يُعتبر الأمن بلا شك أول واجب على الدولة، وهو ما يعمل المغرب على تعلمه كل يوم من خلال بذل جهود جبارة لضمان أمن 35 مليون مغربي في ظل وجود جوار عدائي يجعل المهمة سهلة.

وعلى الرغم من كونه ضحية انتهاكات لوحدته الترابية من قبل مليشيات “البوليساريو” وهدفاً للحركات الإرهابية الدولية والمافيا المنظمة للهجرة غير الشرعية وتجارة المخدرات وعمليات زعزعة الاستقرار من قبل القوى الأجنبية، فإن المغرب نجح في خلق نموذج خاص لحماية سكانه وحدوده ومصالحه في جميع أنحاء العالم.

كانت هذه خلاصة تحقيق نشره موقع “Atlasinfo.fr” جاء فيه أن قُدرة وخبرة نظام الأمن المغربي تطورت إلى مستوى أزعج بعض الدول “الصديقة”، ولم يفوّت التحالف الإسلامي اليساري (العدل والإحسان والنهج الديمقراطي وأنصارهما) الفرصة لمحاولة التشويش على التحديث والأمل في التقدم الذي أحدثته النموذج الأمني المغربي؛ فقد حاول التحالف سالف الذكر تشويه سمعة كل من المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني والمديرية العامة للأمن الوطني، وهما المؤسستان اللتان تمثلان استثناءً من خلال إدارتهما من قبل شخص واحد.

وأورد التحقيق أن المغرب أدّى، منذ الهجوم على فندق أطلس أسني في مدينة مراكش سنة 1994، والذي قُتل فيه سائحان إسبانيان على يد كوموندو فرنسي -جزائري، ثمناً باهضاً في حربه ضد الإرهاب، من دماء عشرات ضحايا الاعتداءات المقيتة سواء في الدار البيضاء أو مراكش أو إمليل. ومنذ 26 سنة، تم إجهاض مئات العمليات وتحييد العديد من الخلايا.

وقد تأتى للمغرب ذلك الهدف من خلال أجهزة المخابرات، التي رُفع مستوى احترافيتها بشكل كبير وجرى تحديثها بوتيرة سريعة في السنوات الأخيرة؛ حتى نجحت المملكة في صد التهديدات، تماشياً مع خارطة الطريق التي رسم الملك محمد السادس خطوطها العريضة بنفسه.

تماسك اجتماعي وتضامن

على مستوى الجبهة الداخلية، أظهر وباء “كوفيد-19” التماسك القوي للمغاربة حول رئيس دولتهم، على الرغم من الصعوبات وتواضع الموارد وأوجه القصور في النظام الصحي والهشاشة التي يعاني منها المغاربة التي أصاب الوباء آلاف الأسر منهم.

وعلى الرغم من الانتقادات، فإن التضامن الاستثنائي الذي ميز المغاربة في هذه المحنة، من جميع الطبقات الاجتماعية والحساسيات الثقافية والدينية مجتمعة، سيُمكن بلا شك من تجاوز فيروس كورونا المستجد.

وحسب تحقيق “أطلس أنفو”، فإن هذا التضامن الاستثنائي يمثل حصناً صلباً تتحطم عليه أحلام “الاستيلاء على السلطة” من قبل الحركات الظلامية مثل العدل والإحسان وحلفائهم من اليسار الراديكالي المتمثل في فؤاد عبد المومني وخديجة الرياضي والمعطي منجب، والذين على ما يبدو أنهم مدعومون من قبل أفراد مثل هشام العلوي وصحافيين سابقين مثل بوبكر الجامعي أو أحمد رضا بنشمسي.

وأضاف الموقع أن “من سلف ذكرهم يقدمون أنفسهم على أنهم رجال أحرار ويكررون مراراً وتكراراً، لمن يريد سماع ذلك، خطابهم عن الديمقراطية وهم واهمون بأن لا أحد يمكن أن يناقشهم في نزاهتهم”.

خطاب ضد النظام يقوم على الاستياء

بعيداً عن انتقاد عمل الدولة ومناقشات الأفكار أو التناقض، فإن “هؤلاء الدكتاتوريين يغذون خطاباً مناهضاً للنظام بحقائق زائفة قائمة على الاستياء الذي يحمله كل منهم لأسباب فردية مختلفة”.

