في منتجع التزلّج “مونغونيفر”، الخالي في جبال الألب الفرنسية، تسيّر عناصر الشرطة وناشطون دوريات بحثاً عن مهاجرين منهكين يحاولون تجاوز نقاط التفتيش، في موجة هجرة تغيّرت معالمها فأصبح مصدرها آسيا بدل إفريقيا، وطغت العائلات فيها على الرجال بمفردهم.
في هذه المدينة التي أصبحت في السنوات الأخيرة إحدى نقاط العبور الرئيسية بين إيطاليا وفرنسا، يشارك حوالي عشرين متطوّعاً بشكل منتظم في جولات لتقديم المساعدة لمهاجرين معرّضين للإرهاق والبرد والجوع، وفق ما يؤكد الدكتور فيليب دو بوتون، رئيس منظمة “أطباء العالم”، الموجودة منذ قرابة عامين في المدينة.
ويقول الرئيس المشارك في منظمة “توس ميغران” (جميعنا مهاجرين) ميشال روسو: “كلما كانت قوات الأمن حاضرة أكثر كلما زادت العقبات وكلما جازف الأشخاص المبعدون للالتفاف عليها”. وتوفي ثلاثة مهاجرين شباب في إقليم أوت ألب عامي 2018 و2019، بعيد عبورهم الحدود.
إلا أن رئيس بلدية قرية كلافيير الإيطالية الحدودية فرانكو كابرا يشير إلى أنه “كان هناك في أواخر ديسمبر عدد أكبر بكثير من الآن من الأشخاص الذين يسعون إلى عبور الحدود”، وتابع: “الصليب الأحمر يحاول إقناع العائلات بعدم عبور الحدود ويرافقها إلى بلدة أولكس الإيطالية (على بعد 15 كلم من مونغونيفر)، حيث يمكن استقبالها في مركز إيواء لكن بعض أفرادها يجربون حظهم”.
وصل فيروز الأفغاني البالغ 38 عاماً، الذي فرّ من المعارك في بلاده، إلى برانسون على بعد حوالي عشرة كيلومترات من مونغونيفر من الجانب الفرنسي، ويقول: “أفكر في الذهاب إلى مارسيليا أو إلى إنجلترا”.
أفغان وإيرانيون
منذ افتتاح مركز “روفوج سوليدير” للجوء في بريانسون عام 2017 استقبل 11500 شخص، ويحصل المهاجرون فيه خصوصاً على مسكن بشكل عاجل ورعاية أولية.
وبالنسبة للمهاجرين فإنها فرصة لأخذ استراحة بعد رحلة تخللتها محن كثيرة. وتشرح ماري دانيال، وهي متطوّعة في مركز “روفوج سوليدير” للجوء، وتبلغ 71 عاماً، أن “الناس يروون لنا الأعمال الوحشية وعمليات السرقة التي تعرّضوا لها (أثناء عبورهم) في كرواتيا”.
في الأشهر الأخيرة، لاحظت دوريات منظمة “أطباء العالم” انخفاضاً في عدد الواصلين، لكن أيضاً تغيّراً في مواصفات المهاجرين: إذ إن عائلات بكاملها باتت تحاول عبور الحدود وليس فقط رجال.
يزداد أكثر فأكثر عدد الآسيويين الذين يغامرون، فيما كان المهاجرون في السابق بشكل أساسي من إفريقيا جنوب الصحراء. العام الماضي، منع دُخول 354 أفغانياً (+2000% مقارنة بالعام 2019) و150 إيرانياً (+650%)، حسب أرقام إدارة المنطقة.
ويؤكد أحد الإداريين في مركز “روفوج سوليدير” للجوء ألان موشيه أنه “منذ يناير، نرى الكثير من الأفغان والإيرانيين”.
ويبدو أن عدد المهاجرين يتراجع، إذ إن نسبة رفض الدخول إلى الأراضي الوطنية انخفضت بـ60% منذ ذروة موجة الهجرة عام 2018. إلا أن قوات الأمن لا تخفف اليقظة.
تحت الضغط
يندد روسو من منظمة “توس ميغران” بـ”تقنيات ترهيب” تستخدمها قوات الأمن، مثل “مراقبة المركبات وعمليات التفتيش العديدة والغرامات الباهظة” حيال مهاجرين تتولى جمعيته أمرهم.
ويقول السكرتير الإداري لاتحاد الشرطة الوطنية فانسان غييرمين إن “أفراد الشرطة يدركون أن المهاجرين ليسوا مرتكبي جرائم”، ويضيف أن حوالي ستين عنصراً تتعين عليهم مواجهة الضغط الذي يُمارس عليهم بفعل “الحضور اليومي لناشطين من كافة الجهات”.
ويندّد النائب الأوروبي داميان كاريم من جهته بـ”الضغط الممارس على قوات الأمن”، الذي ينسبه إلى “الحكومة التي تريد حصد أصوات اليمين المتطرف”.
ويردّ مدعي الجمهورية في مدينة غاب فلوران كروي بالقول: “في العام 2020، لم تتلقَ نيابتي أي شكوى ضد شرطة أو عناصر درك بسبب أعمال عنف ارتكبتها أو أي مخالفة أخرى”، وأضاف أن “الأولية المطلقة هي مكافحة الأشخاص الذي يُدخلون بشكل غير قانوني إلى فرنسا، لا الأشخاص الذين يستقبلونهم في فرنسا”.
وسيُحاكم مهربان يبلغان 28 و31 عاماً، يُشتبه في أنهما ساعدا مهاجرين في عبور الحدود، في 22 أبريل في غاب، وهي مركز إقليم أوت ألب. ويواجه الشخص المتهم بالمساعدة في إدخال أجنبي بشكل غير قانوني عقوبة السجن لخمس سنوات ودفع غرامة قدرها 30 ألف يورو.
والعام الماضي، أُوقف 78 مهرباً في أوت ألب، مقابل 30 في 2019 و31 عام 2018 و34 عام 2017 و6 عام 2016. ومنذ إقرار قانون اللجوء والهجرة، عام 2018، لم تعد المساعدة على التنقل جرماً في حال كانت هذه المساعدة بهدف إنساني حصراً، على غرار المساعدة المعيشية منذ عام 2012.