليوم التالي من “شعبانة” الانطلاقة الفعلية للإعداد لشهر رمضان، ليس فقط في ما يقتصر على إعداد الحلويات، التي تتميز بها المنطقة الشمالية من المملكة، بل فيما يخص إعداد البيوت وتنظيفها أيضا، حتى تكون معدة لاستقبال رمضان وكسب فضائل الشهر الذي نزل فيه القرآن، وحتى تسود أجواء روحانية طيلة الشهر.
ومن ثم، فإن الاستعداد لشهر رمضان لا يقتصر على ما لذ من طعام وشراب وما إلى ذلك من مأكولات، كما هي العادات السائدة الآن؛ بل يجب أن يكون فيه الغالب الجانب الروحاني والتزود بزاد التقوى خلال شهر وصفه النبي الخاتم بالشهر الذي يجمع حسنات وفضل شهر رمضان المبارك.
كما كان من عادات أهل تطوان أن يقضوا بعض الأيام السابقة لرمضان بـ”الجنانات” والبساتين المتواجدة بضواحي المدينة؛ منها جنانات “سانية الرمل” و”بوجداد” و”كيتان” و”بوجراح” و”عين بوعنان” و”كرة السبع” و”بني صالح” و”طوريطة” و”غورغيز”. والهدف هو أن تقوم النساء بـ”تقطير” ماء الزهر وماء الورد، الذي يعد من المكونات الأساسية لإعداد الحلوى التطوانية واستقبال الضيوف. إلا أن الكثير من الناس بدؤوا يختزلون أجواء الاستعداد لشهر رمضان في ليلة منتصف شعبان عبر إحياء وتنظيم أمسيات “للترفيه والترويح” عن النفس عكس ما كان يقوم به السلف الصالح، في وقت ما زالت فيه الكثير من الأسر المغربية متمسكة بالتقاليد الأصيلة والأعراف التي تعني هذا اليوم بالذات.
وكباقي التقاليد، شهد الاحتفاء بمنتصف شعبان تراجعا، إذا اقتصر الحديث عن الطابع الروحي والديني، لا سيما الإقبال على المساجد والزوايا في ذلك اليوم العزيز عند الله على سبيل التقرب إلى الخالق عز وجل.
وبحكم تحولات الزمن، صارت بعض العادات والتقاليد التي تسبق رمضان مترسخة، وتتجدد أحيانا؛ بينما طوى النسيان البعض الآخر حتى أصبحت من الماضي ولا تعرفها الأجيال الصاعدة، فيما كانت تشكل جزءا أساسيا من المتوارث من عادات المجتمع المغربي عامة والمجتمع التطواني بخاصة.