ويدفع الاستياء، حسب موقع “أطلس أنفو”، هؤلاء إلى تبني أساليب لا أخلاقية لإذكاء الشائعات في وسائل الإعلام الفرنسية أو الإسبانية حول الحالة الصحية للملك وحياته الخاصة و”عدم اهتمامه بالحكم”، أو حول المسائل السياسية أو الأمنية.

وقد كانت أخبار الأسابيع الأخيرة حول قضية الوحدة الترابية للمملكة واعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بها وإعادة العلاقات مع إسرائيل بعد 20 سنة من الانقطاع وكل التطورات الدبلوماسية نتيجة متابعة والتزام شخصي من الملك.

إظهار رجال الأمن بقوة مطلقة

في الخطاب الذي طوّره هؤلاء الذين يزعمون أنهم حاملون للحقيقة في عالم كاذب، يحاولون إظهار “القوة المطلقة” لقوات الأمن التي من شأنها تقويض حقوق الإنسان وحرية التعبير وملاحقة الصحافيين.

وقد ظهر مصطلح “البوليس السياسي”، الذي يجسده على حد قولهم عبد اللطيف حموشي، قبل بضع سنوات وتكرر في الأشهر الأخيرة وظهر كشعار لدى أغلب المتحدثين في هذه الجبهة من خلال مبادرة أطلقتها في نونبر 2019 “لمحاربة الاستبداد” من قبل الناشط اليساري الراديكالي فؤاد عبد المومني؛ وهو مصطلح يذكر، وفق تحقيق “أطلس أنفو”، بـStasi ، وهو جهاز البوليس السياسي والمخابرات والتجسس في ألمانيا الشرقية السابقة، واستخدامه للحديث عن المغرب يعني أن الشرطة المغربية تعمل في سرية مثل الأنظمة الشمولية للحفاظ على الأمن القومي.

ومهما كانت المواجهات والنقاشات العنيفة التي يعرفها المجتمع، فإن المغرب لا يُظهر أية خصائص من هذه البلدان وأجهزتها المخابراتية؛ بما في ذلك المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، التي تعمل في إطار محدد من الضمانات التي جاء بها دستور 2011.

ويؤكد الموقع أن “استعمال مصطلح البوليس السياسي من قبل هذه المجموعة الصغيرة المناهضة للنظام هو أقل ضرراً بكثير، بالنظر إلى أسس مشروع التمرد الذي كانوا يحاولون تنفيذه منذ عشر سنوات”.

ويعمل هؤلاء على ترسيخ تحالف بين الإسلاميين الرايكاليين واليسار الراديكالي بهدف الإطاحة بالنظام الملكي، وهو مدعومون، لكي لا نقول مؤطرون، من قبل أشخاص وجدوا “الشجاعة” في الحركة الظلامية العدل والإحسان.

تحالف الملالي وشيوعيي توده

يُذكر التحالف بين الإسلاميين الراديكاليين واليسار الراديكالي بحالة إيران التي تمثل نموذجاً بالنسبة للعدل والإحسان، ومصطلح البوليس السياسي الذي يسعون إلى فرضه في السجل المصطلحي بالمغرب يعود إلى منظمة “السافاك” التي أنشأها الشاه السابق محمد رضا بهلوي لمواجهة خصومه، ووجهت إليها تهم الاغتيالات، بما في ذلك في الخارج، والاختطاف والاعتقال التعسفي لآلاف الأشخاص.

ومعروف أن شاه إيران أطاح به تحالف بين الإسلاميين واليساريين المكون خصوصاً من الملالي والحزب الشيوعي توده، وقد عمل بعد ذلك الخميني على تصفية كل قوى اليسار التي ساعدته للوصول إلى السلطة.
ووجب التذكير في هذا الصدد أن منظمة “السافاك” تم استبدالها بالعديد من أجهزة الشرطة؛ مثل “مكتب الشرطة السرية الخاصة”، و”الشرطة الدينية”، و”الآداب العامة”.

المغرب لا يمتلك “بوليساً سياسياً”

المؤكد أن كل الضربات ليس مسموحاً بها والحدود واضحة بالنسبة لأجهزة الأمن المغربية التي تعتمد فعالياتها، بحكم التعريف على السرية وحسن التقدير؛ وهو أمر يتظاهر البعض أنهم لا يعرفونه.

ومهما كانت المبادئ الرئيسية التي يستخدمها المؤرخان المعطي منجب وبيير فيرمان للتنظير لمصطلح “البوليس السياسي” ومحاولة ضمان استدامته، فإن المغاربة لا يعيرون ذلك اهتماماً.

في الرابع والعشرين من أبريل من سنة 2018، زار الملك محمد السادس مقر المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني من أجل افتتاح مقر للتكوين المتخصص، كما زار المقر الجديد للأمن الداخلي.

لقد أراد الملك أن يعبر بشكل مباشر عن امتنان الأمة للعمل الضخم الذي يقوم به حوالي 7000 فرد يشكلون وحدات المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني والتي تمثل النساء منهم حوالي 6 في المائة.

ويُشير موقع “أطلس أنفو” إلى أن مهام جهاز الأمن الداخلي حساسة للغاية، حيث تضم التجسس المضاد ومحاربة الإرهاب والتطرف العنيف، إضافة إلى الجريمة الإلكترونية وانتشار الأسلحة والجريمة المنظمة، بما في ذلك الجريمة العابرة للحدود.

نزع الشيطنة عن أجهزة الأمن الداخلي

كانت الكلمات المفتاح لهذه “التطبيع” الاستقرار والسلام والنظام العام والتعبئة واليقظة، وهي أقرب ما يمكن إلى هموم المواطنين. وقد كانت زيارة الملك إلى مقر المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني رسالة إلى المغاربة بأنها مؤسسة مثل أية مؤسسة أخرى، وبعث رسالة الشفافية والقرب بخصوص هذه المؤسسة التي كانت في الماضي موضوعاً لأسوأ حالات المطاردات والمداهمات والاعتقال السري وممارسة التعذيب على مدى عقود.

اليوم هذه الصورة أصبحت من الماضي، حيث بات بإمكان الزوار الدخول إلى المقر الواقع بين حي الرياض ومدينة تمارة. وقد أتيحت الفرصة للوكيل العام بالرباط ورؤساء الفرق البرلمانية ووزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان وحتى أعضاء المجلس الوطني لحقوق الإنسان للوقوف على ذلك، إذ قال أحد أعضاء المجلس الذي تمكن من تفتيش المقر في ماي 2011: “لا وجود لغرف تعذيب سرية وعدد أقل من الزنازين تحت الأرض”.

التواصل للاقتراب أكثر من المغاربة

لقد بدأ الملك محمد السادس، منذ اعتلائه العرش، عملية توحيد لمهام المديرية العام لمراقبة التراب الوطني من خلال خارطة طريق خاصة بمحاور مهمة لا تقل أهمية عن الالتزام باحترام المعايير القضائية وأهمية وضع الاستخبارات الوقائية في صميم أي نهج، وضرورة ضبط الشبكات الإسلامية وعمليات نزع التطرف في بلد أصبح هدفاً للحركات الإرهابية الدولية منذ أكثر من 25 سنة.

لقد أسهم إنشاء المكتب المركزي للأبحاث القضائية، سنة 2015، في دعم تخصص عمل المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني وانفتاحها على الجمهور بشكل مباشر بنموذج تواصل يميل إلى تعزيز التقارب مع المغاربة ووسائل الإعلام، سواء الوطنية أو الأجنبية. وقد كان الملك قد طالب، أيضاً، بإنشاء قنوات تواصل لاطلاع المغاربة على كل إجراءات المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني والمديرية العامة للأمن الوطني.

التغلب على المخاوف ومنع الجريمة

تقول إلهام المكتافي، وهي إطار متخصص في التواصل الرقمي في خلية التواصل بالمديرية العامة للأمن الوطني، إن الأمر لا يتعلق فقط بمسألة إظهار الجهود المبذولة لضمان أمن البلاد وسكانها؛ بل يكمن التحدي في المهمة التي أوكلت للمديرية، وهي التغلب على المخاوف وتعديل تصور المغاربة عن الشرطة وكسب تفهم المغاربة والعمل على المخططات الإعلامية الجديدة التي تساهم في منع الجريمة.

لقد شكلت الهجمات الإرهابية التي عرفتها الدار البيضاء في 16 ماي من سنة 2003 نقطة تحول حاسمة في تسريع تطوير المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، بحيث كان لها تأثير بمثابة زلزال حقيقي على كل المواطنين والقادة السياسيين. وقد أدت هذه الأحداث، من أعلى قمة الدولة، إلى إعادة النظر في حجم الموارد المخصصة للأجهزة الأمنية بحدث تحديثها جميعاً.

مواجهة التهديد الإرهابي

في سنة 2011، شهد الرأي العام نقطة تحول حقيقية في هامش المناورة والفعالية لدى المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني اتخذ شكل تعديل للقانون الجنائي (المادة 108) للسماح لجهاز الأمن الداخلي بأداء دور الشرطة القضائية من خلال إجراء التحقيقات والتوقيف والاستجواب وإعداد المحاضر.

كما جرى منح الأمن الداخلي مجالات عديدة للتدخل، من أمن الدولة ومكافحة الإرهاب والقضايا الجنائية بما في ذلك الاختطاف والتزوير والاتجار بالمخدرات والأسلحة.

ولم تكن زيارة الملك إلى مقر المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني أن تمر أن تثير غضب البعض، على الرغم من أن زيارات مثلها تقع في بلدان أخرى؛ فقد زار باراك أوباما وجورج دبليو بوش مقر مكتب التحقيق الفيدرالي. كما ألقت، في فبراير الماضي، الملكة إليزابيث الثانية خطاباً أمام ضباط المخابرات والأمن الداخلي، حيث حيّت العزيمة التي يقومون بها دورهم الحيوي. وفي إسبانيا، لا تحتوي مباني الحرس المدني على أي أسرار بالنسبة للملك فيليبي، فهو يرأس أيام الحماية التكنولوجية والمعلومات والاتصال التي ينظمها المركز الوطني للمخابرات، التي يقابل فيه المغرب المديرية العامة للدراسات والمستندات (DGED).

لماذا أصبح رئيس الأمن الداخلي والشرطة هدفاً؟

إن الاعتراف من أعلى مستوى في الدولة بالخدمات المقدمة للأمة والتضحيات التي تقوم بها قوات الأمن هو أمر طبيعي؛ لكنه يتحول لدى منتقدي النموذج المغربي إلى غصة في الحنجرة.

ومن بين المحاور التي يفضلونها للتقليل من القيمة الأخلاقية لعمل الدولة المغربية، لا سيما في مجال حقوق الإنسان، هو عمل الأجهزة الأمنية، إذ منذ زيارة الملك إلى مقر المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني أصبح عبد اللطيف حموشي هدفاً لهجمات عديدة تكون في الغالب شخصية.

لقد شكّلت الزيارة الملكية إلى ما وُصف بأنه مركز اعتقال سري، حيث يزعم أن جرى ارتكاب أسوء الانتهاكات، إنكاراً لقصص انتهاكات حقوق الإنسان وممارسة التعذيب في عهد الملك محمد السادس.

هشام العلوي ليس ببعيد

كانت تلك الزيارة رسالة واضحة ونزعت المصداقية عن الخطاب الذي تتلاعب به الجماعات اليسارية الراديكالية وحلفاؤها، بعد حاولوا لسنوات عديدة إدانة المغرب بدعم من المنظمات غير الحكومية ذات الممارسات المشكوك فيها. ولم يكن هشام العلوي بعيداً عن كل هذه المحاولات، حيث كان قد ندد بما اعتبره “قمع الإسلاميين” و”مركز التعذيب في تمارة”.

وقبل ذلك، كان عبد اللطيف حموشي هدفاً منذ أن جرى تكليفه بعملية إزالة الغبار عن “DST”، حيث عين سنة 2005 على رأس المؤسسة التي أصبحت تسمى المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني وكان يبلغ من العمر آنذاك 39 عاماً فقط.

عند الفحص الدقيق، لا يعرف المراقبون سوى القليل عن عبد اللطيف حموشي؛ لكن جورج تينيت، مدير وكالة الاستخبارات المركزية، كان قد نال اهتمامه سنة 2003 وعرض عليه عملاً في واشنطن نظراً للخبرة التي راكمها فيما يخص المنظمات الإرهابية والدينية المتطرفة، وهي الخبرة التي اكتسبها حموشي على مر السنين وأهلته لتسلق الرتب والمناصب.

لا يُحب حموشي، الذي درس القانون بفاس ومر بأكاديمية القنيطرة، الحديث عن نفسه، ويورد موقع “أطلس أنفو” نقلاً عن أحد مساعديه المقربين أنه “مقتنع بضرورة التواصل مع الرأي العام ويستمع للرجال والنساء حوله”.

كلنا أبناء نفس الشعب

يبلغ حموشي، المنحدر من مدينة تازة، من العمر اليوم 54 عاماً. وعلى الرغم من أنه مدير عام المديرية العامة للأمن الوطني والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، فإنه لم ينشأ في الأوساط الملكية ولم يكن من النوع الذي يستخدم المعارف لكسب الحظوة.

“هو ابن الشعب”.. هكذا ورد في إحدى البورتريهات النادرة التي رسمتها حوله إحدى وسائل الإعلام؛ لكنه لا يحب هذا التعبير، كما يؤكد مسؤول كبير في وزارة الداخلية عمل إلى جانب لمدة 25 عاماً.

في المقابل، يفضل حموشي القول إننا “نحن جميعاً أبناء نفس الشعب”، وهو بذلك يرفض الخطاب الشعبوي حول المصعد الاجتماعي الذي لا يستفيد منه إلا الأشخاص المولودون بملعقة ذهبية في فمهم.

ويعلق رفيق دراسة آخر لحموشي في جامعة فاس، حيث تابع دراساته في العلوم السياسية: “إنه دليل على ما يمكن تحقيقه بفضل كفاءته، وليس بسبب انتماءاته الاجتماعية”.

الرجل الذي أراد أن يكون قايْد

كان عبد اللطيف حموشي يرغب في العمل لدى وزارة الداخلية كقائد، حيث اجتاز المباراة وهو في الـ23 من عمره؛ لكنه فشل في تحقيق مسعاه، لأن السن الأدنى المطلوب هو 25 سنة.

أدى حموشي الخدمة المدنية في وزارة الداخلية. وفي سنة 1991، اجتاز مباراة عمداء الشرطة وحصل على النقطة الأولى. وبعد أن رصده عبد العزيز علابوش، مدير DST آنذاك، عرض عليه وظيفة؛ لكن المديرية العامة للأمن الوطني رفضت التخلي عنه، لأنها كانت تعاني من نقص في الأطر، وتمكنت من ضم الخبير الشاب في الحركة الإسلامية والمنظمات الإرهابية إلى صفوفها.

بعد ذلك، قضى حموشي دورة تدريبية لمدة 8 أشهر في أكاديمية القنيطرة ليلتحق للعمل مع الشرطة، ثم استفاد من تكوينات في الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وفرنسا قبل أن يمنحه تعيين الجنرال حميدو لعنيكري على رأس DST دفعة لمسيرته المهنية.

عين حموشي، بعد ذلك، في منصب المدير المركزي؛ وهو ما سمح له بالبدء في تحديد وتدريس الموارد البشرية الثمينة والمتخصصة، والباقي يعرفه الجميع.

مقاومة داخل جهاز السلطة

بغض النظر عما يقولونه عن ابن هذا الفلاح الصغير، فإن صورته مزعجة وتواجه مقاومة داخل جهاز السلطة الذي أراد محمد السادس تغييره من خلال كسر الأنماط التقليدية التي سادت في التعيينات في مناصب إستراتيجية عالية.

وإلى جانب حرية الاختيار لدى الملك والتي تحددها سلطته في التعيين، فقد كسرت صورة عبد اللطيف حموشي القواعد الحالية للوصول إلى المناصب العمومية العليا والتي تم تحديدها لفترة طويلة من خلال الانتماء إلى بعض الدوائر الاجتماعية والمصالح السياسية والشخصية.

ليس لدى حموشي أي أسلوب حياة فاخرة ولا حارس شخصي، على الرغم من أنه يتعرض لتهديدات متكررة بالقتل. وتشير عميدة الشرطة إلهام المكتفي إلى أنه “لا يسلك نفس الطريق للوصول إلى أحد مكتبيه، بحيث يتجنب أي مكان عام قد يعرضه لأي تهديد”. كما أنه نادراً ما يأكل خارج المنزل تفادياً لحالات التسمم التي تنتشر في دوائر المخابرات والتجسس.

دينامية جديدة في المديرية العامة للأمن الوطني

حين استقبل الملك محمد السادس عبد اللطيف حموشي رفقة محمد حصاد، وزير الداخلية آنذاك، طلب منه ضخ دينامية جديدة في المديرية العامة للأمن الوطني وتعزيز وتحديث أساليب عملها وضمان تنسيق مثالي بين المديريتين (المديرية العامة للأمن الوطني والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني) لرفع فعالية عمل كل منهما إلى مستوى أعلى.

وجاءت هذه المسؤولية الجديدة المزدوجة لتؤكد أهمية التنسيق وتبادل المعلومات بين أجهزة الشرطة والأمن الداخلي، وهي حقيقة واجهتها عدد من الدول التي تواجه الإرهاب.

وقد تولى حموشي، الذي عمل في المؤسستين معاً، هذه المسؤولية لإقامة تنسيق غير مسبوق بينهما لتحقيق أقصى قدر من الكفاءة لمواجهة التهديدات التي تحدق بالمغرب؛ وهي مهمة دقيقة أدت إلى نتائج مهمة لا يمكن للأرقام ترجمتها منذ سنة 2015، لأن تضافر الجهود مهم على مستوى التحقق من المعلومات الضرورية وتعميمها وتوفيرها للتدخل في الميدان بأقصى قدر من السرعة لإنقاذ الأرواح.

وفي أقل من ست سنوات على رأس المديرية العامة للأمن الوطني، حقق حموشي نتائج مبهرة، حيث عمل على تجديد عميق وأحاط نفسه بفريق عمل متخصص في تدبير الموارد البشرية لغرس جميع القيم في موظفي الشرطة والطاقة والافتخار بارتداء الزي. واليوم، أصبحت المديرية تستفيد من سمعة جيدة تتجسد في عشرات الآلاف من الترشيحات التي تردها عبر مختلف المباريات التي تنظمها بداية كل سنة.

وتوجد المديرية العامة للأمن الوطني ضمن الخطوط الأولى لمحاربة وباء كورونا. ونتيجة لذلك، أصيب الآلاف من عناصر الشرطة بالفيروس، وبلغت نسبة الشفاء منه حوالي 94 في المائة بفضل التكفل السريع والتضامن الكبير؛ لكن في المقابل توفي بسببه 28 فرداً أثناء تأدية واجبهم من أجل الوطن، وسيتم تكريمهم حين تنتهي معركة الوباء.

15 سنة على DGST و5 سنوات على رأس DGSN

ليس هناك أدنى شك في أن مكافحة فيروس “كورونا” المستجد ستستمر في حشد قدر كبير من طاقة أفراد الشرطة، في الأشهر المقبلة. ولذلك، يجب أن تشهد ظروف عملهم نقلة نوعية، لا سيما الفرقة الوطنية للشرطة القضائية التي ستتوفر على مقر جديد في مارس من 2021، إضافة إلى المختبر العلمي الجديد الذي سيكون جاهزاً في التاريخ نفسه. كما سيكون المقر الجديد للمديرية العامة للأمن الوطني ضرورياً لمجالات الخبرة الجديدة لكبار ضباط الشرطة، ومن المقرر أن تنتهي أشغاله سنة 2023.

في 14 دجنبر الماضي، أكمل عبد اللطيف حموشي 15 عاماً على رأس المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني. وفي 15 ماي، سيكون قد أكمل خمس سنوات على المديرية العامة للأمن الوطني. وخلال هذه الفترة، عمل “ابن مدينة تازة” على أن يكون جهاز المخابرات المغربي من أقوى الأجهزة في العالم، حيث يضمن الأمن داخل حدوده ويساهم في أمن دول عديدة مستهدفة بالإرهاب في إطار التعاون النموذجي.

hespress.com